الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلام الشيخ أن نغض الطرف عن الخلاف بين القولين فى أن أحدهما يعقبه الكفر والآخر لا، وأن أصحاب القول الثانى يقولون: إنما أثبت من القراءات المشهورة ما وافق الرسم العثمانى فقطو كذلك غض النظر عن تفرقة الطبرى الغريبة بين جحد الحرف وجحد القراءة، إذا غضضنا الطرف عن هذا كله، سيبقى الخلاف عندنا حقيقيا، لما قلناه من عدم صحة دعوى النسخ لشىء من الأحرف السبعة النازلة. وكان سبيلنا لإثبات وجود الأحرف السبعة إيجاد مثال واحد فى القرآن، وقد كان تعليقنا على ما ذكرناه من نصوص الأئمة الثلاثة: ابن قتيبة والرازى وابن الجزرى ما فيه كفاية فى هذا الباب.
ونلاحظ فى المثل المذكور فى هذه النصوص وحواشىّ عليها أن مثل الزيادة والنقص لا تكون من مصحف واحد. فلا تجتمع الزيادة والنقص فى مصحف واحد، ونلاحظ أيضا قلة أمثلة الإبدال فى تغير الحرف والصورة معا سواء تغير المعنى أم لا.
ليست قراءات الأئمة السبعة تمام الأحرف السبعة:
سبق لنا عرض نصّ الأبىّ فى شرح مسلم الذى نقل عن ابن عرفة المالكى أنه يرى أن الأحرف السبعة هى القراءات السبع، وأن قراءة يعقوب داخلة فيها، ولكن الإمام ابن الجزرى فى النشر ردّ هذا القول ونسبه للعوام، واحتج على من قال بأن الأحرف السبعة وجدت قبل وجود القراء السبعة، وقبل جمعها على يد ابن مجاهد فى القرن الرابع.
وذكر فى موضع آخر أن مسألة بقاء الأحرف السبعة مفرعة على مسألة هل يجوز للأمة ترك شىء من الأحرف المتواترة؟ فمن منع أوجب أن تكون الأمة تقرأ بالأحرف السبعة إلى اليوم، وإلّا اجتمعت الأمة المعصومة على ضلالة. ولكنه ذكر أن القراءات السبعة أو العشرة المشهورة بالنسبة لما كان يقرأ به الصحابة والتابعون نزر من بحر.
ونحن نوافق ابن الجزرى فيما قاله من إنكار أن تكون القراءات سبعة؛ لأن التواتر للقراءات لم ينحصر فى السبعة المشهورة وهى قراءات نافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى، بل تعدى إلى قراءات الأئمة الثلاثة المتممة للعشرة وهم:
أبو جعفر ويعقوب وخلف أحد راويى حمزة، فقد ذكر الجلال المحلى أن الأخير كانت اختياراته من أوجه فى السبعة، ولكنه صار وجها مستقلا به؛ ولذا صارت قراءة مستقلة.
ولكننا لا نوافق الإمام ابن الجزرى فيما ذكره من أن القراءات السبع بالنسبة للقراءات التى كان يقرأ بها الصحابة والتابعون نزر من
بحر، والذى حمله على ذلك هو انخداعه بقول سابقيه من أمثال: أبى عباس المهدوى، وأبى محمد مكى، وأبى شامة، وابن تيمية، فى عدم اشتراط التواتر فى ضوابط القراءة المقبولة حتى نظم ابن الجزرى هذا الرأى فى «طيبة النشر» فقال:
وكل ما وافق وجه نحوى
…
وكان للرسم احتمالا يحوى
وصحّ إسنادا هو القرآن
…
فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت
…
شذوذه لو أنه فى السبعة
بل لقد أنكر ابن الجزرى على جماهير القراء والفقهاء والمحدثين اشتراطهم التواتر فى القراءة.
ونحن نسأل ابن الجزرى: أين ذهبت القراءات التى هى سوى العشرة المشهورة والتى كان يقرأ بها السلف، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا تصح دعوى النسخ إلّا بإثبات أصل القرآنية بالتواتر، وإذا كان السلف يقرءون بها، فهى لم تنسخ لانقطاع الوحى، بل إن هذا القول يكذبه القرآن نفسه بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
والخلاصة: أن القراءات السبع هى بعض أحرف القرآن السبعة لا كلها، وأن القراءات العشر المشهورة بين أيدى الناس اليوم هى جميع الأحرف السبعة التى أنزل الله عليها القرآن. وإن شئت قلت: الأحرف السبعة هى القراءات العشر بلا أدنى فرق بين العبارتين.
والله أعلم.
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة مراجع للبحث والاستزادة:
(1)
اتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربع عشر، للشيخ أحمد الدمياطى الشهير بالبناء، طبع ونشر عبد الحميد أحمد حنفى.
(2)
الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى.
(3)
إكمال إكمال المعلم شرح مسلم، لأبى عبد الله الأبىّ، مكتبة طبرية، الرياض.
(4)
بذل المجهود فى حل أبى داود، للشيخ خليل أحمد السهارنفورى، ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
(5)
البرهان فى علوم القرآن، لبدر الدين الزركشى.
(6)
جامع الترمذى.
(7)
جامع البيان عن تأويل آى القرآن، للطبرى.
(8)
جامع البيان فى القراءات السبع، لأبى عمر الدانى، قطعة من مقدمة حققها دكتور عبد المهيمن طحان ووضعها تحت عنوان «الأحرف السبعة للقرآن» دار المنارة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.
(9)
الجامع الصحيح، للبخارى.
(10)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبى.
(11)
روح المعانى، للآلوسى.
(12)
زهر الربى شرح المجتبى، للسيوطى، ط المكتب العلمى، بيروت، لبنان.
(13)
سنن أبى داود.
(14)
شرح النووى لصحيح مسلم، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، نشر مكتبة الغزالى، دمشق.
(15)
صحيح مسلم.
(16)
عمدة القارى شرح صحيح البخارى، لبدر الدين العينى، ط دار إحياء التراث العربى، بيروت، لبنان.
(17)
عون المعبود شرح سنن أبى داود، لأبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى، ط دار الحديث، القاهرة.
(18)
فتح البارى بشرح صحيح البخارى، للحافظ ابن حجر العسقلانى.
(19)
فضائل القرآن، للحافظ ابن كثير، ط عيسى البابى الحلبى.
(20)
الكلمات الحسان فى الحروف السبعة وجمع القرآن، للشيخ محمد بخيت المطيعى.
(21)
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمى، ط دار الكتاب العربى، بيروت، لبنان.
(22)
المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لأبى الفتح عثمان بن جنى، تحقيق على النجدى ناصف والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبى، نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
(23)
المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، لأبى شامة، د. طيار آلتى قولاج، دار وقف الديانة التركى للطباعة والنشر،- أنقرة.
(24)
مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط الحلبى.
(25)
مناهل العرفان فى علوم القرآن، للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى.
(26)
النشر فى القراءات العشر، لابن الجزرى، نشر عباس أحمد الباز، المروة، مكة المكرمة، ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.