الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصر
القصر فى اللغة الحبس والتضييق والمنع، ومعناه قريب من معنى الحصر (1).
أما فى اصطلاح البلاغيين فيدور معناه حول معنى التخصيص أى تخصيص أمر بأمر آخر، بمعنى منع الشركة فيه، فهو لمن خصصته به، كما لو قائل قال:
هذا الكتاب لخالد، فقد قصر ملكية الكتاب على خالد دون أن يشركه أحد فيه.
هذا هو المعنى العام للقصر فى اللغة، أما المعنى فى البلاغة فهو:
«تخصيص شىء بشيء بطريق مخصوص» (2) هذا تعريف الإمام جلال الدين السيوطى. أما الخطيب القزوينى فقد عرفه بقوله:
«تخصيص أحد الأمرين بالآخر وحصره فيه» (3) وهو قريب من تعريف السيوطى، بيد أنه لم يذكر الطريق أو الأداة التى تستخدم فى القصر، وقد تداول البلاغيون هذين التعريفين مع ميلهم إلى التعريف الأول.
وهذا مثال يوضح مرادهم من التعريف:
«ما نجا إلا الصالحون» هذا المثال من صور القصر، لأنه خص أمرا هو «النجاة» بأمر هو «الصالحون» أما الطريق المخصوص، الذى به تحقق القصر فهو «النفى والاستثناء» أى ما وإلا.
ومن هذا التحليل يتبيّن أن أسلوب القصر يتكوّن من ثلاثة أركان:
الأول: هو الأمر المقصور، وهو فى هذا المثال «النجاة» .
الثانى: هو المقصور عليه، وهو فى هذا المثال «الصالحون» .
الثالث: طريق القصر أو أداته، وهو- هنا- النفى والاستثناء، سواء كان بما وإلا، أو بغيرهما.
وهناك أمثلة من القرآن الكريم موزعة على أدوات القصر:
* النفى والاستثناء، ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ .. (4). هذا قصر موصوف (محمد) على صفة (رسول) أما أداة القصر فهى (ما، وإلا): أى النفى والاستثناء فقد خصصت
(1) اللسان والمعاجم اللغوية مادة: قصر.
(2)
شروح التلخيص (2/ مبحث القصر) ومعترك الأقران للسيوطى (2/ 2).
(3)
شرح التلخيص (321) عمل محمد مصطفى رمضان.
(4)
آل عمران (144).
الآية محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه رسول، كما كان من معانى هذا القصر نفى أن يكون لمحمد صلى الله عليه وسلم صفة أخرى تخرجه عن بشريته، وعن منع إجراء أحكام البشرية عليه، ومنها الموت، الذى استعظم أصحابه نزوله به عن طريق القتل وغيره.
* إنما: ومن أدوات القصر «إنما» ومن أمثلتها فى القرآن الكريم قوله تعالى:
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ .. (5).
المقصور هو التحريم، والمقصور عليه هو الميتة وما عطف عليه.
وأداة القصر هى «إنما» وهو قصر صفة (التحريم) على موصوف (الميتة وما عطف عليه. وأداة القصر هى «إنما» والمعنى:
ما حرّم عليكم إلا كذا والمقصور فى طريق «إنما» هو ما يأتى بعدها مباشرة أما المقصور عليه فهو ما يأتى ثانيا بعد المقصور وأما المقصور فى طريق النفى والاستثناء فهو ما يقع قبل أداة الاستثناء. والمقصور عليه هو ما يقع بعد أداة الاستثناء.
* تقديم ما حقه التأخير هذا طريق ثالث من طرق القصر، وهو تقديم ما حقه التأخير، كتقديم الخبر على المبتدأ، وتقديم الحال على صاحبها، وتقديم المفعول على الفعل.
ومن تقديم ما حقه التأخير فى القرآن الكريم قوله تعالى:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فقد قدّم إِيَّاكَ فى الموضعين على الفعل نَعْبُدُ، نَسْتَعِينُ لإرادة القصر والتخصيص، والمعنى.
نخصك بالعبادة، ونخصك بالاستعانة، ولولا إرادة القصر لقيل: نعبدك ونستعينك.
لأن هاتين العبارتين لا تمنعان التشريك فى العبادة والاستعانة.
والآية اشتملت على صورتى قصر، وفى كل منهما قصر صفة على موصوف: أى قصر العبادة والاستعانة وهما صفتان، على موصوف، وهو الله عز وجل، المكنى عنه ب «الكاف» فى إِيَّاكَ.
* تعريف جزئى الجملة الاسمية: ومن طرق القصر تعريف جزئى الجملة الاسمية (المسند إليه والمسند) ومن أمثلته فى القرآن الكريم قوله تعالى.
فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ (6) المسند إليه «الله» والمسند الْوَلِيُّ أى لا ولى إلا الله، قصر صفة على موصوف على سبيل التحقيق.
وأداة القصر هى تعريف كل من المسند إليه فَاللَّهُ والمسند الْوَلِيُّ وقد زاد القصر هنا قوة ضمير الفصل هُوَ.
* العطف بلا وبل ولكن، ومن طرق القصر العطف بلا وبل ولكن. ومن أمثلته فى
(5) المائدة (115).
(6)
الشورى (9).
القرآن الكريم قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ (7).
المقصور فى الآية هو (من يقتل في سبيل الله) والمقصور عليه هو أَحْياءٌ وأداة القصر هى بَلْ قصر موصوف على صفة.
ويشترط فى إفادة بَلْ القصر أن يتقدم عليها نفى أو نهى. وفى هذه الآية تقدم عليها النهى: وَلا تَقُولُوا.
ومثل «لكن» قوله تعالى:
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ (8) فالمقصور محمد صلى الله عليه وسلم والمقصور عليه الرسالة، وأداة القصر لكِنْ ويشترط فيها ما اشترط فى بَلْ من تقديم النفى أو النهى عليها.
وقد تقدم عليها فى هذه الآية النفى بما.
وللقصر أنواع ثلاثة، باعتبار حال المخاطب، فقوله تعالى إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (9).
يصلح أن يكون قصر قلب، أو قصر إفراد، أو قصر تعيين.
* فإن كان المخاطب يعتقد أن محمدا ملك لا بشر كان القصر قصر قلب، أى قلب اعتقاد المخاطب إلى العكس.
وإن اعتقد أنه ملك وبشر، كان قصر إفراد.
* وإن كان مترددا هل هو ملك أو بشر كان قصر تعيين. وللقصر باعتبار الواقع نوعان:
* قصر حقيقى مطابق معناه للواقع، ومثاله من القرآن: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لأن هذا القول مطابق للواقع تماما.
* قصر ادعائى أو تنزيلى فإن كان القصر قصر صفة على موصوف فإنك تذهب إلى عدم الاعتداد بكل ما له من صفات سوى الصفة التى قصرته عليها. ومثاله ما تقدم وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
المصادر والمراجع:
(7) البقرة (154).
(8)
الأحزاب (40).
(9)
فصلت (6).
وللاستزادة: انظر مباحث القصر فى:
* دلائل الإعجاز* المطول* الإيضاح