الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ- سورة هود/ 114 فقال الرجل:
ألى هذه يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لك ولمن عمل بها من أمتى» . وفى بعض الروايات: فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصة، أم للناس عامة؟ فقال:«بل للناس عامة» (57).
ثانيا: أدلة المخالفين:
أما المخالفون: فليس لهم أدلة سوى بعض المحاذير التى يرون أنها تترتب على القول بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهى محاذير يمكن الرد عليها جميعا، ومن بين هذه المحاذير:
(أ) أنه يترتب على القول بعموم اللفظ: ألا يكون هناك فائدة لأسباب النزول، أو لبيانها على الرغم من اجتهاد العلماء فى نقل هذه الأسباب، واهتمام علماء التفسير بها، ولا تظهر الفائدة من ذلك إلا بالقول بأن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
ويمكن الرد على ذلك: بأن لمعرفة أسباب النزول كثيرا من الفوائد الهامة غير هذه الفائدة التى أوردها هؤلاء مثل معرفة حكمة التشريع، وإزالة ما قد يكون فى الآيات من إشكال، وغير ذلك مما عالجناه فى موضع آخر.
(ب) أنه يترتب على القول بعموم اللفظ:
أنه يحنث من قال: والله لا آكل، جوابا لمن قال: كل فاكهة. إذا حدث وأكل خبزا، لأن قوله: لا آكل. يعم كل أكل، مع أن الفقهاء على أنه لا يحنث، فثبت أن العبرة بخصوص السبب، لا بعموم اللفظ.
والرد على ذلك: أن التخصيص فى هذا المثال إنما جاء من العرف، الذى يقضى بأن الحالف فى مثل هذه الحالة لا يقصد نفى الأكل مطلقا، وإنما يقصد نفى أكل الفاكهة، فالتخصيص جاء من قرينة قضت به، لا من خصوص السبب، ولا نزاع فى ذلك، إنما النزاع عند عدم القرينة.
(ج) أنه يترتب على القول بعموم اللفظ:
أن لا يكون لربط نزول الآية بسببها فائدة، لأن هذا الربط دليل على أن العبرة بخصوص السبب، ولولا ذلك كانت الآيات تنزل إما قبل حدوث هذه الأسباب، أو بعدها بوقت طويل، حتى ينفك هذا الارتباط، فدل ذلك التعاقب على أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
والرد على ذلك: أن هذا التعاقب بين السبب والآيات النازلة فى شأنه يؤدى إلى تثبيت الحكم الشرعى وإظهار حكمة التشريع، وتوضيح المراد من الآيات عند ما يشكل
(57) هذا الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه: ك: التفسير، ب: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ حديث/ 4687 ومسلم فى صحيحه: ك: التوبة، باب قوله: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ حديث/ 2763 والترمذى فى سننه: ك: التفسير، ب: ومن سورة هود، حديث/ 3114 واللفظ للترمذى الذى قال: هذا حديث حسن صحيح.
معناها، وليس المراد منه قصر الحكم على سببه الخاص.
(د) أنه يترتب على القول بعموم اللفظ:
جواز إخراج صورة السبب من اللفظ العام إذا ورد ما يخصصه لأنه حينئذ كأى فرد من أفراده، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز إخراج صورة السبب من العام فى هذه الحالة فدل ذلك على أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
ويجاب عن ذلك: بأن عدم جواز إخراج صورة السبب بما ورد من التخصيص إنما هو لمزية فى صورة السبب ليست فى سائر الأفراد، وهى مع ذلك تدخل دخولا أوليا، وقد عولج ذلك بالتفصيل فى بيان فوائد معرفة أسباب النزول.
(هـ) أنه يترتب على القول بعموم اللفظ:
عدم مطابقة اللفظ العام الذى هو بمنزلة الجواب للسبب الذى هو بمنزلة السؤال، لأن السبب خاص واللفظ عام، فلا تطابق بينهما، مع أن التطابق فى مثل ذلك ضرورى، انطلاقا من قواعد البلاغة، وإذا لم يتحقق هذا التطابق يكون مخلا ببلاغة القرآن، وهو عندئذ نقص يتنزه عنه القرآن الكريم.
والجواب على ذلك: أن التطابق المنشود يتحقق فى حالة عموم اللفظ، لأنه يتضمن بيان حكم السبب الخاص، وهذا قدر متيقن، ويزيد عليه بيان حكم ما يشابهه، ولا يخل بأعلى مراتب البلاغة أن يكون اللفظ العام جوابا شاملا للسبب ولغيره، بل إن هذه مزية، لأنها فائدة زائدة ترفع من شأن الكلام، وتزيد من قيمته.
وحيث زالت هذه المحاذير بما لا تكلف فيه: فإنه لا يبقى لهؤلاء دليل على رأيهم، وتبقى أدلة الجمهور سالمة ناطقة بصواب ما ذهبوا إليه، وهو أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وإذا كان لهذا الخلاف من ثمرة: فإن الثمرة تنحصر فى تحديد مأخذ الحكم فى غير صورة السبب الخاص وهى- كما قدمنا- مندرجة تحت الحكم قطعا، ولكن جماهير العلماء يرون مأخذ الحكم فيها بطريق النص نفسه بينما يرى البعض مأخذه بطريق القياس، فالحكم فى غير صورة السبب قائم فى كلتا الحالتين على دليل شرعى (58).
(58) راجع فى أدلة الفريقين: الإتقان: (1/ 96، 97) والبيان فى مباحث من علوم القرآن: ص 115 - 120 واللآلئ الحسان فى علوم القرآن: ص 166 - 169.