الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلق القرآن ومقيده
أولا: ما هو المطلق:
هو لغة: (التحرر من القيد). واصطلاحا:
(اللفظ الدال على الماهية بلا قيد من وحدة أو غيرها) كذا عرّفه ابن السبكى وغيره.
وبعضهم يقيد الماهية فيقول: (الماهية من حيث هى). ويتساوى فى ذلك جعلنا الماهية المقرونة بالعوارض عين هوية الموجود فى الخارج، فتصير الإنسانية هى عين هوية المشخص (محمد)، أو جعلنا الماهية جزءه- كاختيار بعض الحكماء- ففي الحالتين يكون طلب المطلق من العبد شرعا بأن قال له الشارع: اعتق رقبة، فإن هذا المطلق يتحقق فى فرد ذى هوية مخصوصة؛ لأن الماهية المجردة من المشخصات لا يمكن طلبها من العبد؛ لعدم تمكنه من تحصيلها فى الخارج إلّا بالهوية المخصوصة فى فرد خارجى.
وعليه لم تكن هناك حاجة لعدول الآمدى لتعريفه المطلق بأنه (لنكرة فى الإثبات)، وعدول تلميذه إلى تعريفه بأنه:(ما دلّ على شائع فى جنسه)؛ لأن ما قالاه أمر كلى ذهنى لا يحصل فى الخارج مجردا، ولأن التعريفات وضعت للوصول للحقيقة لا لما فى الخارج.
وقد أحسن صاحب «الكشف» فى تفريقه بين بعض الألفاظ فقال: «الماهية فى ذاتها لا واحدة ولا متكثرة، واللفظ الدال عليها من غير تعرض لقيد ما هو المطلق، ومع التعرض لكثرة معينة هو اسم العدد، وغير معينة هو العام، ولوحدة معينة هو المعرفة، ولوحدة غير معينة هو النكرة» .
ثانيا: حكم المطلق مع المقيد:
الأقسام الممكنة فى مسألة حمل المطلق على المقيد أو عدمه تأتى من النظر إلى الحكم والسبب فى المطلق والمقيد، وهما:
المطلق والمقيد إما أن يتفقا فى الحكم والسبب، وإما أن يختلفا فيهما، وإما أن يتفقا فى الحكم ويختلفا فى السبب، أو العكس، فالأقسام أربعة، وكل قسم منها إمّا أن يكون المطلق والمقيد مثبتين وإمّا منفيين وإما أحدهما مثبتا والآخر منفيا. فمجموع
الأقسام: اثنا عشر قسما من ضرب أربعة فى ثلاثة. فما اختلفا فيه فى الحكم والسبب فلا يحمل المطلق على المقيد فيه باتفاق. وبهذا ذهبت أقسام ثلاثة وبقيت تسعة، يظهر الحكم فيها من كلام ابن السبكى وشارحه «المحلى» ، مع ملاحظة حمل ما لم يذكر من هذا الفصل على ما ذكر. قالا رحمهما الله:
«مسألة المطلق والمقيد كالعام والخاص» فما جاز تخصيص العام به يجوز تقييد المطلق به وما لا فلا. فيجوز تقييد الكتاب بالكتاب وبالسنة، والسنة بالكتاب والسنة، وتقييدهما بالقياس والمفهومين وفعل النبى عليه الصلاة والسلام وتقريره، بخلاف مذهب الراوى، وذكر بعض جزئيات المطلق على الأصح فى الجميع. (و) يزيد المطلق والمقيد «أنهما إن اتحد حكمهما وموجبهما» بكسر الجيم أى سببهما «وكانا مثبتين» كأن يقال فى كفارة الظهار: أعتق رقبة مؤمنة «وتأخر المقيد عن وقت العمل بالمطلق
فهو» أى المقيد «ناسخ» للمطلق بالنسبة إلى صدقه بغير المقيد «وإلا» بأن تأخر عن وقت الخطاب بالمطلق دون العمل أو تأخر المطلق عن المقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تاريخهما «حمل المطلق عليه» أى: على المقيد جمعا بين الدليلين. «وقيل المقيد ناسخ» للمطلق «إن تأخر» عن وقت الخطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به بجامع التأخر، «وقيل: يحمل المقيد على المطلق» بأن يلغى القيد؛ لأن ذكر المقيد ذكر الجزئى من المطلق فلا يقيده، كما أن ذكر فرد من العام لا يخصصه.
قلنا: الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة بخلاف مفهوم اللقب الذى ذكر فرد من العام منه- كما تقدم- «وإن كانا منفيين» يعنى:
غير مثبتين (منفيين أو منهيين) نحو لا يجزى عتق مكاتب. لا يجزى عتق مكاتب كافر، لا تعتق مكاتبا، لا تعتق مكاتبا كافرا «فقائل المفهوم» أى القائل بحجية مفهوم المخالفة وهو الراجح «يقيده به» أى يقيد المطلق بالمقيد فى ذلك «وهى» أى المسألة حينئذ «خاص وعام» لعموم المطلق فى سياق النفى، ونافى المفهوم يلغى القيد ويجرى المطلق على إطلاقه «وإن كان أحدهما أمرا والآخر نهيا» نحو: أعتق رقبة، لا تعتق رقبة كافرة، أعتقا رقبة مؤمنة، لا تعتق رقبة «فالمطلق مقيد بضد الصفة» فى المقيد ليجتمعا، فالمطلق فى المثال الأول مقيد بالإيمان، وفى الثانى مقيد بالكفر «وإن اختلف السبب مع اتحاد الحكم» كما فى قوله تعالى فى كفارة الظهار: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
وفى كفارة القتل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
فقال أبو حنيفة: «لا يحمل المطلق على المقيد فى ذلك لاختلاف السبب، فيبقى المطلق على إطلاقه» ، «وقيل يحمل» عليه «لفظا» أى بمجرد ورود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع. وقال الشافعى رضي الله عنه يحمل عليه «قياسا» فلا بد من جامع بينهما، وهو فى المثال المذكور حرمة سببهما، أى: الظهار والقتل «وإن اتحد الموجب» فيهما واختلف حكمهما» كما فى قوله تعالى فى التيمم:
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وفى الوضوء فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ والموجب لهما الحدث واختلاف الحكم من مسح المطلق وغسل المقيد بالمرافق واضح «فعلى الخلاف» من أنه لا يحمل المطلق على المقيد، أو يحمل عليه لفظا أو قياسا وهو الراجح والجامع بينهما فى المثال المذكور اشتراكهما فى سبب حكمهما «والمقيد» فى موضعين «بمتنافيين» وقد أطلق فى موضع كما فى قوله تعالى فى قضاء أيام رمضان: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وفى كفارة الظهار فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ وفى صوم التمتع فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ «يستغنى» فيما أطلق فيه «عنهما إن لم يكن أولى بأحدهما من الآخر قياسا» كما فى المثال المذكور بأن يبقى على إطلاقه لامتناع تقييده بهما لتنافيهما، وبواحد منهما لانتفاء مرجحه فلا يجب فى قضاء رمضان تتابع ولا تفريق، أما إذا كان أولى بالتقييد بأحدهما من الآخر من حيث القياس كأن وجد الجامع بينه وبين مقيده دون الآخر قيد به بناء على الراجح من أن الحمل قياس، فإن قيل: لفظى. فلا.
وقول ابن السبكى- رحمه الله فى شأن ما اتحد فيه السبب والحكم واختلف المطلق والمقيد نفيا وإثباتا: «فالمطلق مقيد بضد الصفة» علق عليه العلامة الشربينى فقال:
ثم لا يخفى بعد هذا على فطانة القارئ الكريم أن شأن ما اختلف فيه السبب دون الحكم أو الحكم دون السبب شأن ما اتحدا فيه من حيث تفصيل الإثبات والنفى لكن مع بعض فروق طفيفة تطلب من مراجعة تقريرات العلامة الشربينى فى هذا المقام (1) أه.
(1) انظر: المصدر نفسه (ص 48 - ص 52).
بقى أن يقف القارئ الكريم على ثانى التنبيهين اللذين ختم بهما السيوطى حديثه الموجز عن هذا النوع من علوم القرآن. قال رحمه الله: «ما تقدم: يعنى من حمل المطلق على المقيد وعدمه- محله، إذا كان الحكمان بمعنى واحد، وإنما اختلفا فى الإطلاق والتقييد؛ فأما إذا حكم فى شىء بأمور، ثم فى آخر ببعضها، وسكت فيه عن بعضها، فلا يقتضى الإلحاق، كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة فى الوضوء وذكر فى التيمم عضوين، فلا يقال بالحمل، ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضا، وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام فى كفارة الظهار، واقتصر فى كفارة القتل على الأولين، ولم يذكر الإطعام، فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام (2)» أه.
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(2) الإتقان فى علوم القرآن (ج 3 ص 103).