الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإطناب
من معانى الإطناب فى اللغة: الإكثار والتطويل، والمبالغة فيما أخذ فيه المرء، ومثله الإسهاب. أما اصطلاح علماء المعانى، فإن ما قالوه فى الإطناب لا يخرج عن معانيه فى اللغة، التى تدور حول كثرة الكلام باعتبار المقام الوارد فيه الكلام، والمعانى التى تراد منه، لا مجردا عن هذه القيود.
فالإطناب- عموما- المبالغة فى النطق والوصف، مدحا كان أو ذما، وأطنب فى الكلام بالغ فيه وأطنب فى الوصف إذا بالغ واجتهد.
وأطنب فى الكلام أيضا إذا أبعد. وأطنب الإبل إذا اتبع بعضها بعضا (1).
والإطناب فى الاصطلاح البلاغى له اعتبارات وخصوصيات تميزه عن مفهوم الإطناب بالمعنى اللغوى العام.
فالمعنى اللغوى يعتمد على مقياس الزمن الذى يستغرقه الكلام طولا وقصرا. أما فى الاصطلاح البلاغى فإن منزع الإطناب يحصل من المقارنة بين الكلام وبين المعانى المرادة منه، سواء طال زمن الكلام أو لم يطل.
لذلك فإنهم فرّعوا على تعريفهم للإطناب صورا ذوات خصوصيات دقيقة، ومعايير فنية محددة أما تعريف الإطناب عندهم، فقد عرفه الإمام أبو يعقوب السكاكى بقوله:«هو تأدية المعنى بأكثر من متعارف الأوساط» (2).
ويقصد ب «متعارف الأوساط» الحديث اليومى الذى يجرى بين الناس فى تعاملاتهم، وهو عنده لا يمدح ولا يذم (3).
وفى الواقع نجد الإطناب أحد أوصاف ثلاثة للكلام عموما:
فهو إما أن يكون اللفظ مساويا لمعناه وإما أن يكون اللفظ ناقصا عن معناه غير مخل وإما أن يكون اللفظ زائدا على معناه لفائدة وعرفه ابن الأثير ممثلا له فقال.
«هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة (4)» وقال: إن الإطناب يكون بالحقيقة، ويكون بالمجاز، مثل:
«ذقته بفمى» فإن كلمة «بفمى» إطناب لأن الإذاقة لا تكون إلا بالفم.
وأما الزيادة (الإطناب) بالمجاز فكقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (5).
لم يبين ابن الأثير جهة التجوز التى حصل
(1) اللسان، ترتيب القاموس، مادة: طنب.
(2)
مفتاح العلوم (132).
(3)
شرح التلخيص (2/ 159) وما بعدها.
* الطول (282).
* الأطول (2/ 32).
* التلخيص (209).
(4)
المثل السائر (2/ 128/ 159).
(5)
الحج (46).
بها الإطناب ولعله أراد أن الاستدراك فى وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ أن فِي الصُّدُورِ إطناب، لأن المعروف أن القلوب لا تكون إلا فى الصدور، فإن كان أراد هذا فقد جانبه الصواب؛ لأن هذه العبارة لا مجاز فيها.
وإن أراد إثبات عمى القلوب، فهو مجاز حقا، ولكن الجملة الاستدراكية، هذه ليست إطنابا، لأنها أدت معنى جديدا كل الجدة.
ومن صور الإطناب فى القرآن الكريم قوله تعالى: قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (6).
جاءت هذه العبارة جوابا عن سؤال الله موسى عليه السلام وهو أعلم-: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى وقد تحقق الجواب بقوله:
هِيَ عَصايَ وكان يكفى أن يقول عَصايَ بدون ذكر هِيَ وبدون ذكر أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى.
وبلاغة هذا الإطناب أن موسى عليه السلام زادت رغبته فى التمتع بحديثه مع الله عز وجل.
ومن صور الإطناب فى القرآن الكريم- كذلك قوله تعالى:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7).
لأن كلمة الْمُسْتَقِيمَ كافية فى بيان المراد فجاء ما بعدها إطنابا، وبلاغة هذا الإطناب شدة الرغبة فى مقام المناجاة والدعاء فى حضرة الله عز وجل، والتلذذ بخطابه.
هذا. والإطناب جنس عام فى بابه. تندرج تحته صور عدة، لكل صورة منها اسم خاص بها، وضوابط تميزها عن نظيراتها، ومعان بلاغية يقصدها البلغاء منها ومقامات تقتضى استخدام تلك الصور صورة صورة.
يأتى الحديث عنها تباعا فى الآتى.
أ. د./ عبد العظيم إبراهيم المطعنى
(6) طه (18).
(7)
فاتحة، الكتاب (6 - 7).