الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلاوة القرآن الكريم
أولا: أدب التلاوة:
لما كان قارئ القرآن فى حضرة ربه مناجيا له كان لزاما عليه أن يتأدب بآداب خاصة تليق بحضرة ربه ومناجاته، وقد حدد العلماء الأجلاء هذه الآداب وبيّنوها وسوف ألخص تلك الآداب فيما يلى (1):
1 -
أن يكون القارئ على طهارة حسّية- أى من الحدث الأكبر والأصغر-، وذلك لأن قراءة القرآن الكريم أفضل أنواع الذكر خاصة وأنها مناجاة بين العبد وربه، فيستلزم لذلك طهارة الظاهر والباطن.
2 -
وأن يقرأ فى الأماكن الطاهرة والنظيفة التى تليق بعظمة ومقام القرآن الكريم، ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة فى المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة ومحصلا لفضيلة أخرى وهى الاعتكاف. وأن يكون أثناء القراءة مستقبلا للقبلة، لأن قراءة القرآن عبادة، واستقبال القبلة من أسباب القبول وأدعى له.
3 -
أن يستعمل السواك ويتخلل فيطيب فاهه ويطهره، لأنه الطريق الذى يخرج منه القرآن الكريم، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك» (2)، وقال يزيد بن أبى مالك:«إن أفواهكم طرق من طرق القرآن فطهروها ونظفوها ما استطعتم» .
4 -
أن يخلص فى قراءته ويريد بها وجه الله تعالى دون شىء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة أو مدح أو رئاسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه ونحو ذلك.
5 -
أن يستحضر فى ذهنه أنه يناجى ربه ويقرأ كتابه، فيتلوه على حالة من يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإن الله سبحانه وتعالى يراه.
6 -
أن يعظم القرآن ويوقره، فيتجنب الضحك، والحديث الأجنبى خلال القراءة إلا لحاجة، وألا يعبث باليد ونحوها، وألا ينظر إلى ما يلهى أو يبدد الذهن.
7 -
أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند ابتدائه للقراءة، وهذا ما عليه جمهور العلماء قديما وحديثا. وقيل: بعدها. وأوجبها
(1) انظر: هداية القارى إلى تجويد كلام البارى: ص 497 - 511 - طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية بشبرا مصر- الأولى سنة 1402 هـ 1982 م- للشيخ/ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى.
(2)
الحديث: أخرجه ابن ماجة فى سننه فى كتاب الطهارة رقم 17، وذكر فى إتحاف السادة المتقين 2/ 340، وكنز العمال رقم 2751، وحلية الأولياء 4/ 296 وجمع الجوامع برقم 6249 والدر المنثور فى التفسير بالمأثور 1/ 113.
قوم لظاهر الأمر فى الآية، وهى قوله تعالى:
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (سورة النحل آية 98)، وصيغتها المختارة عند عامة الفقهاء وجميع القراء:
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، وكان بعض السلف يزيدون «السميع العليم» ، ولا خلاف بين أهل الأداء فى الجهر بها عند افتتاح القراءة، والإخفاء أولى إذا كان يقرأ وحده خاليا عن الناس أو فى الصلاة، ويكفيه تعوذ واحد ما لم يقطع قراءته بكلام أجنبى أو فصل طويل.
8 -
أن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير سورة «براءة» ، لأن أكثر العلماء على أنها آية من أول كل سورة، فإذا أخل بها كان تاركا لبعض الختمة عند الأكثرين، أما فى الابتداء بما بعد أوائل السور ولو بكلمة فتجوز البسملة وعدمها لكل القراء تخييرا.
9 -
ويسن للقارئ أن يقرأ على تؤدة وبترتيل، لأن ذلك أدعى للتدبر وأقرب إلى التوقير والاحترام. ولقول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية 4)، ولما رواه أبو داود وغيره عن أم سلمة- رضى الله تعالى عنها- «أنها نعتت قراءة النبى- صلى الله عليه وسلم قراءة مفسّرة حرفا حرفا» (3).
وفى صحيح البخارى عن أنس- رضى الله تعالى عنه- أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت مدّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد الله ويمدّ الرحمن ويمدّ الرحيم» (4).
واتفق العلماء على كراهة الإفراط فى الإسراع بالقراءة، وقالوا: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزءين فى قدر ذلك الزمان بلا ترتيل. وقالوا: واستحباب الترتيل للتدبر، لأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيرا فى القلب، ولهذا يستحب للأعجمى الذى لا يفهم معناه (5).
10 -
تدبر ما يتلى: ينبغى على المؤمن أن يقرأ القرآن بالتدبر والفهم، وأن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به ويتفهمه لقول الله تعالى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (سورة ص آية 29) وقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (سورة محمد صلى الله عليه وسلم آية 24).
والطريق إلى ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر فى معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهى، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل،
(3) الحديث: رواه أبو داود فى كتاب الصلاة 2/ 74 رقم 1466، والترمذى فى فضائل القرآن 5/ 167 رقم 2923 وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن أبى مليكة عن يعلى بن مليكة عن أم سلمة، ورواه النسائى فى الافتتاح 2/ 181 رقم 1022.
(4)
الحديث: رواه البخارى فى فضائل القرآن، باب مد القراءة انظر فتح البارى 8/ 709 رقم 5046.
(5)
الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى 1/ 140.
أو عذاب أشفق وتعوذ، أو تنزيه نزه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب.
فقد روى الإمام مسلم بسنده عن حذيفة- رضى الله تعالى عنه- قال: «صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها، ثم النساء فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوذ» (6).
ومما يعين على التدبر أيضا تكرير الآية وترديدها، فقد روى النسائى وغيره عن أبى ذرّ- رضى الله تعالى عنه- قال: قام النبى صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح. والآية: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ (7).
وعن تميم الدارى- رضى الله تعالى عنه- أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (8)(سورة الجاثية آى 21) وردد ابن مسعود- رضى الله تعالى عنه: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (سورة طه آية 114) وردد سعيد بن جبير قوله تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ (سورة البقرة آية 281) إلى غير ذلك من الأقوال فى هذا الصدد.
قال الإمام النووى: «والأحاديث فيه- أى فى التدبر والخشوع عند التلاوة- كثيرة، وأقاويل السلف فيه مشهورة. وقد بات جماعات من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح. وقد صعق جماعات من السلف عند القراءة، ومات جماعات منهم حال القراءة (9).
11 -
تحسين الصوت بالتلاوة: أجمع العلماء من السلف والخلف من الصحابة والتابعين- رضى الله تعالى عنهم- ومن بعدهم من علماء الأمصار وأئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بتلاوة القرآن وتزيينها، لأن ذلك يؤدى إلى التأثير على النفوس، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«زينوا القرآن بأصواتكم» (10)، وفى لفظ عند الدارمى:«حسنوا القرآن بأصواتكم» (11)، ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت أن يتغنّى بالقرآن» (12).
قال ابن كثير: ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشىء كاستماعه لقراءة نبى يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع فى قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية وذلك هو الغاية فى ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة- رضى الله عنها-: سبحان الذى وسع سمعه الأصوات.
(6) الحديث: أخرجه مسلم فى صحيحه فى صلاة المسافرين 1/ 536، 537 رقم 772، وأبو داود. فى الصلاة 1/ 543، والترمذى فى الصلاة 2/ 48 رقم 262.
(7)
الحديث: رواه النسائى 2/ 177، وابن ماجة رقم 1350 وأحمد فى المسند 5/ 156، 170.
(8)
الأثر: رواه ابن أبى شيبة 2/ 362 بإسناد صحيح.
(9)
انظر: التبيان فى آداب حملة القرآن ص 60 - 62.
(10)
حديث صحيح أخرجه أبو داود فى سننه 2/ 155 رقم 1468، والنسائى 2/ 179، وابن ماجة 1/ 426 رقم 1342.
(11)
ذكره السيوطى فى الإتقان 1/ 141.
(12)
رواه البخارى فى فضائل القرآن، باب من لم يتغن بالقرآن، انظر فتح البارى لابن حجر 8/ 686 رقم 5024.
ولكن استماعه عباده المؤمنين أعظم كما قال تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ (سورة يونس آية 61)، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم (13).
هذا: وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى بنفسه فى تحسين الصوت بالتلاوة، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:«سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العشاء: والتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه» (14).
وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه، وفى بعض الروايات: فلما سمعته قرأ: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لّا يوقنون (36) أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون (سورة الطور الآيات 35 - 37)، «كاد قلبى أن يطير» (15).
ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب، وهذا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذى إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله» (16).
12 -
التغنى بالقرآن: ومن أجل تحسين التلاوة وتزيينها أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتغنى بالقرآن، فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى يتغنى بالقرآن» (17).
قال سفيان بن عيينة تفسيره: يستغنى به.
ولكن الإمام الشافعى رحمه الله تعالى ردّ هذا القول وقال: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى، إنما هو يتحزن ويترنم به.
ويؤيد هذا ما جاء فى الرواية الأخرى: «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» (18)، قال الطبرى- رحمه الله تعالى: لو كان معناه الاستغناء
لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى.
ومما يؤكد هذا المعنى أيضا ما أخرجه البخارى وغيره عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» (19)، والمراد بالتغنى بالقرآن تحسين الصوت وتطريبه وتحزينه والتخشع به لما جاء عن أبى موسى رضي الله عنه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: «لو رأيتنى وأنا استمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» قلت:
أما والله لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا» (20).
قال الحافظ ابن كثير بعد أن ذكر هذه
(13) فضائل القرآن لابن كثير ص 33 طبعة الحلبى.
(14)
الحديث: رواه البخارى ومسلم. وقال النووى متفق عليه. رياض الصالحين ص 283 طبعة دار التراث العربى الأولى 1402 هـ 1982 م.
(15)
الحديث: أخرجه مالك فى الموطأ 1/ 78 باب القراءة فى المغرب والعشاء، والبخارى فى تفسير سورة الطور فتح البارى 8/ 603 رقم 4854، ومسلم فى كتاب الصلاة، باب القراءة فى الصبح 12/ 41 رقم 174.
(16)
الحديث: رواه ابن ماجة فى سننه، كتاب إمامة الصلاة 1/ 425 رقم 1339، وذكره الألباني فى السلسلة الصحيحة 4/ 112 برقم 1583 بلفظ فيه اختلاف يسير.
(17)
صحيح البخارى 6/ 107، وصحيح مسلم 1/ 545.
(18)
الحديث: 8/ 214 وصحيح مسلم 1/ 545 رقم 792 وأبو داود 2/ 76 رقم 1473 وأحمد فى المسند 2/ 271.
(19)
الحديث: رواه البخارى فى كتاب التوحيد انظر فتح البارى 13/ 510 رقم 7527، وأحمد فى المسند 1/ 172، 175.
(20)
الحديث: رواه البخارى فى فضائل القرآن 8/ 710 رقم 5048 والترمذى فى المناقب 5/ 650 رقم 3855.
الأحاديث وغيرها: والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقى، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك فى أدائه هذا المذهب.
وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك كما قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام- رحمه الله حدثنا نعيم بن حماد عن بقية بن الوليد عن حصين بن مالك الفزارى قال:
سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجىء قوم من بعدى يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» (21).
وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التى يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة- رحمهم الله تعالى- على النهى عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذى يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه- والله أعلم.
13 -
التحزين بالقرآن: ويستحب للقارئ البكاء عند قراءة القرآن، والتباكى لمن لا يقدر على البكاء، والحزن والخشوع، لقول الله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (سورة الإسراء آية 109) وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (سورة الأنفال آية 2)، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» (22).
وروى أبو داود بسنده عن عبد الله بن الشّخّير عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» (23) وفى الشّعب للبيهقى عن سعد بن مالك مرفوعا: «إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» (24).
وفى مسند أبى يعلى حديث: «اقرءوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن» ، وعند الطبرانى «أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن» (25).
قال أبو حامد الغزالى- رحمه الله تعالى- البكاء مستحب مع القراءة وعندها. قال:
(21) الحديث: رواه ابن كثير فى فضائل القرآن ص 36 وهو غير صحيح حيث فى سنده بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع رواه معنعنا عن حصين بن مالك قال عنه النسائى: فى التهذيب 1/ 475: إذا قال حدثت وأخبرنا فهو ثقة وإذا قال عن فلان فلا يؤخذ عنه لأنه لا يدرى عمن أخذه. وفيه أبو محمد شيخ مجهول وقد ذكر الحديث الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/ 169 ونسبه للطبرانى فى الأوسط وقال: فيه راو لم يسم وفيه بقية أيضا. وقال المناوى: قال ابن الجوزى: حديث لا يصح، وأبو محمد مجهول وبقية يروى عن الضعفاء ويدلسهم وقال الذهبى فى «ميزانه» تفرد عن أبى حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر.
(22)
أخرجه ابن ماجة فى الإقامة باب 176، والزهد 19.
(23)
الحديث: رواه أبو داود فى كتاب الصلاة، باب البكاء فى الصلاة برقم 904، والنسائى فى كتاب السهو، باب البكاء فى الصلاة برقم 1214، والإمام أحمد فى المسند 4/ 35، 36.
(24)
الحديث: ذكره السيوطى فى الإتقان 1/ 141، وابن كثير فى فضائل القرآن عن أبى داود ص 35.
(25)
الحديث: ذكره السيوطى فى الإتقان 1/ 141.
وطرقه فى تحصيله أن يحضر فى قلبه الحزن، بأن يتأمل ما فيه من التهديد، والوعيد الشديد، والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره فى ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب (26).
14 -
حق التلاوة: ينبغى لقارئ القرآن أن يتلو القرآن الكريم حق تلاوته، ويتبع ما جاء فيه من أحكام وآداب حق اتباعه، لقول الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (سورة البقرة آية 121).
وروى ابن أبى حاتم بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فى معنى قوله تعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ قال: إذا مرّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرّ بذكر النار تعوّذ بالله من النار». وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«والذى نفسى بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله» (27).
وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- فى معنى هذه الآية قال: «يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه» وقال أيضا: يتبعونه حق اتباعه.
وقال الحسن البصرى: «يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه» (28).
وقال الإمام الغزالى: «تلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان: تصحيح الحروف، وحظ العقل: تفسير المعانى، وحظ القلب: الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار، فاللسان يرتل، والعقل ينزجر، والقلب يتعظ» (29).
15 -
هيئة قارئ القرآن: يستحب لقارئ القرآن فى غير الصلاة أن يستقبل القبلة. فقد جاء فى الحديث: «خير المجالس ما استقبل به القبلة» (30)، ويجلس متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده فى تحسين أدبه وخضوعه، كجلوسه بين يدى معلمه، فهذا هو الأكمل.
ولو قرأ قائما أو مضطجعا، أو فى فراشه أو غير ذلك من الأحوال جاز، وله أجر، ولكن دون الأول. قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ (سورة آل عمران آية: 190، 191).
(26) التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص 63.
(27)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 235.
(28)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 236.
(29)
نهاية القول المفيد فى علم التجويد ص 236 للشيخ/ محمد مكى نصر. طبعة الحلبى.
(30)
الحديث: رواه الطبرانى فى الأوسط 3/ 182، 183 رقم 2375 من حديث أبى هريرة بإسناد حسن.
وثبت فى الصحيح عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ فى حجرى وأنا حائض، فيقرأ القرآن» (31)، وعن أبى موسى الأشعرى
رضي الله عنه قال: «إنى أقرأ القرآن فى صلاتى، وأقرأ على فراشى» (32)، وعن عائشة- رضى الله عنها- قالت:«إنى لأقرأ حزبى وأنا مضطجعة على السرير» (33).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
«ينبغى لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يختالون» .
وعن الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى- قال: «حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغى له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن» (34).
16 -
سجود التلاوة: يسن لقارئ القرآن إذا مرّ بآية فيها سجدة من سجدات القرآن أن يسجد، لما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال:«يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر» (35).
وثبت فى الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قرأ على النبى صلى الله عليه وسلم «والنجم» فلم يسجد (36)، وثبت أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم، قال: فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه
…
» (37).
وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال:
«سجد النبى صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» (38).
وأما عدد السجدات ومحلها: فالذى عليه جمهور العلماء أنها أربع عشرة سجدة: فى سورة الأعراف عند نهاية السورة الآية 206، وفى سورة الرعد عند نهاية الآية 15، وفى سورة النحل عند نهاية الآية 50، وفى سورة الإسراء عند نهاية الآية 109، وفى سورة مريم عند نهاية الآية 58، وفى سورة الحج سجدتان عند نهاية الآية 18، وعند نهاية الآية 77، وفى سورة الفرقان عند نهاية الآية 60، وفى سورة النمل عند نهاية الآية 26، وفى سورة «الم تنزيل السجدة» عند نهاية الآية 15، وفى سورة «حم السجدة» عند نهاية الآية 15، وفى سورة «حم السجدة» فصلت عند نهاية الآية 38، وفى سورة النجم عند نهاية الآية 62، وفى سورة «إذا السماء
(31) الحديث: أخرجه البخارى 1/ 401 رقم 297، ومسلم فى صحيحه 1/ 246 رقم 301، وأبو داود فى سننه رقم 260 والنسائى 1/ 147، 191، وابن ماجة برقم 634، والإمام أحمد فى المسند 6/ 68، 72، 117، 135.
(32)
التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص 59.
(33)
المصدر السابق.
(34)
انظر التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص 44.
(35)
رواه البخارى فى كتاب السجود. انظر فتح البارى 2/ 557 رقم 1077.
(36)
المصدر السابق حديث رقم 1072، ورواه مسلم برقم 577.
(37)
انظر فتح البارى لابن حجر تفسير سورة النجم 8/ 480 رقم 4863.
(38)
المصدر السابق رقم 4862.
انشقت» عند نهاية الآية 21، وفى سورة «اقرأ باسم ربك» عند نهاية السورة الآية 19.
وأما سجدة سورة «ص» فمستحبة، وليست من عزائم السجود أى متأكداته، فقد ثبت فى صحيح البخارى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم سجد فيها» (39).
ويشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة من الطهارة، وستر العورة، والتوجه إلى القبلة. وينبغى أن يقع السجود عقب آية السجدة التى قرأها أو سمعها، فإن أخر ولم يطل الفصل سجد، وإن طال فقد فات السجود، ولا يقضى على المذهب الصحيح المشهور كما لا يقضى صلاة الكسوف (40).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(39) الحديث: أخرجه البخارى برقم 1079، ورقم 3422، وانظر أيضا فتح البارى كتاب التفسير، تفسير سورة ص حديث رقم 4806، 4807، وأبو داود تحت رقم 1409، والترمذى برقم 577.
(40)
انظر: التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص 94 - 106.