الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
قال صاحب البرهان: «تنبيه: لترتيب وضع السور فى المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفى صادر عن حكيم؛ أحدها: بحسب الحروف، كما فى الحواميم. وثانيها: لموافقة أول السورة لآخر ما قبلها، كآخر الحمد فى المعنى وأول البقرة. وثالثها: للوزن فى اللفظ، كآخر (تبت) وأول الإخلاص. ورابعها:
لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل (والضحى) و (ألم نشرح).
تناسب السور القرآنية:
إن سور القرآن كلها مترابطة فيما بينها برباط وثيق، ومناسبة لطيفة، يدركها المتدبرون، قال الله سبحانه وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82]، ويلاحظ العلماء هذا التناسب على وجهين:
الوجه الأول: مناسبة السورة لما قبلها وما بعدها.
ولهذا الوجه مسلكان:
المسلك الأول: تناسب لفظى حيث الفواتح والخواتم.
فواتح السور وخواتمها وجه مشرق من وجوه الإعجاز القرآنى، ولذلك اهتم بها العلماء أيما اهتمام، فقاموا يتلمسون التناسب الدقيق بين أجزاء التركيب القرآنى، فأبرزوا ذلك بشكل جلى واضح، وكان من ذلك وجه التناسب بين فاتحة السورة وخاتمة غيرها، وبالنظرة العامة إلى سور القرآن تتميز فواتح السور على أشكال:
1 -
الثناء على الله، مثل: الإسراء والكهف.
2 -
الأحرف المفردة، مثل: البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم.
3 -
النداء، مثل: النساء والمائدة، والطلاق والتحريم.
4 -
الشرط، مثل: التكوير والانفطار.
5 -
الأمر، مثل: الإخلاص والفلق والناس.
6 -
الاستفهام، مثل: الإنسان والنبأ.
7 -
الدعاء، مثل: المعوذتين.
8 -
القسم، مثل: الفجر والبلد والشمس والليل والضحى.
9 -
الخبر، مثل: القمر والرحمن، والحديد والمجادلة.
10 -
الحمد، مثل: سبأ وفاطر.
11 -
التسبيح، مثل: الصف والجمعة.
وخواتم السور كذلك على أشكال:
1 -
الدعاء، مثل: الفاتحة والبقرة.
2 -
وحدانية الله، مثل: التكوير
وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ والانفطار يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.
3 -
خبر الكافرين، مثل: النازعات كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها وعبس أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ.
4 -
خبر المؤمنين، مثل: سورة المطففين فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ والانشقاق إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ.
5 -
الثناء على الله، مثل الأنبياء وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ والحج هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
6 -
التسبيح، مثل سورة يس فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، والصافات سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
7 -
التنبيه، مثل فصلت أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ والشورى أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ.
8 -
ذكر الخاص بعد العام، مثل الحجرات إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ مع سورة ق نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.
والتناسب قائم بوضوح بين السور المسبحات، التى افتتحها الله تعالى بإحدى صيغ التسبيح، وكذا بين الحامدات المفتتحة بصيغة الحمد لله، والسور المفتتحة ب حم، ومثلها الطواسين، وهى السور التى بدأها الله بأحرف (طس) وما زاد عليها، وذلك من حيث التشابه فى البدء وفى الموضوع.
ومن أمثلة تناسب فاتحة السورة مع خاتمة السورة التى قبلها:
خاتمة الإسراء وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ الآية) مع فاتحة الكهف الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً.
وخاتمة الطور وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ مع فاتحة سورة النجم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى.
وخاتمة الواقعة فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ مع فاتحة الحديد سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وربما كانت المناسبة من هذا النوع دقيقة بعض الشيء بما يحتاج إلى تدبر؛ نحو ما يمكن أن يقال فيما بين سورتى الحج والمؤمنون من أن آخر الحج أمر للمؤمنين بالإخلاص لله والاعتصام بدينه، وأول سورة المؤمنون يقدم البشرى بالفلاح على ذلك.
كما يمكن أن يقال فيما بين العنكبوت والروم: فخاتمة العنكبوت ذكرت المجاهدين فى سبيل الله ومعونته لهم، وفاتحة الروم ذكرت أن الحرب سجال ودول غير أن العاقبة لأصحاب الشريعة السماوية.
المسلك الثانى: التناسب بين الموضوع الرئيس فى كل سورة:
وهذا مسلك أعمق وأدق فى الملاحظة، حيث يربط بين الروحين الساريين فى السورتين، ومن أمثلة ذلك ما يلى:
- بين سورة الفاتحة والبقرة: يمكن القول بأن سورة البقرة تفصيل لإجمال سورة الفاتحة.
- وبين سورتى البقرة وآل عمران: يمكن القول بأن سورة البقرة بينت قبح اليهود، بيانا واقعيا من خلال واقع حياتهم، مما يبعث فى النفوس المطمئنة بغضا عظيما، ونفورا بعيدا من اليهود، ثم جاءت سورة آل عمران لتعلن أن اليهود (ليسوا سواء) فلقد كان منهم آل عمران الذين اصطفاهم الله (مع آدم ونوح وآل إبراهيم) كما قال فى سورتهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ الآية 33 فعمران، وامرأته، وابنتهما مريم، وحفيدهما عيسى ابن مريم كل أولئك كانوا صالحين على خلاف بنى إسرائيل، بدليل أنه جاء منهم عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
- وبين سورة الطلاق والتحريم والملك، يمكن أن يقال:
فى سورة التحريم يقرر الله قاعدة عقدية عظيمة، وهى أن التحريم حق خالص لله، لا يجوز لأحد- مهما كان- أن ينازع الله فيها ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى:
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل 116] وفى سورة الطلاق قبلها أمر بأن يكون التحريم- فيما أذن الله فيه لعباده أن يحرموه- على منهج الله- سبحانه وتعالى فى التحريم، على حد قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ لأول إقبال
عدتهن وهو الطهر الطاهر الذى لم يقع فيه جماع.
ثم تأتى سورة الملك لتثبت أن الملك كله لله لا ينازعه فيه أحد، وكأنها بذلك تقدم تبريرا لانفراد الله بتحريم الحرام وإباحة الحلال.
فهذه السور الثلاث بهذا الترتيب تتلخص فى جمل متراصة:
- إذا حرمتم شيئا مما أذن الله لكم بتحريمه فلا تحرموا إلا على منهج الله، فإنه لا يجوز لأحد أن يحرم شيئا من دون الله، لأن الله- سبحانه وتعالى هو مالك الملك كله، لقوله سبحانه وتعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
الوجه الثانى: التناسب داخل السورة الواحدة:
وهذا التناسب نوعان:
النوع الأول: التناسب بين فاتحة السورة وخاتمتها.
وهذا يسمى: ترابط الأطراف، أو: رد العجز على الصدر.
يقول الدكتور القيعى- رحمه الله" ومما تجدر الإشارة له: التعرف على الانسجام الكامل بين أول السورة ونهايتها (20).
ومن أمثلة هذا النوع فى سورة البقرة مثلا: فاتحتها ثناء على المتقين الذين آمنوا بالقرآن وما فيه حتى ما لم يعرفوه مثل (الم)، واهتدوا بهداه، وخاتمة السورة شهادة لهم بالإيمان الذى حققوه: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
وسورة النور: لما كان أولها: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ ولما كان معلوما لله تعالى أن الكافرين وأمثالهم سيقولون: وما شأن الله أن يفرض علينا ولنا عقولنا التى نعقل بها أمورنا وندبر بها حياتنا جاء ختام السورة:
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وهذا كالجواب على السؤال المثار على أول السورة، أى أن الله أنزل ما أنزله وفرضه لأنه مالك السموات والأرض وهو بكل شىء عليم.
ونحوها سورة الممتحنة: فأولها وآخرها اجتمعا على شىء واحد وهو نهى المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء، أما أولها فقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
(20) الأصلان ص 63».