المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الوحى

- ‌ أنواع الوحى ومراتبه:

- ‌صور الوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وكيفياته:

- ‌الوحى القرآنى:

- ‌[كيف بدا الوحى]

- ‌[كتاب الوحى]

- ‌[اقسام كتاب الوحى]

- ‌فالقسم الأول: كتّاب الوحى فى العهد المكى ومن أبرزهم:

- ‌والقسم الثانى: من كتب له صلى الله عليه وسلم فى الجملة- على حد تعبير الحافظ ابن حجر- وترجح اشتراك كل منهم فى كتابة الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم بمكة:

- ‌وأما القسم الثالث: فهم كتّاب الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم فى العهد المدنى، ومن أبرزهم:

- ‌أسباب النزول

- ‌حقيقة سبب النزول (تعريف سبب النزول)

- ‌الأمر الأول: معاصرة السبب لما نزل فى شأنه من الآيات:

- ‌الأمر الثانى: مجىء سبب النزول فى إحدى صورتين:

- ‌أبرز المؤلفات فى سبب النزول

- ‌طريق معرفة سبب النزول

- ‌الصيغ التى يرد بها سبب النزول

- ‌الصيغة الأولى:

- ‌الصيغة الثانية:

- ‌تنوع أسباب النزول

- ‌فوائد معرفة أسباب النزول

- ‌عموم اللفظ وخصوص السبب

- ‌أولا: أدلة الجمهور:

- ‌ثانيا: أدلة المخالفين:

- ‌تعدد الروايات فى سبب النزول

- ‌تعدد المنزّل من القرآن والسبب واحد

- ‌أثر الجهل بسبب النزول

- ‌الفور أو التراخى فى سبب النزول

- ‌من نزل فيهم القرآن

- ‌أولا: أمثلة ممن أنزل الله تعالى فيهم قرآنا من المؤمنين:

- ‌ثانيا: أمثلة ممن أنزل الله تعالى فى شأنهم قرآنا من الكافرين:

- ‌المبادئ العامة والقيم فى القرآن الكريم

- ‌أولا: المبادئ العامة فى القرآن الكريم

- ‌المبدأ العام:

- ‌خصائص المبدأ:

- ‌ثانيا: القيم فى القرآن الكريم:

- ‌أولا: القيم الفردية، منها:

- ‌1 - اجتناب سوء الظن:

- ‌2 - إخلاص السرائر:

- ‌3 - الاستقامة:

- ‌4 - الاعتدال:

- ‌5 - التنافس فى الخير:

- ‌6 - الثبات والصبر:

- ‌7 - الرقة والتواضع:

- ‌8 - الصدق:

- ‌9 - طهارة النفس:

- ‌10 - العمل الصالح:

- ‌11 - العفّة والاحتشام وغض البصر:

- ‌12 - كظم الغيظ:

- ‌ثانيا: القيم الأسرية:

- ‌1 - الإصلاح:

- ‌2 - بر الوالدين:

- ‌3 - تربية الأولاد:

- ‌4 - الزوجية: سكن ومودة ورحمة:

- ‌5 - المساواة فى الحقوق والواجبات:

- ‌6 - المعاشرة بالمعروف:

- ‌ثالثا: القيم الاجتماعية:

- ‌1 - الإحسان للغير:

- ‌2 - الأخوة:

- ‌3 - أداء الأمانة:

- ‌4 - أداء الشهادة الصادقة:

- ‌5 - الاستئذان:

- ‌6 - إصلاح ذات البين:

- ‌7 - الإيثار:

- ‌8 - التحية:

- ‌9 - التراحم:

- ‌10 - التعاون على البر والتقوى:

- ‌11 - التكافل:

- ‌12 - التمسك بالحق:

- ‌13 - خفض الصوت:

- ‌14 - الدعوة إلى الخير والنهى عن الشر:

- ‌15 - الشفاعة الحسنة:

- ‌16 - العدل والإنصاف:

- ‌17 - العفو:

- ‌18 - الكرم:

- ‌19 - مقابلة السيئة بالحسنة:

- ‌20 - نشر العلم:

- ‌21 - الوفاء بالعهد:

- ‌رابعا: أخلاق الدولة:

- ‌1 - إقرار النظام:

- ‌2 - الإعداد للجهاد:

- ‌3 - تجنب الاستبداد والفساد:

- ‌4 - تجنب موالاة العدو:

- ‌5 - الشورى:

- ‌6 - صون المال العام:

- ‌7 - العدالة:

- ‌8 - الوفاء بالعهد والشرط:

- ‌القرآن وما يكتب فيه

- ‌أولا: القرآن: أسماؤه وإطلاقاتها لغة وشرعا

- ‌الإطلاق الأول القرآن باعتباره ألفاظا منطوقة

- ‌أولا: القرآن بوصفه علم شخص على هذا الاعتبار:

- ‌ثانيا: القرآن بوصفه اسم جنس باعتبار اللفظ المنطوق:

- ‌الإطلاق الثانى القرآن باعتباره نقشا مرقوما

- ‌الفرق بين القرآن وبين كل من الحديثين القدسى والنبوى

- ‌الإطلاق الثالث القرآن باعتباره كلاما نفسيا قائما بذاته (إطلاقه عند المتكلمين)

- ‌مسألة: «نزول القرآن على سبعة أحرف»

- ‌الوجه الرضى فى الأحرف وكيف اكتملت به العدة سبعة:

- ‌بقاء الأحرف السبعة فى المصحف على هذا الوجه:

- ‌ليست قراءات الأئمة السبعة تمام الأحرف السبعة:

- ‌عروبة لغة القرآن، وهل يقدح فيها المعرب

- ‌غريب القرآن

- ‌منطوق القرآن ومفهومه

- ‌عام القرآن وخاصه

- ‌مطلق القرآن ومقيده

- ‌أولا: ما هو المطلق:

- ‌ثانيا: حكم المطلق مع المقيد:

- ‌مجمل القرآن ومبينه

- ‌أولا: المجمل:

- ‌إحداها: أسباب الإجمال:

- ‌ثانيها: هل المجمل واقع فى القرآن

- ‌ثالثها: آيات اختلف فيها هل من قبيل المجمل أم المبين

- ‌رابعها: التفرقة بين المجمل والمحتمل لمعنيين:

- ‌خامسها: حكمة إيراد المجمل:

- ‌ثانيا: المبيّن:

- ‌أولاهما: بم يقع البيان

- ‌ثانيتهما: تأخير البيان:

- ‌أحكام القرآن

- ‌منهج القرآن العظيم فى سياق أحكامه

- ‌الأحكام الشرعية بين القطعية والظنية:

- ‌أقسام القرآن

- ‌أركان القسم:

- ‌الأسماء والكنى والألقاب فى القرآن

- ‌أولا: الأسماء:

- ‌ثانيا: الكنى:

- ‌ثالثا: الألقاب:

- ‌الموصول لفظا المفصول معنى

- ‌خواص القرآن

- ‌جمع القرآن

- ‌أوّلا: جمع القرآن بمعنى حفظه:

- ‌ثانيا: جمع القرآن بمعنى كتابته:

- ‌ا: عهد النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌الباعث على كتابة القرآن فى هذا العهد:

- ‌(ب) ما وقع من الجمع الكتابى فى عهد أبى بكر للقرآن:

- ‌(ج) الجمع العثمانى للقرآن:

- ‌كتابة القرآن

- ‌المصحف نقطه وشكله

- ‌السور القرآنية

- ‌السورة لغة:

- ‌المناسبة بين المعنى اللغوى والاصطلاحى:

- ‌مصدر معرفة تحديد السورة:

- ‌عدد سور القرآن:

- ‌أسماء السور

- ‌سر التسمية:

- ‌تعدد أسماء السورة:

- ‌أسماء السور بين التوقيف والاجتهاد:

- ‌ألقاب السور:

- ‌ألقاب أخرى:

- ‌ترتيب السور:

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثانى:

- ‌المذهب الثالث:

- ‌تناسب السور القرآنية:

- ‌الآيات القرآنية:

- ‌المناسبة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى:

- ‌عدد آيات القرآن الكريم:

- ‌ترتيب الآيات القرآنية:

- ‌تناسب الآيات:

- ‌فواصل الآيات:

- ‌البسملة آية أم لا

- ‌معناها:

- ‌منزلتها من القرآن:

- ‌الحروف المفردة فى فواتح السور:

- ‌التفسير والمفسرون

- ‌1 - التفسير لغة واصطلاحا ووجه الحاجة إليه

- ‌معنى التفسير اصطلاحا:

- ‌وجه الحاجة إلى التفسير:

- ‌2 - التأويل والتفسير:

- ‌الفرق بين التفسير والتأويل:

- ‌المتشابه فى أسماء الله وصفاته:

- ‌تأويل ما يمتنع- عقلا أو شرعا- حمله على ظاهره:

- ‌تأويل المتشابه اللفظى:

- ‌المصنفات فى التأويل:

- ‌3 - نشأة علم التفسير:

- ‌4 - تدوين التفسير:

- ‌خطآن شائعان:

- ‌5 - مصادر التفسير:

- ‌6 - مناهج المفسرين:

- ‌شروط المفسر:

- ‌7 - التفسير بالمأثور:

- ‌حتمية الأخذ بالتفسير المأثور وتقديمه على التفسير بالرأى:

- ‌المصنفات فى التفسير بالمأثور:

- ‌مظان التفسير بالمأثور فى غير المصنفات الخاصة به:

- ‌8 - تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌أولا: شرح الموجز بالمطنب:

- ‌ثانيا: تفسير المجمل بالمبين:

- ‌صور التبيين القرآنى للمجمل:

- ‌ثالثا: حمل العام على الخاص:

- ‌المخصص المتصل:

- ‌المخصص المنفصل:

- ‌رابعا: حمل المطلق على المقيد:

- ‌خامسا: الجمع بين ما يوهم ظاهره التناقض:

- ‌سادسا: بيان الناسخ والمنسوخ:

- ‌9 - التفسير النبوى:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر كل القرآن الكريم:

- ‌القدر الذى بيّنه النبىّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌أوجه بيان السنة للقرآن:

- ‌أولا: تفصيل المجمل:

- ‌ثانيا: إزالة اللبس:

- ‌ثالثا: تخصيص العام:

- ‌رابعا: تقييد المطلق:

- ‌خامسا: بيانه صلى الله عليه وسلم أن المنطوق لا مفهوم له:

- ‌سادسا: توضيح المبهم:

- ‌سابعا: بيان المراد من لفظ أو ما يتعلق به:

- ‌ثامنا: التأكيد لما جاء فى القرآن:

- ‌تاسعا: بيان أحكام لم يرد ذكرها فى القرآن:

- ‌10 - تفسير الصحابة:

- ‌مقومات اجتهاد الصحابة فى التفسير:

- ‌سمات تفسير الصحابة:

- ‌مدى حجية تفسير الصحابة:

- ‌الموقوف على الصحابة:

- ‌المفسرون من الصحابة:

- ‌11 - تفسير التابعين:

- ‌مقومات التفسير عند التابعين:

- ‌سمات تفسير التابعين:

- ‌مدى حجية تفسير التابعين:

- ‌المفسرون من التابعين:

- ‌12 - اختلاف السلف فى التفسير:

- ‌اختلاف التضاد:

- ‌13 - التفسير بالرأى:

- ‌معنى التفسير بالرأى:

- ‌التفسير بالرأى قسمان:

- ‌اختلاف العلماء فى جواز التفسير بالرأى المحمود:

- ‌أدلة المانعين ومناقشتها:

- ‌الأدلة من القرآن:

- ‌أدلة المانعين من السنة:

- ‌أدلة المانعين من آثار الصحابة والتابعين:

- ‌القائلون بالجواز:

- ‌فمن الأدلة القرآنية:

- ‌ومن الأدلة النبوية:

- ‌ومن آثار السلف:

- ‌ومن الأدلة العقلية على الجواز:

- ‌الرأى الراجح:

- ‌اختلاف مشارب العلماء فى التفسير بالرأى:

- ‌أبرز المصنفات فى التفسير بالرأى المحمود:

- ‌ومن تفاسير الرأى المذموم، أو الفرق المبتدعة:

- ‌14 - تفاسير القرآن:

- ‌15 - التفسير التحليلى والإجمالى:

- ‌المصنفات فيه:

- ‌التفسير الإجمالى:

- ‌أهم كتب التفسير الإجمالى:

- ‌16 - التفسير الفقهى:

- ‌المصنفات فى التفسير الفقهى:

- ‌أولا: من الأحناف:

- ‌ثانيا: الشافعية:

- ‌ثالثا: المالكية:

- ‌17 - التفسير البلاغى:

- ‌18 - التفسير الصوفى:

- ‌الصوفية وتفسير القرآن:

- ‌19 - التفسير الفلسفى:

- ‌المؤلفات فى التفسير الفلسفى:

- ‌20 - التفسير الأدبى الاجتماعى:

- ‌رواد هذا الاتجاه:

- ‌أهم المصنفات فى هذا الاتجاه:

- ‌21 - التفسير الموضوعى:

- ‌منهج الدراسة فى التفسير الموضوعى:

- ‌المصنفات فى التفسير الموضوعى:

- ‌22 - الترجيحات فى التفسير:

- ‌المرجحات فى التفسير (97):

- ‌أولا: مرجحات قرآنية:

- ‌ثانيا: مرجحات حديثية:

- ‌ثالثا: مرجحات إجماعية:

- ‌رابعا: مرجحات تاريخية:

- ‌خامسا: مرجحات لغوية:

- ‌23 - الدخيل فى التفسير:

- ‌أنواع الدخيل فى المأثور:

- ‌أنواع الدخيل فى الرأى:

- ‌24 - الإسرائيليات فى التفسير:

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌حكم رواية الإسرائيليات:

- ‌25 - بدع التفاسير وغرائبه:

- ‌أسباب هذه البدع والغرائب:

- ‌26 - ضوابط سلامة التفسير:

- ‌27 - خطوات المنهج الأمثل فى التفسير:

- ‌28 - طبقات المفسرين ومدارسهم:

- ‌القراءات والقراء

- ‌حقيقة القراءات، وحدّها:

- ‌القراءات لغة:

- ‌وقراءات القرآن هى:

- ‌الحروف:

- ‌فرش الحروف:

- ‌توقيف القراءات:

- ‌تواتر القرآن:

- ‌هل قرئ بالشاذ على أنه قرآن

- ‌القرآن والقراءات:

- ‌القراءات والأحرف السبعة:

- ‌تواتر القراءات العشر:

- ‌التواتر وآحادية المخرج:

- ‌تواتر ما اختلفت الطرق فى نقله وما انفرد بعضها به:

- ‌التواتر وقبيل الأداء:

- ‌ أنواع اختلاف القراءات العشر:

- ‌وأنواع اختلاف القراءات العشر ثلاثة:

- ‌فوائد اختلاف القراءات العشر:

- ‌فى العقائد وكتب علم الكلام:

- ‌فى الأحكام الشرعية:

- ‌فى النحو والصرف:

- ‌فى البلاغة والإعجاز:

- ‌فى التفسير:

- ‌ أنواع القراءات:

- ‌ الآحادية (الشاذة) وحكمها:

- ‌ توجيه القراءات:

- ‌توجيه المتواتر:

- ‌توجيه الشاذ:

- ‌أثر توجيه القراءات القرآنية فى إظهار ثروة من المعانى القرآنية:

- ‌القراء المشهورون من الصحابة:

- ‌ القراء المشهورون من التابعين:

- ‌بالمدينة:

- ‌بمكة:

- ‌بالكوفة:

- ‌بالبصرة:

- ‌بالشام:

- ‌القراء السبعة

- ‌الإمام نافع بن عبد الرحمن المدنى (70 هـ- 169 ه

- ‌قالون (120 هـ- 220 ه

- ‌ورش (110 هـ- 197 ه

- ‌الإمام ابن كثير (45 هـ- 120 ه

- ‌البزى (170 هـ- 250 ه

- ‌قنبل (195 هـ- 291 ه

- ‌الإمام أبو عمرو (69 هـ- 154 ه

- ‌الدورى (150 هـ- 246 ه

- ‌السوسى (حوالى 173 هـ- 261 ه

- ‌ابن عامر (21 هـ- 118 ه

- ‌هشام (153 - 245 ه

- ‌ابن ذكوان (173 هـ- 242 ه

- ‌الإمام عاصم (…هـ- 127 ه

- ‌شعبة (95 هـ- 193 ه

- ‌حفص (90 هـ- 180 ه

- ‌الإمام حمزة (80 هـ- 156 ه

- ‌خلف (150 هـ- 229 ه

- ‌خلاد (…هـ- 220 ه

- ‌الإمام الكسائى (119 هـ- 189 ه

- ‌أبو الحارث (…هـ- 240 ه

- ‌الدورى:

- ‌المكملون للعشرة

- ‌الإمام أبو جعفر (…هـ- 130 ه

- ‌ابن وردان (…هـ- 160 ه

- ‌ابن جماز (…هـ- 170 ه

- ‌الإمام يعقوب (117 هـ- 205 ه

- ‌رويس (…هـ- 238 ه

- ‌روح (…هـ- 234 هـ أو 235 ه

- ‌الإمام خلف العاشر:

- ‌إسحاق (…هـ- 286 ه

- ‌إدريس (199 هـ- 292 ه

- ‌المؤلفون فى القراءات

- ‌يحيى بن يعمر (ت قبل 90 ه

- ‌هارون بن موسى (ت قبل 200 ه

- ‌يعقوب الحضرمى (ت 205 ه

- ‌أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 ه

- ‌أبو عمر الدورى (ت 246 ه

- ‌ابن مجاهد (ت 324 ه

- ‌أبو بكر الداجونى (ت 324 ه

- ‌ابن مهران أحمد بن الحسين (ت 381 ه

- ‌ المصنفات فى توجيه القراءات:

- ‌علم التجويد فى القرآن الكريم

- ‌الأول: حده «تعريفه»

- ‌الثانى: موضوعه

- ‌الثالث: ثمرته

- ‌الرابع: فضله

- ‌الخامس: نسبته

- ‌السادس: واضعه

- ‌السابع: اسمه

- ‌الثامن

- ‌التاسع: حكمه

- ‌العاشر: فائدته وغايته:

- ‌مراتب التلاوة

- ‌حكم الاستعاذة

- ‌البسملة وحكمها

- ‌مخارج الحروف

- ‌عدد مخارج الحروف:

- ‌صفات الحروف

- ‌فوائد معرفة الصفات:

- ‌أولا: الصفات التى لها أضداد، وتعريف كل صفة وبيان حروفها وذلك فيما يلى:

- ‌ثانيا: الصفات التى لا ضد لها وهى:

- ‌التفخيم والترقيق

- ‌تغليظ اللام:

- ‌أحكام النون الساكنة والتنوين

- ‌تعريفها:

- ‌الفرق بين النون الساكنة والتنوين:

- ‌الأول: الإظهار:

- ‌الثانى: الإدغام:

- ‌الثالث: الإقلاب:

- ‌الرابع: الإخفاء:

- ‌فى الغنة وأحكامها وأقوال العلماء فى ذلك

- ‌مخرج الغنة:

- ‌مراتب الغنة:

- ‌فى تعريف الميم الساكنة وأحكامها

- ‌أولا: الإخفاء الشفوى:

- ‌ثانيا: الإدغام الصغير:

- ‌ثالثا: الإظهار الشفوى:

- ‌فى المدّ والقصر

- ‌تعريف المدّ:

- ‌ حروف المدّ

- ‌تعريف القصر:

- ‌المدّ والقصر حقيقة واصطلاحا:

- ‌تعريف الحركة:

- ‌أقسام المدّ:

- ‌الأول: المد الأصلى

- ‌شروط هذا المدّ:

- ‌القسم الثانى: المدّ الفرعى:

- ‌أسباب المدّ الفرعى: أمران:

- ‌أنواع المدّ الفرعى:

- ‌1 - المدّ المتصل:

- ‌2 - المدّ المنفصل:

- ‌3 - مدّ البدل:

- ‌4 - المدّ العارض للسكون:

- ‌5 - مدّ اللين:

- ‌6 - المدّ اللازم:

- ‌الأول: المدّ اللازم الكلمى المثقل:

- ‌الثانى: المدّ اللازم الكلمى المخفف:

- ‌الثالث: المدّ الحرفى المثقل:

- ‌الرابع: المدّ اللازم الحرفى المخفف:

- ‌حكم المدّ اللازم:

- ‌حكم الحروف الموجودة فى أوائل السور:

- ‌قواعد لها علاقة بالمدّ:

- ‌الوقف والابتداء

- ‌أهمية هذا الباب:

- ‌تعريف الوقف وأقسامه:

- ‌أقسام الوقف:

- ‌1 - الوقف الاضطرارى:

- ‌الثانى: الوقف الكافى:

- ‌الثالث: الوقف الحسن:

- ‌الرابع: الوقف القبيح:

- ‌تعريف الابتداء:

- ‌تعريف القطع:

- ‌تعريف السكت:

- ‌الوقف على آخر الكلم

- ‌النقل وغيره من سبل تخفيف الهمزة

- ‌الإمالة والتقليل

- ‌المقطوع والموصول

- ‌همزتا الوصل والقطع

- ‌أولا: همزة الوصل:

- ‌تلاوة القرآن الكريم

- ‌أولا: أدب التلاوة:

- ‌تنكيس القراءة

- ‌نسيان القرآن

- ‌ختم القرآن

- ‌الجرس القرآنى

- ‌الاستماع عند التلاوة

- ‌الاقتباس من القرآن

- ‌بلاغة القرآن

- ‌الخبر

- ‌الإنشاء

- ‌الإطناب

- ‌التّتميم

- ‌التّذييل

- ‌التّكرار

- ‌التّكميل

- ‌الاعتراض

- ‌الاستقصاء

- ‌الإيضاح

- ‌الإيغال

- ‌الإيجاز

- ‌الإيجاز بالحذف

- ‌الإيجاز بحذف الأداة

- ‌الإيجاز بحذف الكلمة المفردة

- ‌الإيجاز بحذف التّراكيب

- ‌الإيجاز بحذف الجملة

- ‌الاحتباك

- ‌إيجاز القصر

- ‌الفواصل

- ‌الفصل

- ‌الوصل

- ‌الإخراج على خلاف الظّاهر

- ‌الالتفات

- ‌القصر

- ‌المجاز العقلى

- ‌التّشبيه

- ‌التّمثيل

- ‌المجاز المرسل

- ‌الاستعارة

- ‌الاستعارة التّصريحيّة

- ‌الاستعارة الأصليّة

- ‌الاستعارة التّبعيّة

- ‌الاستعارة التّمثيلية

- ‌الاستعارة المرشّحة

- ‌الاستعارة المجرّدة

- ‌الاستعارة المطلقة

- ‌الاستعارة المكنيّة

- ‌الكناية

- ‌البديع

- ‌ نتائج مهمة:

- ‌إعراب القرآن

- ‌محكم القرآن ومتشابهه

- ‌(1) [الاحكام فى اللغة]

- ‌(2) [الاحكام فى الاصطلاح]

- ‌(3) [التشابه فى اللغة]

- ‌(4) [نسبة المتشابه]

- ‌(5) [مواقع التشابه]

- ‌(7) [المتشابه الذى استأثر الله بعلمه]

- ‌(8) [القرآن الكريم كله محكم]

- ‌المكى والمدنى

- ‌(1) [معنى المكى والمدنى]

- ‌(2) [المعول عليه فى معرفة المكى والمدنى]

- ‌(3) [تميز المكى عن المدنى]

- ‌(4) [الاقوال فى تعيين السور المكية والمدنية]

- ‌(5) [فوائد معرفة المكى والمدنى]

- ‌نزول القرآن الكريم

- ‌(1) [حقيقة النزول]

- ‌(2) [اول ما نزل من القرآن]

- ‌الوجوه والنظائر فى القرآن

- ‌(1) [الوجوه والنظائر فى اللغة]

- ‌(2) [فائدة معرفة الوجوه والنظائر]

- ‌(3) [اسباب انتشار الالفاظ المشتركة فى لغة العرب]

- ‌(4) [طائفة من الالفاظ المشتركة]

- ‌مبهمات القرآن

- ‌(1) [ما هو المبهم]

- ‌(2) [المبهم فى كتاب الله]

- ‌موهم الاختلاف والتناقض

- ‌[اسباب توهم التعارض]

- ‌الأول: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى:

- ‌الثانى من الأسباب: اختلاف الموضوع أو الموضع:

- ‌الثالث من الأسباب: اختلاف جهتى الفعل:

- ‌النسخ فى القرآن

- ‌(1) [معانى النسخ فى اللغة]

- ‌(2) [اختلاف العلماء فى تعريف النسخ]

- ‌(3) [استدلال جمهور العلماء على جواز النسخ]

- ‌(4) [امور لا بدّ منه فى تحقيق النسخ]

- ‌(5) [موقع النسخ]

- ‌(6) [طرق معرفة الناسخ والمنسوخ]

- ‌(7) [اقسام النسخ]

- ‌الأول: ما نسخت تلاوته وبقى حكمه:

- ‌الثانى من الأقسام: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته:

- ‌والثالث من الأقسام: نسخ الحكم والتلاوة معا:

- ‌(8) وينقسم النسخ. أيضا. إلى قسمين: نسخ ببدل، ونسخ بغير بدل

- ‌(9) وينقسم النسخ من جهة أخرى إلى ثلاثة أقسام:

- ‌الإعجاز البيانى فى القرآن الكريم

- ‌1 - الإعجاز فى العصر النبوى:

- ‌2 - أوّل من نفى الإعجاز عن القرآن:

- ‌3 - القول بالصرفة:

- ‌الإعجاز المعاصر

- ‌مقدمة:

- ‌محمد فريد وجدى

- ‌مصطفى صادق الرافعى

- ‌عبد الله عفيفى

- ‌الدكتور محمد عبد الله دراز:

- ‌سيد قطب:

- ‌الإعجاز العلمى للقرآن الكريم

- ‌تعريف الإعجاز العلمى:

- ‌ الترقى فى فهم الإعجاز العلمى للقرآن الكريم:

- ‌ ضوابط (منهج) البحث فى الإعجاز العلمى للقرآن الكريم:

- ‌ من أوجه الإعجاز العلمى للقرآن الكريم:

- ‌1 - فى آيات السماء:

- ‌2 - فى آيات الأرض:

- ‌3 - فى آيات الجبال:

- ‌4 - فى آيات البحار:

- ‌5 - فى عالم النبات:

- ‌6 - فى عالم الحيوان:

- ‌7 - فى عالم الحشرات:

- ‌8 - فى عالم الطيور:

- ‌9 - فى الآفاق وفى الأنفس:

- ‌10 - قضايا علمية معاصرة:

- ‌(أ) الاستنساخ:

- ‌(ب) التلوث البيئى:

- ‌(ج) احتمالات الحياة على كواكب أخرى فى الكون:

- ‌مفردات قرآنية

- ‌1 - الأرض المقدسة

- ‌2 - الآزفة

- ‌3 - أساطير الأولين

- ‌4 - الأسباط

- ‌5 - الإفك

- ‌6 - الأكنّة

- ‌7 - أصحاب الأيكة

- ‌8 - أصحاب الكهف

- ‌9 - الإنابة

- ‌10 - الأنصاب والأزلام

- ‌11 - الباقيات الصالحات

- ‌12 - البحيرة

- ‌13 - البرّ

- ‌14 - التقوى

- ‌15 - التنابز بالألقاب

- ‌16 - التوبة

- ‌17 - الجبت والطاغوت

- ‌18 - الجوابى

- ‌19 - الحاقّة

- ‌20 - حدود الله تعالى

- ‌21 - الحرث

- ‌22 - الحنفاء

- ‌23 - الحمولة

- ‌24 - الحميم

- ‌25 - الحواريون

- ‌26 - الحور العين

- ‌27 - الخلود

- ‌28 - الخير

- ‌29 - الدين القيم

- ‌30 - روح القدس

- ‌31 - الزقوم

- ‌32 - السائبة

- ‌33 - السبع الطرائق

- ‌34 - السكينة

- ‌35 - شعائر الله

- ‌36 - الشهر الحرام

- ‌37 - الصاخّة

- ‌38 - الصاعقة

- ‌39 - صبغة الله

- ‌40 - الصيحة

- ‌41 - الغيب

- ‌42 - الفتح

- ‌43 - الفتنة

- ‌44 - فطرة الله

- ‌45 - القارعة

- ‌46 - القرار المكين

- ‌47 - الماء المهين

- ‌48 - مجمع البحرين

- ‌49 - المعارج

- ‌50 - الموءودة

- ‌51 - المودة فى القربى

- ‌52 - الهداية

- ‌53 - الوادى المقدس

- ‌الإنسان فى القرآن الكريم

- ‌ تعريف

- ‌استخلاف الإنسان

- ‌تفضيل الإنسان

- ‌الغاية من خلق الإنسان

- ‌حرية الإنسان

- ‌أنواع الإنسان

- ‌العدل والمساواة بين الذكر والأنثى من الإنسان

- ‌خلق الإنسان

- ‌أولا: الماء:

- ‌ثانيا: التراب:

- ‌ثالثا: الطين:

- ‌رابعا: نفخ الروح:

- ‌جسم الإنسان

- ‌خصائص الإنسان

- ‌ خير بطبيعته:

- ‌ متدين:

- ‌ ناطق:

- ‌ لديه القدرة على النظر والتفكير:

- ‌ مخلوق من طين:

- ‌ جداله

- ‌من صفات الإنسان

- ‌ خلقه فى أحسن تقويم:

- ‌ ضعفه:

- ‌ تعجله:

- ‌ يأسه وقنوطه:

- ‌ بخله:

- ‌ طغيانه:

- ‌ نكرانه للنعم:

- ‌ فرحه وفخره:

- ‌ خصومته لربه:

- ‌ ظلمه:

- ‌ مبالغته فى كفره:

- ‌الإنسان والتربية

- ‌أولا: الأسس التربوية للإنسان:

- ‌الأساس الأول- التدرج فى البناء التربوى:

- ‌الأساس الثانى- التوجيه والتحويل:

- ‌الأساس الثالث: التصعيد:

- ‌الأساس الرابع- إيجاد الحافز الذاتى:

- ‌1 - طريق الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره:

- ‌2 - طريق الإقناع الفكرى:

- ‌3 - طريق الترغيب والترهيب:

- ‌4 - طريق تربية الوجدان الأخلاقى:

- ‌ثانيا: العناصر التكوينية للجيل الربانى:

- ‌1 - التثقيف العقلى:

- ‌2 - الإيقاظ الروحى:

- ‌3 - الترابط الأخوى:

- ‌علاقة الإنسان بالشيطان

- ‌ العداوة:

- ‌ الوسوسة:

- ‌العلاج الدينى للتخلص من وساوس الشيطان:

- ‌نهاية الإنسان

- ‌ تمهيد:

- ‌ مواقف الناس من هذه النهاية:

- ‌ حقيقة النهاية:

- ‌حجية السنن الإلهية

- ‌(1) فى رحاب القرآن الكريم

- ‌(2) مفهوم السنن الإلهية لغة ومصطلحا

- ‌(3) سنن الإيمان بوحدانية الله وتنزيهه سبحانه

- ‌(4) جزاء الإيمان بالله وثوابه

- ‌(5) سنة الله مع الكفر والكافرين

- ‌(6) توصيف القرآن لطوائف الكافرين

- ‌(7) تتابع سنّتى الإيمان والعصيان فى آية واحدة أو أكثر

- ‌(8) سنن الخلق

- ‌سنن الله فى الآيات الكونية:

- ‌اتساع الكون وزيادته بغير حدود

- ‌(9) السنن الإلهية فى خلق الأرض

- ‌السير فى الأرض:

- ‌منحة إلهية مقرونة بمعجزات ربانية:

- ‌نهاية الحياة الدنيا، وقيام الساعة

- ‌ترجمة معانى القرآن الكريم

- ‌1 - تعريف الترجمة

- ‌الترجمة عرفا:

- ‌2 - أقسام الترجمة

- ‌فالترجمة الحرفية:

- ‌والترجمة التفسيرية:

- ‌وتفترق الترجمة عن التفسير بفروق أبرزها (18):

- ‌3 - الحاجة إلى الترجمة

- ‌4 - الترجمة الجائزة

- ‌1 - ترجمة القرآن بمعنى تبليغ ألفاظه:

- ‌2 - ترجمة القرآن بمعنى تفسيره بلغته العربية:

- ‌3 - ترجمته بمعنى تفسيره بلغة أجنبية:

- ‌4 - ترجمة القرآن بمعنى نقله إلى لغة أخرى:

- ‌5 - الصلاة بالمترجم

- ‌6 - تجربة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

الفصل: ‌3 - القول بالصرفة:

والروايات التى تزعم أن بعض البشر حاول معارضة القرآن، تدل إن صدقت- على هذا الإعجاز؛ وإن كنت أرى أن البليغ الممتاز ممن عزيت إليه هذه المعارضة أعقل

وأحصف من أن يتورط فى شىء لا يقوم له، فما قيل فى هذا المجال موضع توهين.

‌2 - أوّل من نفى الإعجاز عن القرآن:

لا يعرف على وجه التحديد أوّل من ذهب إلى أن القرآن الكريم غير معجز، وقد قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعى فى كتابه إعجاز القرآن (2) إنّ أول من ذهب إلى ذلك هو الجعد بن درهم، يقول الرافعى:

«هو مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، وكان زنديقا فاحش الرأى واللسان، وهو أول من صرح بالإنكار على القرآن والرد عليه، وجحد أشياء مما فيه، وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحته غير معجزة وأن الناس يقدرون على مثلها، وعلى أحسن منها، ولم يقل بذلك أحد قبله، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلّا من بعده» .

وكتب الكلام التى دوّنت آراء الجعد، تحدثت عن قوله بخلق القرآن، وعن قوله بالتعطيل، وقوله بالقدر، ولكنها لم تتحدث عن إنكاره للإعجاز، فإذا كان الرافعى قد قرأ عن جعد ما لم نقرأه، فكان عليه أن يذكر مصدره، ومهما يكن من شىء فإن القول بخلق القرآن فى هذا الزمن المتقدم- فى العصر الأموى- جرّأ الملاحدة والزنادقة ممن دخلوا فى الإسلام ظاهريّا دون أن تطمئن قلوبهم إلى نوره؛ جرّأهم على الحديث المتسرّع عن كتاب الله؛ ومنه ما قالوه عن عدم الإعجاز، وقد دعت حرية الجدل فى مطلع العهد العباسى هذا النفر إلى الافتراء بغير العلم، فراج حديثهم عن عدم الإعجاز، واضطر المدافعون عن دين الله أن يواجهوا الباطل بما يدحضه، فبدأ الحديث عن الإعجاز، وتنوّع القول فى بيان خصائصه. وفى هؤلاء المدافعين من تورط فى حديث فهم على غير وجهه، وأعنى به حديث الإعجاز بالصرفة، وهو مما يحسن أن نقف لديه.

‌3 - القول بالصرفة:

ينسب القول بالصرفة فى تفسير الإعجاز القرآنى لأبى إسحاق النظام، وهو قول لم يدونه النظام فى كتاب، ولولا أن الجاحظ رواه عنه ما اشتهر وما ذاع، وفحواه أن العرب قد انصرفوا عن معارضة القرآن، وهذا الانصراف دليل الإعجاز، ويوحى هذا القول بأنهم لو اتجهوا إلى معارضته لجاءوا بمثله؛ كما أن تمام الرأى عند النظام أنه قال إن الإعجاز إنما جاء من الإخبار عن الأمور

(2) إعجاز القرآن للأستاذ مصطفى صادق الرافعى- الطبعة السادسة سنة 1956 مطبعة الاستقلال ص 161.

ص: 652

الماضية والآتية، والحق أن تفسير الصرفة بمعنى عدم اتجاه العرب إلى المعارضة فقط، مما لا يعقل أن يقول به رجل كبير العقل كالنظام مهما أرجف أعداؤه بما اختلفوا من مثالبه، وقد جعله الجاحظ عبقرى القرن الثالث، فكيف يكون بهذه المنزلة الرفيعة ثم يذهب هذا المذهب المخطئ، كما أن مما يجعل المسألة ذات خطر فى حديث الإعجاز أن أفاضل من الأعلام مثل الجاحظ وابن سنان والمرتضى وابن حزم والعلوى قد قالوا به؛ أفيكون هؤلاء من الضحالة وضيق النظر حتى يفهموا من الصرفة هذا الفهم الذى ينكره الغلام الناشئ بله العالم المفكر؟ إن الأمر لا يستقيم إلا إذا فهمت الصرفة فهما يتفق وجلال هؤلاء الكبار الذين هتفوا بما قال النظام. وهم أنفسهم الذين تحدثوا عن بلاغة القرآن وإعجاز فصاحته تركيبا ونظما وتصويرا بما يجعل ذلك من أسباب الإعجاز، إن الذى فهمته من معنى الصرفة، ولا أدرى إذا كنت قرأته من قبل لبعض الفضلاء ونسيت اسمه أو أنه شىء قذفه الله فى نفسى! هذا المعنى هو أن العرب حين دهشوا من روعة القرآن، وبهرهم تأثيره بما فوق القدرة، انصرفوا تلقائيا عن معارضته، لأنهم علموا أنهم مهما حاولوا هذه المعارضة وجمعوا لها أساطين القول من بلغائهم المعدودين فلن يأتوا بسورة من مثله، أو بعشر آيات من مثله، فكانت (الصرفة) عن المعارضة التى توقعوا استحالتها بادئ ذى بدء هى وجه الإعجاز الذى عناه النظام وهو وجه معقول نلمس نظائره فى الحياة حين يبنى مهندس عبقرى صرحا رائعا. فيكون آية الآيات فى بابه، ويراه زملاؤه فيقرون بالعجز عن بناء مثله، ويصرفون أنفسهم عن محاولة هذا البناء! هذا هو الفهم الجدير بالنظام ومن تبعه من البلغاء، وهم من هم!

الجاحظ: للجاحظ سطوة فى التعبير، وتدفق فى سوق الحجج والبراهين، وقد عاش فى مشتجر الجدل، وخاض عباب الحوار فلا بد أن يكون لإعجاز القرآن نصيب من حديثه الدافق، وقد ذكروا من مؤلفاته المفقودة كتابى (نظم القرآن) و (آى القرآن) وحديث النظم قد اشتهر كثيرا من بعده حتى مخض زبدته الإمام عبد القاهر الجرجانى. فلا أستبعد أن يكون هذا الكتاب المفقود نواة هذا الحديث، وقد قال الجاحظ عنه مخاطبا الفتح بن خاقان حين طلب منه أن يكتب مؤلفا عن القرآن: «فكتبت لك كتابا أجهدت فيه نفسى، وبلغت فيه أقصى ما يمكن مثلى فى الاحتجاج للقرآن، والرد على كل طعّان، فلم

ص: 653

أدع فيه مسألة لرافضى ولا لحديثى، ولا لحشوى، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب النظام، ولمن نجم بعد النظام ممن يزعم أن القرآن خلق، وليس تأليفه بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة، فلما ظننت أنى بلغت أقصى محبتك، وأتيت على معنى صفتك، أتانى كتابك تذكر أنك لم ترد الاحتجاج لنظم القرآن وإنما أردت الاحتجاج لخلق القرآن، وكانت مسألتك مبهمة، ولم أك أن أحدث لك فيها تأليفا، فكتبت لك أشق الكتابين وأثقلهما، وأغمضهما معنى وأطولهما» (3).

ويقرب من كتاب النظم ما كتبه فى مؤلفه المفقود أيضا (آى القرآن) حيث أشار إلى بعض ما جاء به فى كتاب الحيوان حين قال تحت عنوان (من إيجاز القرآن):

«ولي كتاب جمعت فيه آيا من القرآن لتعرف بها فصل ما بين الإيجاز والحذف، وبين الزوائد والفضول والاستعارات، فإذا قرأتها رأيت فضلها فى الإيجاز، والجمع للمعانى الكثيرة بالألفاظ القليلة على الذى كتبته لك فى باب الإيجاز وترك الفضول، فمنها قوله حين وصف خمر أهل الجنة:

لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ، وقوله- عز وجل حين ذكر فاكهة أهل الجنة:

لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ جمع بهاتين الكلمتين جميع تلك المعانى. وهذا كثير دللتك عليه، فإن أردته فموضعه مشهور (4).

وقراءة هذين النصين تدل على ما فقدناه من إفاضة الجاحظ فى هذه المسائل التى تتصل بالإعجاز بأقوى سبب، وقد بقيت لنا شذور شتى مما كتبه الجاحظ فى رسالة

(حجج النبوة)[التى نشرها الأستاذ عبد السلام هارون فى الجزء الثالث من رسائل الجاحظ]، وبها ما يمكن أن يستدل به على منحى الجاحظ فى ثبوت الإعجاز، [وسأنقل منها ما يدل على ذلك دون إطالة]؛ فمنها قوله:

«إن رجلا من العرب لو قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة، طويلة أو قصيرة، لتبين له فى نظامها ومخرجها، وفى نقلها وطبعها، أنه عاجز عن مثلها، ولو تحدى بها أبلغ العرب لظهر عجزه عنها، وليس ذلك فى الحرف والحرفين، والكلمة والكلمتين! ألا ترى أن الناس قد يتهيأ لهم فى طبائعهم، ويجرى على ألسنتهم أن يقول رجل منهم «الحمد لله، وإنا لله، وربنا الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل» وهذا كله فى القرآن، غير أنه متفرق غير مجتمع، ولو أراد أنطق الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة طويلة أو

(3) رسائل الجاحظ ج (3) ص 287 تحقيق عبد السلام هارون- مكتبة الخانجى سنة 1979 م.

(4)

كتاب الحيوان ج 3 ص 86 تحقيق عبد السلام هارون ط 3 سنة 1969.

ص: 654

قصيرة، على نظم القرآن وطبعه، وتأليفه ومخرجه لما قدر عليه ولو استعان بجميع قحطان معد بن عدنان» (5).

وهذا الكلام أصل لقضية النظم، وكل ما انتمى إليها ينتهى إلى هذا الأصل، ثم يقول الجاحظ:(6)

«ولا يجوز أن يكون مثل العرب فى كثرة عددهم، واختلاف عللهم، والكلام كلامهم وهو سيد عملهم فقد فاض بيانهم، وجاشت به صدورهم، وغلبتهم قوتهم عليه عند أنفسهم .. وقد هجوه من كل جانب، وهاجى أصحابه شعراءهم، ونازعوا خطباءهم، وحاجوه فى المواقف، وخاصموه فى المواسم، وبادءوه العداوة، وناصبوه الحرب، فقتل منهم وقتلوا منه، وهم أثبت الناس حقدا، وأبعدهم مطلبا، وأذكرهم لخير ولشر وأنفاهم له، وأهجاهم بالعجز وأمدحهم بالقوة، ثم لا يعارض معارض، ولم يتكلف ذلك خطيب ولا شاعر، (6) إلى أن يقول:

«فإما أن يكونوا عرفوا عجزهم، وأن مثل ذلك لا يتهيأ لهم، فرأوا أن الإضراب عن ذكره، والتغافل عنه فى هذا الباب، وإن قرعهم به، أمثل فى التدبير، وأجدر ألا ينكشف أمرهم للجاهل والضعيف، وأجدر أن يجدوا للدعوة سبيلا، فقد ادعوا القدرة بعد المعرفة بعجزهم عنه، وهو قوله عز ذكره وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا (7) وهل يذعن الأعراب وأصحاب الجاهلية للتقريع بالعجز، والتوقيف على النقص، ثم لا يبذلون مجهودهم، ولا يخرجون مكنونهم، وهم أشد خلق الله أنفة، وأفرطهم حمية، وأطلبهم بطائلة، وقد سمعوه فى كل منهل وموقف، والناس موكلون بالخطابات، مولعون بالبلاغات، فمن كان شاهدا فقد سمعه، ومن كان غائبا فقد أتاه به من لم يزوّده، وإما أن يكونوا غير ذلك، ولا يجوز أن يطبقوا على ترك المعارضة، وهم قادرون عليها، لأنه لا يجوز على العدد الكثير من العقلاء والدهاة، والحلماء مع اختلاف عللهم، وبعد همهم، وشدة عداواتهم الإطباق على بذل الكثير، وصون اليسير» . (8)

على أن الجاحظ هو الذى فتق أكمام الحديث عن الأسلوب القرآنى، وبيّن من سماته ما جعله الكثيرون مصدرا أولا للإعجاز القرآنى، فقد نظر الرجل إلى ألفاظ القرآن ومعانيه ليهتدى إلى فطن بارعة فى التحليل والاستنتاج كانت عون البلاغيين فى كثير مما كتبوه عن اللفظ والجملة والصورة، فما تحدث البلغاء عن فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام، وأسرار الحذف والذكر، ومواضع الإيجاز والإطناب، وجمال التشبيه

(5) رسائل الجاحظ ج (3) ص 229.

(6)

رسائل الجاحظ ج (7) ص 273.

(7)

سورة الأنفال: 31.

(8)

رسائل الجاحظ ج (3) ص 275.

ص: 655

والاستعارة وغيرها من الأبواب إلا بعد أن عرض لهم الجاحظ فنونا مترفة من استشفافه الذوقى لكتاب الله، ولن نرسل القول إرسالا دون شواهد صريحة توضح ما نعنيه. (9).

أجل تحدث الجاحظ عن ألفاظ القرآن حديثا لم يسمع من أحد قبله إذ قال فى الباب الأول من البيان والتبيين: «وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها، وغيرها أحق منها، ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر فى القرآن الجوع إلا فى موضع العقاب، أو موضع الفقر المدقع، والعجز الظاهر. والناس لا يذكرون السّغب ويذكرون الجوع فى حال القدرة والسلامة، وكذلك المطر، لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا فى موضع الانتقام، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث، ولفظ القرآن الذى عليه نزل أنه إذا ذكر الأبصار لم يقل الأسماع، وإذا ذكر سبع سماوات لم يقل الأرضين ألا تراه لا يجمع الأرض أرضين ولا السمع أسماعا، والجارى على أفواه العامة غير ذلك. (10)

وقد جاء من بعد الجاحظ من كشف عن أسرار هذه الكلمات، وحسنها فى موضع، وعدم لياقتها فى موضع آخر اقتداء بكتاب الله ورجوعا إلى البيان والتبيين فى الإسناد.

أما حديث الجاحظ عن الصورة البيانية فى القرآن فقد كثرت أمثلته، وكتاب الحيوان بالتراث معرض رائع لهذا الحديث، واكتفى بمثل واحد من هذا المجال: قال الجاحظ تحليلا لقول الله عز وجل طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (11) «زعم أناس أن رءوس الشياطين ثمر شجرة تكون ببلاد اليمن لها منظر كريه، والمتكلمون لا يعرفون هذا التفسير وقالوا: ما عنى إلا رءوس الشياطين المعروفين بهذا الاسم من فسقة الجن ومردتهم، فقال أهل الطعن والخلاف: ليس يجوز أن يضرب المثل بشيء لم نره فتتوهمه، ولا وصفت لنا صورته فى كتاب ناطق أو خبر صادق، ومخرج الكلام يدل على التخويف بتلك الصورة والتفزيع منها، وعلى أنه لو كان شىء أبلغ فى الزجر من ذلك لذكره، فكيف يكون الشأن كذلك والناس لا يفزعون إلا من شىء هائل قد عاينوه

إلى أن قال: قلنا: وإن كنا نحن لم نر شيطانا قط، ولا صوّر رءوسها لنا صادق بيده، ففي إجماعهم على ضرب المثل بقبح الشيطان، حتى صاروا يضعون ذلك فى مكانين، أحدهما أن يقولوا: لهو أقبح من الشيطان، والوجه الآخر: أن يسمى الجميل شيطانا على جهة التطير له كما تسمى الفرس الجميلة شوهاء والمرأة الجميلة صماء

(9) خطوات التفسير البيانى للقرآن الكريم للدكتور محمد رجب البيومى ص 79 وما بعدها (سلسلة البحوث الإسلامية) ديسمبر سنة 1971، وقد استعنت به فى إيراد هذه الشواهد، وما توصلت إليه هنا من النتائج.

(10)

البيان والتبيين ج (1) ص 33 تحقيق السندوبى.

(11)

سورة الصافات: 65.

ص: 656

وخنساء وأشباه ذلك على جهة التطير له، ففي إجماع المسلمين والعرب على ضرب المثل بقبح الشيطان دليل على أنه فى ذلك أقبح من كل قبيح». (12)

والأمثلة كثيرة لما حلله الجاحظ من آيات الكتاب المبين، وفى الفصل الذى كتبته عن (وثبات الجاحظ) فى كتابى (خطوات التفسير البيانى) توضيح كاف لما أعنيه، حيث

ذكرت من النماذج ما يدل على معاناة الجاحظ فى هذا المضمار؛ لأنه بهذا التحليل الرائع لآيات القرآن الكريم قد دل على أمثلة من الإعجاز القرآنى تكون تطبيقا لما قرره بشأن هذا الإعجاز [مما أشرت إليه فى صدر هذا البحث]، وآخذ على بعض المعاصرين ممن كتبوا عن الصور البيانية فى كتاب الله أنهم اقتبسوا كلام الجاحظ دون أن يشيروا إليه؛ وكأن القول من مبتكراتهم، وهذا فى العلم غير حميد.

الرمانى: دعت الحرية الفكرية فى العصر العباسى نفرا من الناس أن يقولوا فى كتاب الله ما يشاءون، ووجد الملاحدة منهم فى كتاب الله ما يشفون به صدورهم من الإرجاف الكاذب، فهب المخلصون من حماة الإسلام يدافعون عن إعجازه بما يملكون من إقناع، فكتب الجاحظ عن نظم القرآن ما جعله موضوعا لقضية الإعجاز، واقتفاه أبو بكر داود السجستانى ت 316 هـ، وأبو زيد البلخى ت 322 هـ، وأبو بكر بن الأخشيد ت 326 هـ، فتحدثوا عن الإعجاز فى كتب تحمل عنوان (نظم القرآن) ثم جاء محمد بن يزيد الواسطى فتحدث عن إعجاز القرآن فى كتاب جعله بعنوان (الإعجاز)، فكان أول من خالف عنوان النظم إلى عنوان الإعجاز، ولاقى عنوانه قبولا لدى الدارسين، فكان موضع اختيار من كتبوا فى الإعجاز من بعده وفى طليعتهم الرمانى 386 هـ والخطابى 388 هـ والباقلانى 403 هـ، وغيرهم كثير، وإذا كان ما كتبه السابقون من قبل هؤلاء الثلاثة قد فقد ولم تظهر مخطوطاتهم بعد، فإننا سنخصهم بالحديث.

كان الخطابى والرمانى متعاصرين كما يعلم من تاريخ وفاتهما، ولا نعلم أيهما سبق صاحبه فى الحديث عن إعجاز القرآن ولكن قراءة الكتابين تدل على أن أحدهما لم يحبذ الآخر، بل لم يقرأ ما كتب، فإن التأثر مفقود تماما، لاختلاف المنحى، وإذا كان الرمانى قد سبق صاحبه إلى لقاء ربه بعامين أو بأربعة على اختلاف الروايات فسأبدأ به.

لقد عمّر على بن عيسى الرمانى دهرا طويلا قطعه فى الدراسات العميقة حتى صار

(12) الحيوان ج 6 ص 213.

ص: 657

علما من أعلام النحو فى عصره، وقورن بأبى علىّ الفارسى، وكاد يرجحه عند قوم، وتأليفه فى النحو على وجه التفريع والتقسيم والإكثار من المصطلحات كان واضحا فى حديثه عن الإعجاز، إذ بدأ بتقسيم البلاغة إلى طبقات ثلاث، ثم ثنى بتقسيم مسائلها إلى عشرة أقسام هى الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والتواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان، وأوضح كل قسم بما توسع فيه من الاستشهاد المتعدد، ويطول بنا القول لو تتبعناه فى كل ما كتب، ولكننا نشير إلى ما ينبئ عن اتجاهه فحسب، فقد بدأ بالحديث عن الإيجاز فقسمه إلى إيجاز حذف وإيجاز قصر، فتابعه البلاغيون على اصطلاحه، واستشهد بمثل قول الله عز وجل وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (13) فقال:

«كأنه قيل حصلوا على النعيم المقيم الذى لا يشوبه التنغيص، وإنما صار الحذف فى مثل هذا- يريد حذف جواب الشرط- لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذى تضمنه البيان فحذف الجواب فى قولك «لو رأيت عليا بين الصفين» أبلغ من الذكر لما بيناه. (14)

ثم تعرض للموازنة بين قول الله تعالى:

وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (15) وقول من قال (القتل أنفى للقتل) فأفاض على غير عادته ليردّ على من لغا لغوا سفيها فى هذا المجال. فكان أول من كتب فى هذه الموازنة، وقد تبعه من جاء بعده وهم كثيرون، حتى جاء الأستاذ مصطفى صادق الرافعى فى هذا العصر فلم يدع مجالا لقائل، أما ما كتبه فى الاستعارة فقد كان أوضح نسبيا مما كتبه عن الإيجاز إذ تخلى عن الكزازة الضيقة فى التعبير هناك. وتمثل لذلك بما ذكره عن قول الله عز وجل: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (16) حيث قال: شهيقا، حقيقته صوتا فظيعا كشهيق الباكى، والاستعارة أبلغ وأوجز، والمعنى الجامع بينهما قبح الصوت، «تميز من الغيظ» حقيقته من شدة الغليان بالاتقاد، والاستعارة أبلغ منه وأوجز؛ لأن مقدار شدة الغيظ على النفس محسوس مدرك بما يدعو إليه من شدة الانتقام فى الفعل، وفى ذلك أعظم الزجر وأبلغ الوعظ، وأول دليل على سعة القدرة وموقع الحكمة، ومنه: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (17) أى تستقبلهم للإيقاع بهم استقبال مغتاظ يزفر غيظا عليهم، وكذلك قال الرمانى عن قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى

(13) سورة الزمر: 73.

(14)

ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 70 ط 1 دار المعارف بتحقيق الأستاذين محمد خلف الله، ومحمد زغلول سلام.

(15)

سورة البقرة: 179.

(16)

سورة الملك 7، 8.

(17)

سورة الفرقان: 12.

ص: 658

آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (18) حقيقته منعناهم الإحساس بآذانهم، والاستعارة أبلغ لأنه كالضرب على الكتاب فلا يقرأ، كذلك المنع من الإحساس فلا يحس. وإنما دل على عدم الإحساس بالضرب على الآذان دون الضرب على الأبصار لأنه أدل على المراد من حيث كان يضرب على الأبصار من غير عمى فلا يبطل الإدراك أصلا وذلك بتغميض الأجفان، وليس كذلك منع الأسماع من غير صمم فى الآذان، لأنه إذا ضرب عليهما من غير صمم دلّ على عدم الإحساس من كل جارحة يصح بها الإدراك، ولأن الأذن لما كانت طريقا إلى الانتباه ثم ضربوا عليها، لم يكن سبيل إليه». (19)

وكذلك ما أتبع به قول الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ (20) حيث قال: القذف والدمغ هنا مستعار، وهو أبلغ، وحقيقته، بل نورد الحق على الباطل فيذهبه، وإنما كانت الاستعارة أبلغ لأن فى القذف دليلا على القهر. لأنك إذا قلت: قذف به إليه، فإنما معناه، ألقاه إليه على جهة الإكراه والقهر، فالحق يلقى على الباطل فيزيله على جهة القهر والاضطرار، لا على جهة الشك والارتياب، ويدمغه أبلغ من «يذهبه» لما فى يدمغه من التأثير فهو أظهر فى الكناية، وأعلى فى تأثير القوة» (21).

كم يحتاج مثل هذا البيان الدقيق إلى تحليل ساطع كتحليل الإمام عبد القاهر ليفيض من ضيائه ما قبضه التركيز المكتنز، ولئن فات الرمانى أن يفيض بما يشرق من النور

فقد أتاح لخلفائه أن يستريحوا لقوله فى مكان مطمئن لا يرهقه عسر، إذ اعتمد أبو هلال وابن سنان وعبد القاهر وابن الأثير وابن رشيق على الكثير من خطراته الدقيقة، وأوسعوها تحليلا وتفصيلا، كلّ حسب منحاه وبذلك صار الرمانى علما من أعلام البيان، وإن لم يؤلف فى هذا العلم رأسا بل جاء حديثه فيه خاصا بكتاب الله.

وقد طبع كتاب الرمانى فى النحو وفيه إشارات مقتضبة عن الإعجاز حين يستشهد بآية كريمة، فإذا أضيفت هذه الإشارات إلى ما كتبه فى رسالته الخاصة بالإعجاز فإنها تفصح عن نظر دقيق.

الخطابى: أبو سليمان الخطابى من أعلام المحدثين فى عصره، وهو إمام سنى نافح عن مذهبه فيما ترك من آثار، وقد كتب رسالة (إعجاز القرآن) ليرد على الطاعنين من وجهة نظره، فجاء رده سلسا فصيحا لا يحوج القارئ إلى بعض العناء كما أحوجته رسالة الرمانى، وقد هدف إلى تحديد عناصر الإعجاز فى كتاب

(18) سورة الكهف: 11.

(19)

ثلاث رسائل فى الإعجاز ص 80.

(20)

سورة الأنبياء 18.

(21)

ثلاث رسائل فى الإعجاز ص 82.

ص: 659

الله مقدما ذلك بتمهيد يتحدث عن قضية الذوق الأدبى، ومدى الاستناد إلى ارتياح الناس له دون تحديد، فقال: «وزعم آخرون أن إعجازه من جهة البلاغة، ووجدت عامة أهل هذه المقالة، قد جروا فى تسليم هذه الصفة للقرآن على نوع من التقليد وضرب من غلبة الظن دون التحقيق له، وإحاطة العلم به، ولذلك صاروا إذا ما سئلوا عن تحديد هذه البلاغة التى اختص بها القرآن، الفائقة فى وصفها سائر البلاغات، وعن المعنى الذى يتميز به عن سائر أنواع الكلام الموصوف بالبلاغة، قالوا إننا لا يمكننا تصويره ولا تحديده بأمر ظاهر نعلم مباينة القرآن غيره من الكلام، وإنما يعرفه العالمون عن سماعه ضربا من المعرفة لا يمكن تحديده

وقد توجد لبعض الكلام عذوبة فى السمع وهشاشة فى النفس، لا توجد مثلها لغيره، والكلامان معا فصيحان ثم لا يوقف لشىء من ذلك على علة. قلت: وهذا لا يقنع فى مثل هذا العلم، ولا يشفى من داء الجهل به، وإنما هو إشكال أحيل به على اتهام». (22)

فأنت تراه لا يجعل الارتياح النفسى بعض أسباب الاستحسان الأدبى إلا إذا قرن بتعليل ودليل، وهذا ما نهض للإجابة عنه حين تحدث عن أسلوب القرآن، فذكر «أن أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها فى نسب البيان متفاوتة، فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز المطلق المرسل، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود، دون النوع الهجين المذموم، الذى لا يوجد فى القرآن شىء منه البتة، فالقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه، والقسم الثانى أوسطه وأقصده، والقسم الثالث أدناه وأقربه، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حفنة، وأخذت من كل نوع من أنواعها بشعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتى الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد فى نعوتهما كالمتضادين، لأن العذوبة نتاج السهولة، والجزالة والمتانة فى الكلام تعالجان نوعا من الوعورة. فكان اجتماع الأمرين فى نفسه، مع نبو كل منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن، يسرها الله بلطيف قدرته من أمره، لتكون آية بينة لنبيه، ودلالة على صحة ما دعا إليه من أمر ربه. (23)

وهذا كلام جيد. والذين تعرضوا له بالتحليل فهموا منه أن الجزالة والعذوبة يجتمعان فى القرآن معا: كلّ فى موضعه على انفراد، بحيث تكون آية عذبة، وآية جزلة، وفق ما تقتضى المعانى: ولكنى أفهم منه ما يدل على امتزاج الرقة بالجزالة فى تعبير واحد. وهو ما فصّلت الحديث عنه فى

(22) ثلاث رسائل ص 21.

(23)

ثلاث رسائل ص 23.

ص: 660

موضع آخر (24) هذه ناحية، أما الأخرى، فقد قال الخطابى: إن الأسلوب الأدبى يعتمد على ثلاثة أشياء: لفظ حامل، ومعنى قائم به، ورباط له، فإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه فى غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا، وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه، أما المعانى فلا خفاء على ذى عقل، أنها هى التى تشهد لها العقول بالتقدم فى أبوابها، والترقى إلى أعلى درجات الفضل نحو نعوتها وصفاتها، وقد توجد هذه الصفات على التفرق فى أنواع الكلام، أما أن تكون مجموعة فى نوع واحد منه فلم توجد إلا فى كلام العليم القدير، فتفهّم الآن واعلم أن القرآن صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ فى أحسن مضمون التأليف مضمنا أصح المعانى. وهذا ما بسطه الخطابى إلى أن قال:(25)

«أما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لحام الألفاظ، وزمام المعانى، وبها تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه فوق بعض، فتقوم له صورة فى النفس يتشكل بها البيان» .

وذلك قول يحدد نظرية النظم، كما أتى بها عبد القاهر فى (دلائل الإعجاز) تحديدا تتضح به المعالم المتفرقة فى أشتات من قول الجاحظ ومن تلاه، ولئن أعوزنا أن نثبت اطلاع عبد القاهر على ما كتب الخطابى، فذلك لا يمنع القول باهتداء الخطابى إلى أصل قوى من أصول الإعجاز، نهضت عليه صروح أقامها المخالفون، بعد أن وضع ثابت الأساس، وقد وجّهت بعض الاعتراضات المغرضة إلى النصوص التعبيرية فى القرآن فنهض الخطابى للرد عليها، وأفرد لها جزءا من رسالته، شأنه فى ذلك شأن ابن قتيبة فى (تأويل مشكل القرآن)، ولكنه توسع عنه فى التعبير لأن تأخره الزمنى أتاح له ما لم يتح لسابقه.

فمما توجهت الشبهة به إلى اللفظ، وقوف المعترضين عند قوله تعالى: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ. (26) زاعما أن كلمة افترس أصح من كلمة «أكل» إذ أن الافتراس خاص بالسباع، أما الأكل فيعم كل آكل من الحيوان والإنسان، وهو اعتراض تردد أيام الجاحظ، وأجاب عنه بألمعيته المشهورة، وجاء الخطابى فأدلى بدلوه فى الدلاء حين قال:

«إن الافتراس معناه فى فعل السبع، القتل فحسب، وأصل الفرس دق العنق، والقوم إنما ادعوا على الذئب أكله أكلا، إذ أتى على

(24) البيان القرآنى ص 30 وما بعدها.

(25)

ثلاث رسائل ص 33.

(26)

سورة يوسف آية: 17.

ص: 661

جميع أعضائه، فلم يترك مفصلا ولا عظما، وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم إياهم بأثر باق يشهد بصحة ما ذكروه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس

لا يعطى تمام المعنى، فلم يصلح على هذا أن يعبر عنه إلا بالأكل» (27). وأخذ الخطابى يؤيد قوله بشعر العرب وحديث الرسول مما تكفى الإشارة إليه، وأمثلة كثيرة دفع الاعتراض عنها الخطابى دفعا قويا، وبخاصة ما ذكره فى باب التشبيه عن اعتراض المعترض لموضع التشبيه فى قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (28) فقد ذكر ثلاثة ردود قالها المفسرون من قبل. ولكنه جلاها أحسن تجلية، فنكتفى بالإشارة بها، منتقلين إلى رده على اعتراض من قال فى قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (29) أن دخول الباء على كلمة إلحاد لا يفيد جديدا، فرد الخطابى قائلا: إن الباء زائدة- يعنى زيادة إعراب فقط لا زيادة معنى كما هو معروف.

والباء قد تزاد فى مواضع من الكلام، واستشهد بأبيات تدل على الزيادة، وكان عليه أن يذكر المراد من هذه الزيادة فى تقوية المعنى، ولا يكتفى بالمنحى الإعرابى، فالباء هنا تدل على القصد والتعمد وسبق التصميم مما يجعل صاحب الإلحاد مندفعا بجرأة وسطوة، وكأن الأمر قد شغل عليه نفسه، وجعله كل مراده ومبتغاه، هذا ما كان على الخطابى أن يشير إليه، ولعله تركه لفطنة القارئ، ولكن كيف؟ وهو فى مجال الدحض والتفنيد؟

الباقلانى: أول كتاب مستقل بالإعجاز وصل إلينا هو كتاب (إعجاز القرآن) للباقلانى المتوفى سنة 403 هـ وهو عالم متكلم نظار، له مجالس مناظرة وجدل تدل على موهبة قوية فى الحوار، وكتابه عن الإعجاز يقدم صورا من جدله العلمى، بدأه بذكر الملاحدة وما خاضوا فيه من جدل حول كتاب الله اضطره للرد عليهم، ونقد الجاحظ بأنه لم يأت بشيء جديد فى كتابه (نظم القرآن) حيث ردد أقوال المتكلمين من قبله، ثم أنحى باللوم على من قالوا: إن الإعجاز بالصّرفة. فاهما من الصّرفة ما فهمه الكثرة من العلماء دون ما أشرنا إليه من قبل، ويرجع بالإعجاز إلى أشياء منها إخباره بالغيب، وما وقع من قصص الأنبياء السابقين مما روته الكتب السابقة، مع أن رسول الله كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب، وقد فاته أن بعض القصص النبوية لم تأت بها الكتب السابقة مثل قصص صالح وهود ومائدة عيسى فمن أين جاء بها الرسول إن لم تكن من عند الله؟! ثم ركز على الركن

(27) ثلاث رسائل ص 37.

(28)

سورة الأنفال آية: 5.

(29)

سورة الحج: 25.

ص: 662

الأكبر من الإعجاز وهو بلاغته الساطعة، إذ جاء القرآن ببديع النظم متناهيا فى البلاغة إلى الحد الذى يعلم عجز الخلق عن الإتيان بمثله، وقد ذكر الدكتور شوقى ضيف «أن الباقلانى متأثر بالجاحظ فيما ذهب إليه من أن مرجع الإعجاز إلى نظم القرآن المخالف لأساليب العرب نثرا وشعرا، كما أنه متأثر بالرمانى فيما ذهب إليه من أن القرآن يرتفع إلى أعلى طبقات البلاغة» (30) - وقد أشرنا لذلك من قبل، كما أن المؤلف تحدث عن اطّراد البلاغة فى القرآن دون تفاوت ولا تباين بخلاف كلام الفصحاء الذى يوجد فيه التفاوت والاختلاف، وقد فرق بين الفاصلة والسجع بما كان موضع نقاش للدارسين من بعده، وألمّ بفنون البديع من المطابقة والتكافؤ والجناس والاعتراض والتذييل، وانتهى إلى أن الوقوف على الإعجاز لا يتأتى إلا لمن عرف وجوه البلاغة العربية وتكونت لديه ملكة يقيس بها الجودة والرداءة فى الكلام فيستطيع أن يفرق بين الشعراء والأدباء فرقا دقيقا بما وهبه الله من هذه الملكة، وفى حديثه عن التفاوت يعرض قصائد لامرئ القيس والبحترى عرضا مسهبا ليظهر تفوق القرآن عليها. ويخيل إلىّ أنه لم ينته إلى الصواب فى ذلك. لأن المقارنة لا تقوم على وجهها الأصيل إلا إذا اتحد الموضوع فى غرضه، ولا يوجد اتحاد بين الكتاب المبين وما تعرض له الشعراء من الأغراض، ولست أنكر تفوق الأسلوب القرآنى على هذه القصائد وغيرها، وإنما أنكر أن تكون هذه الموازنة دقيقة فى اتجاهها النقدى.

وأكبر ما اهتدى إليه الباقلانى هو نقده لمن قال إن فنون البديع تدل على وجوه الإعجاز، إذ لا قيمة لهذه الفنون وحدها دون ملكة قوية تكون هى الحكم فى الترجيح، وللباقلانى فى كتابه الكبير مواقف ممتازة فى التحليل الأدبى، ومواقف أخرى تعجله السرعة عن الإتمام بما يشفى حاجة القارئ وسنمثل لكل من الاتجاهين، فهو قد وفّق حين مثل بقول الله عز وجل: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (31) حيث قال: «وجه الوقوف على شرف هذا الكلام أن تتأمل موقع قوله: «همت كل أمة برسولهم ليأخذوه» فهل تقع فى الحسن موقع قوله ليأخذوه كلمة، وهل تقوم مقامه فى الجزالة لفظة، لو وضع موضع ذلك «ليقتلوه أو ليرجموه أو لينفوه أو ليطردوه أو ليهلكوه أو ليذلوه ونحو هذا ما كان ذلك بعيدا ولا بارعا

فإن كنت

(30) البلاغة تطور وتاريخ للدكتور شوقى ضيف ص 109 - دار المعارف طبعة سنة 1965 م.

(31)

سورة غافر: 5، 6.

ص: 663

تقدر أن شيئا من هذه الكلمات التى عددناها عليك أو غيرها لا تقف بك على عرضنا من هذا الكتاب، فلا سبيل إلى الوقوف على تصاريف الخطاب، فافزع إلى التقليد، وإن فطنت فانظر إلى ما قال من رد عجز الخطاب إلى صدره بقوله فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (غافر: 5) ثم ذكر عقبها العذاب فى الآخرة، وأتلاها تلو العذاب فى الدنيا على الإحكام الذى رأيت» (32).

فالباقلانى هنا يعلل ويحلل ويسلك سلك أهل مذهبه الكلامى فى الأخذ والرد، وكنا نود أن يسلك هذا المسلك فى كل ما يمثل به من الآيات، ولكن نشاطه يفتر حين يمتد به القول دون راحة ذهنية- كما أعلّل ذلك- فلا تكاد تخرج منه بطائل، وأمثل لذلك بما استشهد به من قول الله: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (33) حيث قال:

انظر إلى هذه الكلمات الأربع التى ألف بينها واحتج بها على ظهور قدرته، ونفاذ أمره، أليست كل كلمة منها فى نفسها غرة، وبمفردها درة، وهو مع ذلك يبين أنه يصدر عن علو الأمر، ونفاذ القهر، ويتجلى فى بهجة القدرة، ويتحلى بخالصة العزة، ويجمع السلامة إلى الرصانة، والسلاقة إلى المتانة، والرونق الصافى، والبهاء الضافى» (34) فهذا القول وشبيهه مما تركته للاختصار يمكن أن يقال تعليقا لآيات كثيرة تماثلها دون فارق، والمفسر المحلل لا يلجأ للعبارات العامة فى نص يحلله، لقد كان عليه أن

يبين موقع الحسن فى كل كلمة تنفرد بنفسها بدل أن يطلق القول إطلاقا، وإذا اتسع له الأمد لتفضيل كلمة (ليأخذوه) فى النص السابق، فلماذا لم يقف وقفاته البارعة عند كلمات «فالق» أو «سكنا» أو «حسبانا» ، وإنصافا للرجل أذكر إصابته الدقيقة فى تحليل بعض السور القرآنية نسبيا تحليلا متكاملا كما صنع بسورتى غافر والنمل، وأجزاء طويلة من سورة فصلت، إذ أخذ يعرض آيات السورة الواحدة متنقلا بين معانيها، ومحاولا الربط بين أجزائها وهو اتجاه شامل يتعدى الكلمة فى الآية والآية فى الآيات إلى بناء السورة جميعها، حيث تنهض عملا أدبيا مستقلا فى ذاته.

وقد كان الباقلانى موفقا حين ذكر طائفة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبه ورسائله، ليثبت الفارق الواضح بين قوله عليه السلام، وما جاء فى كتاب الله من الإعجاز، وهو اتجاه سديد، لأنه يدحض حجة من نسبوا القرآن إلى رسول الله من الملاحدة مرددين قول المشركين من قبل: إنه افتراه، ولو نشاء لقلنا مثل هذا. فلو كان القرآن مفترى من الرسول لتشابه الحديث مع الكتاب فى

(32) إعجاز القرآن للباقلانى ص 224 تحقيق الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجى ط (1) صبيح.

(33)

سورة الأنعام: 96.

(34)

إعجاز القرآن ص 214.

ص: 664

بيانهما الأدبى، كما أنهم حين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا لم يكونوا صادقين إذ لو استطاعوا القول المماثل لقالوه، وقد جاء الباقلانى فى ذلك بما يصلح أن يكون توجيها سديدا لتأليف كتاب يبين خصائص الإعجاز القرآنى والإبداع المحمدى.

وقد تحدث بعض الدارسين عن موقف الباقلانى من السجع القرآنى، إذ نفاه نفيا تاما لأنه فى رأيه قد يكون زيادة اللفظ دون حاجة إليه، وهذا ما يتنزه عنه القرآن، مع أن القائلين بالسجع فى القرآن، يذهبون إلى أنه السجع المحكم الذى لا يكون به زيادة ما، فالجهة منفكة كما يقول المناطقة.

الشريفان: وأقصد بهما الشريفين الرضى والمرتضى، وهما أخوان بارعان تحدثا عن الإعجاز القرآنى كثيرا، فأفاضا فى ذكر أسبابه، وتعدد فنونه، ولكنهما يختلفان منهجا، فالرضى شاعر أديب يعتمد على الذوق الحساس، والبيان الطلق، والمرتضى يشاركه الشعر والأدب، ولكنه نظار متكلم يعتمد على دفع الحجة، ومعارضة الخصم، وترتيب الأدلة، فهما يمثلان فى تفسير الإعجاز مذهبين مختلفين، ويتركان للدارس مجالا فسيحا للموازنة والتحليل، ولا أدرى كيف سكت كثير من الدارسين عن إيضاح مقامهما فى دنيا الإعجاز البيانى، وكتبهما ذائعة مشتهرة، ولعلى بذلك أدعو إلى دراستهما من يريد أن يضيف الجديد.

وفى مجال التمثيل لوجهة الشريف المرتضى فى التفسير العلمى لبعض الآيات الكريمة، أنقل عن (أماليه) ما ذكره فى تأويل قوله تعالى فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (35) مقابلا ذلك بقول الله عز وجل فى موضع آخر وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ (36) مشيرا إلى أن الثعبان فى الآية الأولى هو الحية العظيمة الخلقة، والجان فى الآية الثانية هو الصغير من الحيات، فكيف يجتمع الصغر والكبر فى شىء واحد؟ وللإجابة عن ذلك قال المرتضى (37) عدة ردود نذكر منها: أن الآيتين ليستا حديثا عن قصة واحدة بل هناك حالتان مختلفتان، إذ أن الحال التى جعلت العصا فيها بصفة الجان، كانت فى ابتداء النبوة قبل أن يذهب موسى إلى فرعون، والحالة الثانية التى صارت فيها العصا ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة، فلا اعتراض. ثم يرى المرتضى أن الظن يذهب إلى أن الموقف واحد، وليس بموقفين، مع أن الله قد حسم الأمر حين قال: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ (38) فدلّ على

(35) سورة الأعراف: 107.

(36)

سورة القصص: 31.

(37)

أمالي المرتضى- طبعة أولى- ج (1) ص 18.

(38)

سورة القصص: 32.

ص: 665

اختلاف الموقف، ولكنه من باب إرخاء العنان للمجادلة، على طريقة المتكلمين. تابع النظر فقال: وعلى افتراض اتحاد الموقف، فإن الله تعالى شبه العصا بالثعبان فى الآية الأولى لعظم الخلقة، وكبر الجسم، وهول المنظر، وشبهها فى الآية الثانية بالجان لسرعة الحركة والنشاط والخفة، فاجتمع لها نشاط الصغير وسرعة حركته مع هول الكبير وروعة منظره، وهذا أبهر فى باب الإعجاز، وأبلغ فى خرق العادة ولا تناقض معه لأن وجه الشبه مختلف فى الآيتين، ولا يجب أن يكون المشبه مماثلا للمشبه به فى كل الوجوه بل يحوز من الصفات ما يدل على شىء جامع لا على كل متفق. وكأن المرتضى فى نقاشه الجدلى لم يكتف بالرأيين السابقين بل عمد إلى رأى ثالث خلاصته أن المراد فى الآية بالجان هو أحد الجن لا الحية الصغيرة، فكأنه تعالى أخبر بأن العصا صارت ثعبانا فى الخلقة، وعظم الجسم، وكانت مع ذلك كأحد الجن فى هول المنظر والإفزاع، فكأن وجه الشبه المختلف قد كان سبب ما يظهر من الاختلاف، وقد يجوز أن تكون العصا قد ظهرت أولا بصفة الجان ثم انقلبت إلى صفة الثعبان وهو رأى رابع ساقه المرتضى، وأعقبه بأن هذا التأويل يجعل الحكم متفقا فى الاثنين، وهو ما يبطل اعتراض المعترض. على هذا النحو من التفريع والتشقيق وتوهم الاعتراض ثم الإجابة عليه بعدة وجوه، سار الشريف المرتضى فيما تعرض له من تخريج الآيات الموهمة للاعتراض.

أما الشريف الرضى فى كتبه البيانية فقد خالف هذا المنحى فلا تهمه أن يتتبع الردود لينقضها، بل يهمه الشرح البيانى المشرق لآيات الإعجاز القرآنى، وقد يرد على قول سابق دون أن يشير إلى اسم صاحبه. ولكنه يقول فى اقتضاب:«فبطل قول من قال» ، وقد تعقب الرمانى فى آيات كثيرة، وأبدى ما يخالف وجهة نظره، وهذا فى أدب النقد الملتزم دون تجريح نعهده لدى بعض الدارسين.

كما أن الشريف الرضى قد تتبع فى كتابه (تلخيص البيان فى مجاز القرآن) سور الكتاب العزيز، سورة سورة، إلا بعض القصار التى خلت من صور البيان واعتمدت على الحجة المقنعة، والإلزام المفحم، وأضرب المثل لما عقب به على قول الله عز وجل: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (39).

قال: (40) هذه استعارة، والمراد بها أنهم تفرقوا فى الأهواء، واختلفوا فى الآراء، وتقسمتهم المذاهب، وتشعبت بهم الولائج، ومع ذلك فجميعهم راجع إلى الله سبحانه وتعالى على أحد وجهين: إما أن يكون ذلك

(39) سورة الأنبياء: 93.

(40)

تلخيص البيان: تحقيق الأستاذ محمد عبد الغنى حسن ص 232 ط أولى.

ص: 666

رجوعا فى الدنيا فيكون المعنى أنهم وإن اختلفوا فى الاعتقادات صائرون إلى الإقرار بأن الله- سبحانه وتعالى خالقهم ورازقهم ومصرفهم ومدبرهم، أو يكون ذلك رجوعا فى الآخرة فيكون المعنى أنهم راجعون إلى الدار التى جعلها الله- تعالى- مجال الجزاء على الأعمال، وموفى الثواب والعقاب، وإلى حيث لا يحكم فيهم ولا يملك

أمرهم إلا الله- سبحانه وتعالى، وشبّه تخالفهم فى المذاهب، وتفرقهم فى الطرائق- مع أن أصلهم واحد، وخالقهم واحد- بقوم كانت بينهم وسائل متناسجة، وعلائق متشابكة، ثم تباعدوا تباعدا قطع تلك العلائق وشذب تلك الوصائل، فصاروا أصنافا مختلفين.

فهذا تحليل أدبى يبعد بالكتاب عن جفاف المنطق الصارم، وله أمثاله، بل ما يزيد عنه كثيرا، لأنى لو نقلت النصوص التامة لتعليقاته الأدبية البارعة لضاق نطاق القول، وحسبى أن ألفت إلى ما تعرض له فى مثل قول الله:

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ (41) وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وقوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (43) فقد سبق إلى تحليل كان ابن بجدته، ودل على صدق استشفاف، ولطافة اتجاه، وأذكر أنى وضحت ذلك تماما فيما كتبته عنه تحت عنوان (منحى الشريف الرضى) فى كتابى (خطوات التفسير البيانى) ومنه اقتبست ما جاء عن الشريفين- رحمهما الله.

عبد القاهر ودلائل الإعجاز: نشأ عبد القاهر نحويا إذ تعمق فى مسائل النحو تعمقا لم يصل إليه من سبقه، وقد رأى أن النحو قد حيد به عن الطريق الأمثل حين قصره بعض دارسيه على ضبط أواخر الكلمات، وما يخصها من إعراب وبناء، مع أنه فى رسالته الحقيقية علم يؤدى إلى المعرفة الصحيحة لتركيب الجمل وبناء الأساليب، وبالوقوف على ذلك يتسنى للدارس أن يعرف بلاغة الأسلوب، ومن هنا كان الأسلوب القرآنى وهو أرفع نماذج الأدب العربى موضع التحليل البيانى المفضى إلى تأكيد الإعجاز، وقد اطلع على ما قاله سابقوه، وأفاد منه ليقيم على أساسه ما عرف بقضية النظم، وجعل فى خطواته الأولى يتساءل عن الكلمات المفردة هل هى سر الإعجاز؟ ونفى ذلك لأن الكلمات المفردة شائعة لجميع الكتّاب،

(41) سورة البقرة: (257).

(42)

سورة البقرة: 174.

(43)

سورة الصافات: 48.

ص: 667

ومعانيها لا تزيد ولا تنقص، فلا بد أن يكون هناك سرّ آخر، وتساءل عن تركيب الحركات والسكنات فى الجملة القرآنية، فنفى أن يكون ذلك هو السر المنشود، فإذا لم تكن المقاطع والفواصل سر الإعجاز فإن ما تضمنه كثيرا من الاستعارات وأوجه البيان لا يقدم هذا السر أيضا، ووالى البحث نافيا كل احتمال لا يثبت للنقاش حتى اهتدى إلى أن السر فى نظم القرآن، وليس النظم شيئا عن غير توخى معانى النحو وأحكامه، وذلك ما قام عليه كتابه (دلائل الإعجاز)، وقد قال فى تقرير ذلك:

«اعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علما لا يعترضه الشك أن لا نظم فى الكلمة ولا ترتيب، حتى يعلق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك، وهذا ما لا يجهله عاقل، ولا يخفى على أحد من الناس. وإذا كان كذلك، فبنا إلى التعليق فيها والبناء، وجعل الواحدة منها بسبب من صاحبتها؛ ما معناه وما محصوله؟

وإذا نظرنا فى ذلك علمنا ألا محصول لها غير أن تعمد إلى اسمين فتجعل أحدهما خبرا عن الآخر، أو تعمد إلى اسم فتجعله فاعلا أو مفعولا، أو تتبع الاسم اسما على أن يكون الثانى صفة للأول أو تأكيدا له أو بدلا منه أو تجىء باسم بعد تمام كلامك على أن يكون الثانى صفة أو حالا أو تمييزا، أو تتوخى فى كلام هو لإثبات معنى أن يصير نفيا أو استفهاما أو تمنيا فتدخل عليه الحروف الموضوعة لذلك

وعلى هذا يكون القياس» (44) وإذن فنظم الكلام وفق قواعد النحو هو مدار الإبداع فى التركيب، والألفاظ لا تتفاضل باعتبارها ألفاظا مجردة إنما تثبت لها الفضيلة وخلافها فى ملاءمة معنى اللفظة لجاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها، وهل قالوا لفظة متمكنة، وفى غيرها قلقة إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكين عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناها وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم.

ويزداد هذا المعنى وضوحا بالتمثيل فقد عمد الجرجانى إلى قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (45) فشرح الآية الكريمة وجلاها تجلية زاهية حين قال:

«إن شككت فتأمل هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها، وأفردت لأدت من الفصاحة ما تؤديه وهى فى مكانها من الآية قل (ابلعى) واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها، وكذلك فاعتبر سائر ما يليها، وكيف بالشك فى ذلك؟ ومعلوم أن مبدأ العظمة أن نوديت

(44) دلائل الإعجاز ص 44 - الطبعة الرابعة من دار المنار سنة 1367 بتحقيق السيد محمد رشيد رضا.

(45)

سورة هود: 44.

ص: 668

الأرض ثم أمرت، ثم أن كان النداء بيا دون أى نحو يا أيتها الأرض، ثم إضافة الماء إلى الكاف دون أن يقال: ابلعى الماء، ثم أن أتبع نداء الأرض وأمرها بما هو من شأنها نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها، ثم أن قيل «وغيض الماء» فجاء الفعل على صيغة فعل، الدالة على أنه لم يغض إلا بأمر آمر، وقدرة قادر، ثم تأكيد ذلك وتقريره بقول الله:

وَقُضِيَ الْأَمْرُ، ثم ذكر ما هو فائدة هذه الأمور وهو وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، ثم إضمار السفينة قبل الذكر كما هو شرط الفخامة، والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة «قيل» بقيل فى الفاتحة، أفترى لشىء من هذه الخصائص، التى تملؤك بالإعجاز روعة، وتحضرك عند تصورها هيبة تحيط بالنفس من كل أقطارها، تعلقا باللفظ من حيث هو صوت «مسموع، وحروف تتوالى فى المنطق، أم كل ذلك لما بين معانى الألفاظ من الاتساق العجيب» . (46)

والكتاب ملىء بالشواهد الباهرة فى قضايا الأسلوب القرآنى من ذكر وحذف، وتقديم وتأخير، ووصل وفصل، مما كان بذرة قوية لعلم المعانى، ولو سلك المتأخرون سبيل عبد القاهر فى هذا الاستشفاف الباهر لأراحوا من عناء كثير، ونتبع المثال السابق بمثال آخر ساقه الجرجانى فى تحليل قوله تعالى عن موسى عليه السلام مع إيضاح ما فى النص الكريم من حذف للمفعول به أيضا مما يدل على نباهة فكر، ودقة ذوق:

قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ. (47)

قال عبد القاهر: «إن أردت أن تزداد تبينا لهذا الأصل أعنى وجوب أن تسقط المفعول لتتوفر العناية على إثبات الفعل لفاعله، ولا يدخلها شوب، فانظر إلى الآية ففيها حذف مفعول فى أربعة مواضع، إذ المعنى وجد عليه أمة من الناس يسقون أغنامهم أو مواشيهم، وامرأتين تذودان غنمهما، وقالتا لا نسقى غنمنا، فسقى لهما غنمهما، ثم إنه لا يخفى على ذى بصر أنه ليس فى ذلك كله إلا أن يترك ذكره، ويؤتى بالفعل مطلقا، وما ذاك إلا أن الغرض فى أن يعلم أنه كان من الناس فى تلك الحال سقى، ومن المرأتين ذود، وأنهما قالتا: لا يكون منا سقى حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى عليه السلام من بعد ذلك سقى، فأما ما كان من المسقى أغنما أم إبلا أم غير ذلك، فخارج عن الغرض وموهم لخلافه، وذلك إنه لو قيل: وجد من دونهما امرأتين تذودان غنمهما جاز أنه لم ينكر الذود من

(46) دلائل الإعجاز ص 37.

(47)

سورة القصص: 23، 24.

ص: 669

غنم، حتى لو كان مكان الغنم إبل لم ينكر الذود، كما أنك إذا قلت: مالك تمنع أخاك؟

كنت منكرا المنع لا من حيث هو منع، بل من حيث هو منع أخ، فاعرفه تعلم أنك لم تجد لحذف المفعول فى هذا النحو من الروعة والحسن ما وجدت، إلا لأن فى حذفه وترك ذكره فائدة جليلة، وأن الغرض لا يصح إلا على تركه». (48)

هذا التحليل لا يملكه إلا باحث ذوّاق مثل عبد القاهر، وقد جاء بعده من حاولوا أن ينهجوا فى الحديث عن أبواب المعانى من حذف وذكر وتقديم وتأخير وغيرها، لكنهم لم يرزقوا موهبته، فكتبوا كثيرا مما اعترض عليه، هذه ناحية.

- أما الناحية الثانية فإن الاهتمام بالآية والآيتين كلمات وحروفا؛ دون نظر إلى الموضوع جميعه، والارتباط الوثيق بين الآيات المتصلة؛ جعل النظر جزئيا لا كليّا، وقد آن لنا أن ننظر إلى النص باعتباره وحدة متماسكة دون أن نقتصر على الجملة والجملتين، والآية والآيتين.

- وأبرز من اهتدى إلى طريقة الجرجانى هو: الزمخشرى فى (كشافه) مع الفرق بين أسلوب الأديب وترسّله عند عبد القاهر، وأسلوب العالم ودقّته- ولا أقول كزازته- عند الزمخشرى، على نحو ما سأشير إليه الآن.

الزمخشرى: إذا كان عبد القاهر قد اختار من آيات الكتاب المبين ما يكشف عن منحاه البيانى، ويخدم قضية الإعجاز التى سمّى كتابه بها، فإن الزمخشرى قد فسّر القرآن كله آية آية ليسير فى ضوء عبد القاهر وإن لم يعترف بذلك فلم يذكر اسمه صريحا بين أسماء من حشرهم فى مقدمة الكتاب، وقد اكتفى بإشارة بعيدة إلى بيت شعر قاله، والعجب أن يشير إليه شاعرا دون أن يشير إليه فاتحا أهم ميادين البيان! وهذا يتطلب التعليل ..

نعرف أن الزمخشرى كان معتزليّا، وقد بذل جهده فى تعضيد مذهبه، حين تعرض لتفسير الآيات المتصلة بعلم الكلام وقد مثّلت لذلك فيما كتبته عنه فى كتابى (خطوات التفسير البيانى) وأرى من ضيق المقام أن أتجاوز ذلك إلى نقول تدلّ على حسن ذوقه، وقوة استشفافه البيانى مع ما تدل عليه من منهجه الأسلوبى إذ جعل التقرير البيانى فى هيئة سؤال وجواب كأن يقول فإن قلت

،

قلت. وهى طريقة لا ينفسح معها مجال الإشباع الأدبى، كما اتسع أمام عبد القاهر.

ومما نختاره من دلائل نفاذه فى التفسير البيانى، ما ذكره فى تأويل قول الله عز وجل:

وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها

(48) دلائل الإعجاز ص 125.

ص: 670

فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (49) حيث قال:

«الأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا، وهذا لا يكون فيبقى أن يكون مجازا، ووجه المجاز، أنه صبّ عليهم النعمة صبّا، فجعلوها ذريعة للمعاصى وإتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبّب إيلاء النعمة فيه. وإنما خوّلهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير، ويتمكنوا من الإحسان والبر كما خلقهم أصحاء أقوياء، وأقدرهم على الخير والشر. وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول. وهو كلمة العذاب فدمّرهم» (50).

ثم يكر الزمخشرى على رأى ذائع فينقضه بقوله: «هلّا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا» قلت: إن حذف ما لا دليل عليه غير جائز فكيف بحذف ما الدليل قائم على نقيضه، وذلك أن الأمر به حذف لأن فسقوا يدل عليه، وهو كلام مستفيض، يقال: أمرته فقام وأمرته فقرأ، فلا يفهم منه إلا أن المراد به قيام وقراءة، ولو ذهبت تقدر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب» (51)، ثم يفيض المفسر الكبير فيما يؤيد رأيه؛ ذاكرا من الأمثلة ما يدل على مهارة واقتدار، فإن كان طابع المنطق يطغى على عبارته، ولو تجاوز هذا الطابع الجدلى الصارم لكان كلامه نمطا من التفسير البيانى يقارب نمط الشريف وعبد القاهر، فيخرج من هذه الحدود إلى فضاء فسيح، وإذا كان الزمخشرى لم ينس نصيب النحو فيما تصدّى له من تفسير آيات الكتاب المبين فإن نصيب البيان قد تجلى بوضوح سافر فى أكثر ما كتب؛ مما يكشف لبعض الدقائق الخافية فى أسرار التأويل، وأمثّل لذلك بما ذكره فى تفسير قول الله عز وجل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (52).

قال: اقشعرّ الجلد إذا تقبّض تقبّضا شديدا، وتركيبه من حروف القشع، وهو الأديم اليابس مضموما إليه حرف رابع وهو الراء ليكون رباعيّا ودالا على معنى زائد يقال:

اقشعر جلده من الخوف، وقفّ شعره وهو مثل فى شدة التخويف، فيجوز أن يريد به الله تعالى التمثيل تصويرا لإفراط خشيتهم.

وأن يريد به التحقيق» (53)، ولم أجد من خص كلمة قشع بهذا التحليل قبل الزمخشرى، وهو مما يدل على شدة إحساسه بمعانى الحروف قبل إحساسه بمعانى الكلمات.

ونظير ذلك ما ذكره من الفرق بين مرضع ومرضعة عند تفسيره لقول الله عز وجل:

(49) سورة الإسراء: 16.

(50)

تفسير الكشاف- الطبعة الأولى، طبعة مصطفى محمد سنة 1354 هـ، فى سورة الإسراء.

(51)

الكشاف الموضع السابق رقما وسورة.

(52)

سورة الزمر: 23.

(53)

تفسير الكشاف، الزمر.

ص: 671

يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها (54) حيث قال:

«فإن قلت: لم قيل مرضعة دون مرضع، قلت: المرضعة التى هى فى حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبىّ، والمرضع التى من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع فى حال وصفها به، فقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه، وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة» (55).

ومن دقائق ما التفت إليه الزمخشرى ما ذكره عن تفسير قول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا (56). حيث قال:

«فإن قلت: أى فرق بين (وظنوا أن حصونهم تمنعهم) وبين النظم الذى جاء عليه؟ قلت:

فى تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها، ومنعها إياهم، وفى تصيير ضميرهم اسما وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم فى أنفسهم أنهم فى عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض إليهم، أو يطمع فى منازلتهم، وليس ذلك فى قوله:«وظنوا أن حصونهم تمنعهم» . (57)

هذه لفتات أدبية رائعة تصور إحساس الزمخشرى بالإعجاز القرآنى فى كل منحى من مناحيه، كلمة أو جملة أو تقديما أو تأخيرا، وقد ظهرت مؤلفات خاصة بتفسير الكشاف وضحت هذه المعانى بما لا مزيد عنه، ولو امتد هذا الإحساس الأدبى لدى الذين نقلوا عنه من المفسرين، لواصلوا السير على نمطه، ولكن كلّ ميسر لما خلق له.

وحسبه أنه أعطى فأجزل العطاء.

تراجع: كان انتهاء القرن الخامس الهجرى مؤذنا بتراجع ملموس فى النشاط الابتكارى بالدراسات العلمية والإبداع الأدبى معا، وقد شمل ذلك دراسات الإعجاز القرآنى حيث لم تعد مدّا متواصلا يحفل بالجديد، بل وقفت إلى ما انتهى إليه السابقون، وزادت عليه أن غمرتها الخصائص المنطقية، وكان الفخر الرازى أول من انتقل بها من مجالها البيانى إلى تقسيمات المناطقة، حين ألف كتابه (نهاية الإعجاز فى دراية الإيجاز)، فاستعان بالمنطق فى تشعيب المسائل وتفريعها، والإحاطة بالأصول والفروع غير ملتفت إلى جمال النص وروعة الأسلوب، بل أصبحت القواعد الجافة، مجال تأملاته وموضع اهتمامه، وكأنه يكتب عن فلسفة ومنطق ونحو وصرف لا عن بيان

(54) سورة الحج: 2.

(55)

تفسير الكشاف، سورة الحج.

(56)

سورة الحشر: 2.

(57)

تفسير الكشاف، الحشر.

ص: 672

وذوق وفن، وهذا أيضا نهجه فى التفسير الشهير الذى حاز الصيت البعيد، إذ حفل بثمار الثقافة الإسلامية فى عصره منطقا وأصولا وفلسفة وتوحيدا وجدلا لتكون هذه الثمار أدوات لتوجيه الاعتراض ودفعه، فتحول التفسير إلى دائرة معارف علمية. ثم جاء البيضاوى فاقتبس منه طريقته مع إيجاز بالغ دعا كثيرا من المؤلفين إلى كتابة الحواشى على تفسيره ليذكروا أكثر ما قرره الرازى! وهكذا لم يجد الإعجاز من أصحاب الذوق البيانى فى هذا الخضم المتسع من يأخذ بناصره؛ لأن السكاكى قد تصدر للتأليف فى علوم اللسان ومنها علم البلاغة فقعّد القواعد، واهتم بالفروع، وقد قرأ كتاب عبد القاهر وانتفع به، ولكنه لم يمض فى منحاه الأسلوبى، بل جعل ما بسطه الجرجانى مقننا فى تعريفات وأقسام جنت على النص الأدبى، وقد ظهر فى هذا العصر من استطاع أن يتجافى طريقة الرازى فى الشرح البيانى وهو ابن أبى الأصبع ت 654 هـ حيث قصر كتابه الكبير «بديع القرآن» على ما استحسنه من مظاهر الألوان البلاغية من استعارة وتشبيه ومجاز وطباق وتجنيس وتورية وكناية وتعريض واختراع أسماء أخرى لم تكن من قبل حتى عدّ من ألوان البديع مائة وتسعة كان من الممكن أن تتداخل فلا تتسع إلى هذا الأمد، وقد كان ابن أبى الأصبع أديبا شاعرا ولكنه نشأ فى عصر التقليد فلم ينج من أوهاقه، وكانت ضروب البديع مهوى الشعراء والباحثين فى النقد الأدبى فاختصها باحتفاله وجعل من آيات الذكر الحكيم مجالا لتطبيقها على هذا النحو الفسيح حتى عد هذه المحسنات مع ما يتصل بها من فنون المجاز والكناية والتشبيه والاستعارة من دلائل الإعجاز القرآنى، ومن أبرز سماته.

ومن المدهش أنه ذكر فى مقدمة كتابه:

إعجاز القرآن للباقلانى ودلائل الإعجاز لعبد القاهر وتفسير الكشاف وغيرها من الكتب التى خالفت نهجه فى التأليف، ونقل منها فى أكثر من موضع، واستراح إلى مضمونها ولم يمنعه ذلك من الإغراق فى التماس البديعيات والمحسنات التماسا مفرطا قد يدعو إلى الملال، وكان الأحرى به وقد درس كتب السابقين من هؤلاء الأفذاذ ألا يتنكب طريقهم المتزن؟ فى تناول ألوان البيان.

على أنه قليلا ما كان يسمح لخاطره بالتعبير المتسع فى تحليل بعض الآيات فيأتى بما كنا نود أن يستمر عليه فى التأليف، ومن ذلك ما كتبه عن قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (58) حيث قال- بتصرف قليل:

(58) سورة الحج: 73.

ص: 673

«فانظر إلى غرابة هذا التمثيل الذى تضمن الإفراط فى المبالغة مع كونها جارية على الحق خارجة مخرج الصدق وذلك حين اقتصر سبحانه على ذكر أضعف المخلوقات، وأقلها سلبا لما تسلبه، وتعجيز كلّ من دونه- سبحانه- كائنا من كان عن خلق مثله مع التضافر والاجتماع، ثم نزل فى التمثيل عن رتبة الخلق إلى استنقاذ النزر التّفه الذى يسلبه هذا الخلق الضعيف على ضعفه، فتنقّل فى النزول فى التمثيل على ما تقتضيه البلاغة على هذا الترتيب فى البيان، فنزل بهم إلى استنقاذ ما يسلبه هذا المخلوق الضعيف، ليريهم عجزهم فتستيقنه نفوسهم وإن لم تقر به ألسنتهم، فجاء بما يقضى الظاهر أنه أيسر الخلق وهو فى الحقيقة مثله فى العسر، ولم يسمع مثل هذا التمثيل فى بابه لأحد قبل نزول القرآن العزيز» (59).

فهذا التحليل رصين فى موضوعه، قلق فى صياغته إذا قورنت بصياغة الشريف الرضى وعبد القاهر، ولكنه يسير فى طريقهما فحسب وليته واصل المسير.

ولا ننكر ما امتلأت به كتب المتأخرين مثل الزركشى والسيوطى والبقاعى من أحاديث متناثرة عن الإعجاز القرآنى؛ بل إن السيوطى ألف كتابا مستقلا عن الإعجاز ولكنه ترديد لما يقال ونسج على منوال مشتهر لم يضف جديدا. حتى ليجوز لنا أن نقول: إن العصر المملوكى والعصر العثمانى لم يأت من علمائهما من حاول اللحاق

بالسابقين طرافة ومنهجا واستشفافا حتى جاء العصر الحديث، فنفح القراء بما يروق ويفيد، وما كتبه الأندلسيون فى تفسير الكتاب، مثل ابن عطية وابن العربى، جيد فى بابه، ولكنه لا يضيف الجديد.

أ. د/ محمد رجب البيومى

(59) بديع القرآن. لابن أبى الأصبع، ص 340 - الطبعة الأولى- بتحقيق الدكتور حفنى شرف.

ص: 674