الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقف على آخر الكلم
للوقف فى كلام العرب أوجه متعددة، والمستعمل عند أئمة القراءة تسعة أوجه وهى: السكون، والرّوم، والإشمام، والإبدال، والنقل، والإدغام، والجذف، والإثبات، والإلحاق.
الوقف بالسكون فأما السكون: فهو الأصل فى الوقف على الكلمة المحركة وصلا، لأن معنى الوقف:
الترك والقطع، ولأنه ضد الابتداء، فكما لا يبتدأ بساكن لا يوقف على متحرك، وهو اختيار كثير من القراء.
هذا: والوقف بالسكون المحض يكون فى كل من المرفوع والمجرور والمنصوب فى المعرب، وفى كل من المضموم والمكسور والمفتوح فى المبنى، ويستوى فى ذلك المخفف والمشدد، والمهموز المحقق والمنون إلا ما كان فى الاسم المنصوب نحو حُوباً كَبِيراً أو فى الاسم المقصور مطلقا نحو عمى، كما يستوى أيضا سكون ما قبل الحرف الأخير الموقوف عليه أو تحركه.
الوقف بالرّوم وأما الروم: فهو فى اللغة بمعنى الطلب، وفى الاصطلاح: هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك التضعيف معظم صوتها.
وقال بعض العلماء: هو الإتيان ببعض الحركة. وقدر العلماء تضعيف الصوت بالحركة أو الإتيان ببعضها بالثلث، أى: أن المحذوف من الحركة أكثر من الثابت فى حالة الروم، ومن ثمّ ضعف صوتها لقصر زمنها فيسمعها القريب المصغى ولو كان أعمى دون البعيد. ولذلك لا يؤخذ الروم إلا بالمشافهة.
ويكون الوقف بالروم فى المرفوع والمجرور من المعرب وفى المضموم والمكسور من المبنى سواء أكان الحرف الموقوف عليه مخففا أم مشددا، مهموزا أم غير مهموز، منونا أم غير منون. ونعنى بالمنون- هنا- ألا يكون منصوبا نحو «سميعا» ، وألا يكون فى الاسم المقصور نحو «هدى» فإن التنوين فى هذين يبدل ألفا فى الوقف، وسواء سكن ما قبل الحرف الموقوف عليه أم تحرك.
هذا: ولا يكون الوقف بالروم فى المنصوب
ولا المفتوح. وعلة ذلك: خفة الفتحة وخفاؤها، فإذا خرج بعضها حالة الروم خرج سائرها، وذلك لأنها لا تقبل التبعيض بخلاف الضمة والكسرة فإنهما تقبلانه لثقلهما. ولا بدّ من حذف التنوين من المنون حالة الوقف بالروم كما مر. وقد أشار إلى ما سبق الإمام ابن برى بقوله:
فالروم إضعافك صوت الحركة
…
من غير أن يذهب رأسا صوتكه
يكون فى المرفوع والمجرور
…
معا وفى المضموم والمكسور
ولا يرى فى النصب للقراء
…
والفتح للخفة والخفاء (1)
الوقف بالإشمام وأما الإشمام فى عرف القراء: عبارة عن ضم الشفتين من غير صوت بعد النطق بالحرف الأخير ساكنا إشارة إلى الضم ولا بدّ من إبقاء فرجة «أى انفتاح» بين الشفتين لإخراج النفس، وضم الشفتين للإشمام يكون عقب سكون الحرف الأخير من غير تراخ، فإن وقع التراخى فهو إسكان محض لا إشمام معه. وهذا ما أشار إليه الإمام الشاطبى بقوله:
والإشمام إطباق الشفاه بعيد ما
…
يسكّن لا صوت هناك فيصحلا (2)
والإشمام يرى بالعين ولا يسمع بالأذن ولهذا لا يأخذه الأعمى عن القارئ، بل يأخذه عنه المبصر ليرى كيفيته.
هذا: والإشمام يكون فى المرفوع من المعرب وفى المضموم من المبنى دون غيرهما من الحركات لأنه المناسب لحركة الضمة لانضمام الشفتين عن النطق بها، ولا يجوز أن يكون الإشمام فى المجرور والمنصوب والمكسور والمفتوح لخروج الفتحة بانفتاح الفم والكسرة بانخفاضه، ولأن الإشمام فى المفتوح والمكسور يوهم حركة الضم فيهما فى الوصل بينما هما ليسا كذلك وهذا هو وجه المنع.
وقد أشار إلى صفة الإشمام وما يجرى فيه الإمام ابن برى بقوله:
وصفة الإشمام إطباق الشفاه
…
بعد السكون والضرير لا يراه
من غير صوت عنده مسموع
…
يكون فى المضموم والمرفوع (3)
الوقف بالإبدال وأما الوقف بوجه الإبدال فيجرى فى شيئين اثنين:
الشيء الأول: ويشمل ثلاثة أنواع:
(1) الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الإمام نافع بشرح العلامة المارغنى ص 158 نظم الشيخ أبى الحسن سيدى على الرباطى المعروف بابن برى طبع بالمطبعة التونسية بسوق البلاط بتونس سنة 1354 هـ 1935 م.
(2)
الوافى فى شرح الشاطبية فى القراءات السبع ص 175 طبع مكتبة السوادى للتوزيع بالمدينة المنورة الثالثة 1411 هـ 1990 م للشيخ عبد الفتاح عبد الغنى القاضى.
(3)
الدرر اللوامع بشرح العلامة المارغنى ص 160.
الأول: التنوين فى الاسم المنصوب سواء رسمت الألف فيه أم لم ترسم نحو «وكيلا» فى قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (سورة الأحزاب آية 3، 48) ونحو «دعاء ونداء» فى قوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً (سورة البقرة آية 171).
الثانى: التنوين فى الاسم المقصور مطلقا سواء أكان مرفوعا أم مجرورا أم منصوبا نحو «عمى ومصفى وغزى» فى قوله تعالى:
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (سورة فصلت آية 44) وقوله تعالى: وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى (سورة محمد آية 15) وقوله تعالى: أَوْ كانُوا غُزًّى (سورة آل عمران آية 156).
الثالث: لفظ «إذا» المنون نحو قوله تعالى:
فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. فكل هذه الأنواع وما شاكلها يبدل فيها التنوين ألفا فى الوقف، ومثلها فى ذلك إبدال نون التوكيد الخفيفة بعد الفتح ألفا لدى الوقف فى موضعين اثنين فى التنزيل بالإجماع وهما قوله تعالى: وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (سورة يوسف آية 32)، وقوله تعالى:
لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (سورة العلق آية 15).
الشيء الثانى: تاء التأنيث المتصلة بالاسم المفرد كما فى قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (سورة النحل آية 125) فهذه التاء فى الأسماء الثلاثة تبدل هاء عند الوقف، فإن كانت منونة نحو قوله تعالى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ (سورة الشعراء آية 22) حذف التنوين وأبدلت هاء أيضا عند الوقف.
النقل وأما النقل: فيكون فيما آخره همزة بعد ساكن، فإنه يوقف عليه عند حمزة بنقل حركتها إليه، فيحرك بها ثم تحذف هى سواء كان الساكن صحيحا نحو:«دفء» ، فى قوله تعالى وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ (سورة النحل آية 5) أم ياء أو واو أصليتين سواء كانتا مدّ نحو «المسيء» ، «تبوء» فى قوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ (سورة غافر آية 58) وقوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (سورة المائدة آية 29) أو كانتا حرف لين نحو «سيئ» ، «سوء» فى قوله تعالى:
وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (سورة فاطر آية 43) وقوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (سورة الأنبياء آية 74).
الإدغام وأما الإدغام فيكون فيما آخره همز بعد ياء أو واو زائدتين فإنه يوقف عليه عند حمزة أيضا بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله نحو «برىء» ، «قروء» فى قوله تعالى:
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (سورة الأنعام آية 78)، وقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (آية 238 من سورة البقرة).
الحذف وأما الحذف فيكون فى الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلا ويحذفها وقفا، والياءات الزوائد هى التى لم ترسم.
الإثبات وأما الإثبات فيكون فى الياءات المحذوفات وصلا عند من يثبتها وقفا نحو «وال» ، «واق» ، «باق» .
الإلحاق وأما الإلحاق فيكون فيما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها فى «عم، فيم، بم، لم، مم» ، والنون المشددة من جمع الإناث نحو «هن» ، «ومثلهن» ، والنون
المفتوحة نحو «العالمين، والذين» ، والمشدد المبنى نحو «ألا تعلوا علىّ» ، «خلقت بيدىّ» (4).
علامات الوقف وضع العلماء فى المصاحف علامات لأنواع الوقف التى سبق الكلام عنها، وعلى كل من يقرأ فى المصحف الشريف ملاحظة هذه العلامات والعمل بمقتضاها، وهى فيما يلى:
1 -
الوقف اللازم: وعلامته «م» ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ (سورة الأنعام آية 36) فقد وضعت العلامة على قوله: «يسمعون» ومن هنا يلزم القارئ الوقف على «يسمعون» ثم ليبتدئ بعد ذلك بقوله:
2 -
الوقف الممنوع: وعلامته «لا» ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ (سورة النحل آية 32) فقد وضعت العلامة على قوله: «طيبين» ومن هنا يكون الوقف عليها ممنوعا، ويجب وصلها بما بعدها.
3 -
الوقف الجائز جوازا مستوى الطرفين: وعلامته «ج» ، ومثال ذلك ما جاء
(4) انظر الإتقان فى علوم القرآن 1/ 117، 118 طبعة الحلبى الرابعة 1398 هـ 1978 م للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطى.
فى قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (سورة الكهف آية 13)، فقد وضعت العلامة على قوله:«بالحق» ، ومن هنا يجوز الوقف عليه والابتداء بما بعده، ويجوز أيضا وصله بما بعده، فالوجهان جائزان جوازا مستوى الطرفين، ولا أفضلية لأحدهما على الآخر.
4 -
الوقف الجائز مع كون الوصل أولى:
وعلامته «صلى» ، ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة الأنعام آية 17) فقد وضعت العلامة على قوله: «فهو» ، ومن هنا فإن الوقف عليه والابتداء بما بعده جائز ولكن الوصل أولى وأحسن من الوقف.
5 -
الوقف الجائز مع كون الوقف أولى:
وعلامته «قلى» ، ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً (سورة الكهف آية 22)، فقد وضعت هذه العلامة على قوله «قليل» ، ومن هنا فإن الوقف على قوله «قليل» والابتداء بما بعده جائز، وأيضا وصله بما بعده جائز، ولكن الوقف أولى.
6 -
الوقف على أحد الموضعين دون الآخر: وعلامته (؟؟؟) وتسمى هذه العلامة: علامة تعانق الوقف بحيث إذا وقف على أحد الموضعين لا يصح الوقف على الآخر. ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (سورة البقرة آية 2) فقد وضعت هذه العلامة على قوله: «فيه» فإذا وقف القارئ على قوله:
«لا ريب» لا يصح أن يقف على «فيه» ، وكذلك أيضا إذا وقف على «فيه» لا يصح أن يقف على قوله:«لا ريب» (5).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(5) راجع علامات الوقف فى موضوع تعريف المصحف الشريف، طبعة الملك فهد بالسعودية ص ى.