الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعارة التّبعيّة
الاستعارة التبعية فى اصطلاح البيانيين هى ما كان اللفظ المستعار فيها واحدا من الفصائل الثلاث الآتية:
* الأفعال: ماضية كانت أو مضارعة أو أمرا.
* الصفات المشتقة: مثل اسمى الفاعل والمفعول.
* الحروف؛ مثل فى وعلى واللام.
وهى عكس الاستعارة الأصلية، وكلتاهما تصريحيتان وهما قسمان للاستعارة التصريحية وقد عرف الإمام السكاكى الاستعارة التبعية فقال:
«ما تقع فى غير أسماء الأجناس كالأفعال والصفات المشتقة، وكالحروف» (1).
وقال ابن بن مالك:
يريد أن يقول: إن الأفعال والصفات لا تصلح فى ذاتها لوقوع الاستعارة فيها؛ فالاستعارة تجرى أولا فى مصادر الأفعال والصفات أصالة. ثم تسرى من المصادر إلى الأفعال والصفات وكذلك الحروف مثل فى وعلى، لا توصف. فلا تصلح لأن تكون استعارة على جهة الأصالة. بل تقع الاستعارة فى متعلق معناها الكلى، كالظرفية المطلقة فى حرف الجر «فى» والاستعلاء الكلى فى حرف الجر «على» تم تسرى الاستعارة منهما إلى الحرف.
ولذلك سميت استعارة تبعية، لأنها وقعت تابعة لوقوعها فى مصادر الأفعال والصفات المشتقة، وفى متعلق معانى الحروف الكلية.
ويوضح الخطيب القزوينى فكرة أن الأفعال والصفات والحروف لا تصلح لوقوع الاستعارة فيها مباشرة، فيقول: «وذلك لأن الاستعارة تعتمد التشبيه، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا، وإنما يصلح للموصوفية
(1) مفتاح (179) للإمام السكاكى.
(2)
المصباح (65) لبدر الدين ابن بن مالك.
الحقائق كما فى «جسم أبيض» و «بياض صاف» دون معانى الأفعال والصفات المشتقة منها- أى من الأفعال- والحروف» (3) ومن أمثلتها فى القرآن الكريم:
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (4)
ففي قوله «أتى» استعارة تبعية فى زمن الفعل لها شبه الإتيان فى المستقبل «يأتى» بالإتيان فى الماضى «أتى» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية ثم اشتق من «الإتيان» أَتى بمعنى يأتى، والجامع بين الإتيان فى الماضى والإتيان فى المستقبل هو تحقق الوقوع فى كل منها.
فقد جرت الاستعارة أولا فى المصدر «الإتيان» ثم سرت إلى الفعل، وهذا معنى «التبعية» فى هذه الاستعارة أما قرينة الاستعارة المانعة من المعنى الحقيقى، وهو الإتيان فى الماضى فهى قوله تعالى: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ لأن النهى عن الاستعجال يكون فى ما يأتى مستقبلا، لا فى ما أتى ماضيا.
وقوله تعالى: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ (5) فيه استعارتان تبعيتان:
الأولى فى زمن الفعل تَرَكْنا بمعنى:
نترك، لأنه سيكون يوم القيامة.
وقد شبّه فيها الترك فى المستقبل بالترك فى الماضى، والجامع بينهما تحقق الوقوع فى كل منهما، والقرينة حالية تفهم من المقام.
والثانية فى معنى الفعل يَمُوجُ شبه الاضطراب الشديد فى حركة الناس يوم القيامة بالاضطراب الشديد فى حركة موج البحر، وهما مصدران. ثم سرى التشبيه من المصدر الاضطراب الشديد إلى الفعل يَمُوجُ بمعنى يضطرب اضطرابا شديدا.
والقرينة حالية تفهم من المقام كذلك، لأن التموج من خصائص الماء لا الناس.
أما الاستعارة التبعية فى الصفات المشتقة فمنها قوله تعالى:
وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (6)
فى مُبْصِرَةً هنا استعارة جرت فى اسم الفاعل، يعنى: مضيئة، ومبصرة أبلغ من مضيئة؛ لأنها أظهر فى مقام النعمة (7).
شبهت الإضاءة بالإبصار، وهما مصدران، ثم سرى التشبيه من المصدر (الإبصار) إلى الصفة (مبصرة) على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقى للإبصار، كون النهار زمنا لا يوصف بالإبصار- كما يوصف به الأحياء.
والاستعارة التبعية فى الحرف مثل قوله تعالى حكاية عن قول فرعون للسحرة:
(3) الإيضاح (5/ 88) للخطيب القزوينى.
(4)
النحل (1).
(5)
الكهف (99).
(6)
الإسراء (12).
(7)
النكت فى إعجاز القرآن (88) للرمانى.
وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (8)
استعار متعلق الحرف (فى) الكلى، وهو مطلق الظرفية لمتعلق الحرف (على) وهو مطلق الاستعلاء. ثم سرى التشبيه إلى معنى الحرفين، فاستعيرت (فى) ل (على) لتفيد هذه الاستعارة المبالغة فى تصوير المعنى المراد حتى لكأن فرعون من شدة غيظه على إيمان السحرة لم يكتف بإلصاقهم بجذوع النخل، وإنما غرس أجسادهم فيها غرسا.
والاستعارة التبعية فى معنى الفعل كثيرة الورود فى القرآن الكريم. يليها الاستعارة فى زمن الفعل، ثم فى الحروف (9).
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
(8) طه (71).
(9)
الفرق بين الاستعارة فى معنى الفعل وفى زمن الفعل أن معنى الفعل فى الأولى هو الذى تغير من الحقيقة إلى المجاز، أما زمنه ماضيا أو مضارعا أو أمرا فيظل كما هو.
أما فى زمن الفعل فإن معنى الفعل يظل كما هو حقيقة لغوية لا مجاز فيه. وزمنه هو الذى تغير من المضارع إلى الماضى، أو من الماضى إلى المضارع.