الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعارة
الاستعارة لغة: مأخوذة من العارية، وهى نقل منفعة شىء مملوك لشخص إلى غير مالكه، مع بقاء الملكية لمالك ذلك الشيء.
كإعارة الدابة، أو الدار أو الكتاب لمن هو فى حاجة إلى منافع هذه الأشياء.
والعارية والإعارة ما تداوله الناس بينهم.
واستعار فلان كذا طلب إعارته إياه. والسين والتاء فيها مزيدتان للطلب (1).
أما الاستعارة فى اصطلاح البلاغيين، فكان أول من أشار إليها هو أبو عمرو بن العلاء. فقد ذكر قول ذى الرمة.
أقامت به حتى ذوى العود فى الثرى
…
وساق الثريا فى ملاءته الفجر
وعلق عليه قائلا:
«ولا أعلم قولا أحسن من قوله: وساق الثريا فى ملاءته الفجر «فصيّر للفجر ملاءة، ولا ملاءة له، وإنما استعار هذه اللفظة، وهو من عجيب الاستعارات» (2) ثم أخذ البلاغيون من بعده يوسعون دائرة البحث فيها، ويحاولون وضع تعريفات لها.
وكان أول من وضع تعريفا للاستعارة هو الجاحظ فقال:
«الاستعارة تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه» (3) وعرفها ابن قتيبة فقال:
«والعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة، إذا كان المسمى بها بسبب من الآخر أو مجاورا أو مشاكلا» (4) وعرفها ثعلب فقال:
«هى أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه» (5).
وعرفها ابن المعتز بقوله: «استعارة الكلمة، لشىء لم يعرف بها من شىء عرف بها» (6).
وكل ما تقدم غير واف فى ضبط الاستعارة وتحديد مفهومها تحديدا واضحا جامعا مانعا.
ثم بدأت مرحلة أخرى عرّفت فيها الاستعارة تعريفات جديدة، من ذلك تعريف القاضى على بن عبد العزيز الجرجانى، إذ
(1) لسان العرب، مادة: عور.
(2)
حلية المحاضرة (1/ 136) الخاتمى.
(3)
البيان والتبيين- الجاحظ (1/ 153/ 284).
(4)
تأويل مشكل القرآن (102).
(5)
قواعد الشعر (47).
(6)
البديع (2).
ويلاحظ أن فى هذا التعريف طولا، والتعريفات يستحسن فيها الإيجاز.
وعرفها الرمانى تعريفا مختصرا قال فيه:
«الاستعارة تعليق العبارة على ما وضعت له فى أصل اللغة على جهة النقل للإبانة» (8).
وجاء الخطيب القزوينى فعرّف الاستعارة فى إيجاز شديد، هو قوله:
«الاستعارة هى ما كانت علاقته تشبيه معناه بما وضع له» (9).
فالنور- إذا أستعير للحجة البالغة- علاقة المشبه بالمشبه به هى تشبيه معنى النور المستعار للحجة بالمعنى اللغوى الوضعى الذى أراده واضع اللغة، من كلمة «النور» الحسى الذى يرى بالبصر.
وقد لاحظ متأخرو البلاغيين قصورا فى كل التعريفات التى تقدمت؛ وهذا حملهم على وضع تعريف واف للاستعارة فقالوا:
أو «استعمال اللفظ فى غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى» (10).
ويسمون التعريف الأول: التعريف بالمعنى الاسمى والثانى: التعريف بالمعنى المصدرى.
هذا التعريف هو الشائع الآن فى مصنفات البلاغيين المعاصرين، والجارى على ألسنتهم وهو تعريف واف جامع مانع، خال من جميع المؤاخذات، يشتمل على العناصر الفنية للاستعارة، وهى:
* نقل اللفظ المستعار من معناه الوضعى إلى معناه الاستعارى.
* العلاقة بين المعنيين الوضعى والاستعارى.
* القرينة التى تمنع من إرادة المعنى اللغوى الوضعى فقوله تعالى: وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ (11) فيه استعارة النور للهدى المعنوى الذى جاء به الإسلام فالنور مستعار، والهدى مستعار له. والعلاقة وتسمى «الجامع» هى الكشف والإظهار فى كل من النور والهدى أما القرينة المانعة من إرادة
(7) الوساطة بين المتنبى وخصومه (41).
(8)
النكت فى إعجاز القرآن (79) ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن.
(9)
الإيضاح (5/ 37) شرح د./ محمد عبد المنعم خفاجى.
(10)
البلاغة الواضحة (4. مبحث الاستعارة) حامد عونى.
(11)
الأعراف (157).
المعنى الحقيقى للنور الحسى فهى قوله تعالى: «أنزل معه» لأن محمدا- صلى الله عليه وسلم لم يجئ بنور حسى يدرك بالأبصار، بل بنور معنوى يدرك بالعقول والقلوب.
وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ (12)
فيه استعارة التوفية «الموت» للإنامة «النوم» والجامع بين المستعار له والمستعار منه هو فقد الوعى والحركة فى كل منهما.
أما القرينة فهى «بالليل» لأنه وقت النوم، أما الموت الحقيقى فلا وقت له، لأنه يأتى ليلا ونهارا فى أى لحظة فيهما.
هذا هو مفهوم الاستعارة بوجه عام.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
(12) الأنعام (60).