الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيجاز
الإيجاز من أدق الأساليب وأكثرها حكمة، وأملئها بلاغة، وأوسعها خبرة، وأغزرها معنى، وهو شطر البلاغة، أو هو كل البلاغة كما يرى قوم من خبراء الأساليب، وصيارف الكلام.
ومعنى الإيجاز فى اللغة يدور حول الإقلال والاختصار من أوجز بمعنى اختصر، وأصله الإوجاز، سكنت الواو بعد كسر فقلبت ياء، والكلام الوجيز هو الخفيف، أو المختصر (1).
أما الإيجاز فى اصطلاح البلاغيين فيدور حول قلة الألفاظ مع كثرة المعانى، وكل تعريفاته فى علم المعانى تستهدف هذا الغرض.
فالإيجاز عند البلاغيين أحد أقسام الكلام الثلاثة وهى:
الإطناب بأنواعه، والمساواة، ثم الإيجاز، ولكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة مقام يقتضيه، وحال تستدعيه، وإيقاع كل قسم في مقامه هو البلاغة وليس من البلاغة الإيجاز فى مقام الإطناب، ولا الإطناب فى مقام الإيجاز، ولا هما فى مقام المساواة ولا المساواة فى مقام أحدهما.
ولذلك قال أبو هلال العسكرى:
إن الإيجاز والإطناب يحتاج إليهما فى جميع الكلام ولكل نوع منه، ولكل واحد منهما موضعه. فالحاجة إلى الإيجاز فى موضعه، كالحاجة إلى الإطناب فى مكانه. فمن أزال التدبير فى ذلك عن وجهته واستعمل الإطناب فى موضع الإيجاز، واستعمل الإيجاز فى موضع الإطناب أخطأ» (2).
وسماه الرمانى فقال:
«الإيجاز هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف» (3).
وتابعه ابن رشيق ولم يزد عليه (4).
وسماه ابن سنان الخفاجى ب «الإشارة» وعرّفه بقوله:
«هو أن يكون المعنى زائدا على اللفظ» (5).
وقال الرازى:
«الإيجاز العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من غير إخلال» (6).
وقال الزملكانى:
(1) معاجم اللغة، مادة: ووجز.
(2)
الصناعتين (190).
(3)
النكت فى إعجاز القرآن (70).
(4)
العمدة (1/ 250).
(5)
سر الفصاحة (243).
(6)
نهاية الإيجاز (145).
(7)
التبيان (110).
أما الخطيب القزوينى فقد عرف الإيجاز بقوله:
«تأدية المعنى الكثير فى لفظ قليل» (8).
هذه التعريفات كلها، وغيرها كثير، لم تخرج عما أجملناه من قبل من أن الإيجاز فى الكلام: هو الدلالة على المعانى الكثيرة بألفاظ أقل منها، بشرط عدم الإخلال فى تأدية المعنى المراد.
والإيجاز، لما يحمل من دقائق وأسرار، كثر وروده فى القرآن الكريم، كثرة مستفيضة، ولم تخل منه آية، أو سورة من آيات القرآن الكريم، حتى فى المواضع التى اصطلح على وسمها بالإطناب أو المساواة تشتمّ فيها رائحة الإيجاز، لذلك نرى بعض الدارسين المحدثين يذهب إلى أن القرآن كله إيجاز، يستوى فى ذلك مواضع إطنابه، ومواضع مساواته، وأن كل معنى مصور على سبيل القصد، غير مائل فيه إلى الإسراف (9).
وهذا نموذج توضيحى لفكرة الإيجاز فى كتاب الله العزيز وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (43) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (44) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ (10) هذه الآيات تحكى مشاهد من قصة يوسف عليه السلام فى مصر. وقد شاع الإيجاز فى مواطن فيها نكتفى بذكر ما يأتى منها:
* حذف (أرى) فى وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ حيث لم يقل: وأرى سبع سنبلات.
واكتفى بذكر «واو العطف» فيها.
* حذف كلمة سبع فى قوله وَأُخَرَ يابِساتٍ حيث لم يقل: وسبع أخر يابسات.
مع ملاحظة حذف الفعل «أرى» مع حذف (سبع).
* حذف المسند إليه (المبتدأ) فى قالُوا أَضْغاثُ والتقدير: قالوا هذه الرؤيا أضغاث أحلام، مع ملاحظة حذف جملة، الرؤيا مع حذف المسند إليه.
* حذف المتعلق بالفعل فَأَرْسِلُونِ والتقدير: أرسلونى إلى يوسف فى السجن وهو فتى عالم بتفسير الأحاديث.
* حذف إذن الملك وأعوانه له بالذهاب إلى يوسف عليه السلام والتقدير: فأذنوا له وأرسلوه إلى يوسف فى السجن.
(8) التلخيص (106).
(9)
هو الدكتور محمد عبد الله دراز فى النبأ العظيم (111).
(10)
يوسف (43 - 46).
* حذف الكلام الآتى:
فذهب إلى يوسف فى السجن، فاستأذن الحراس فى الدخول عليه، وأخبرهم بالمهمة التى أذن له فيها الملك وأعوانه فاستوثقوا من صدق ما قال فأذنوا له بالدخول على يوسف فدخل ثم قال ليوسف. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ
والذى يدل على هذا الكلام الكثير المحذوف هو طرفا الكلام المذكوران وهما:
فَأَرْسِلُونِ
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ
لأن بين هذين الطرفين تلازما طبيعيا فى الوجود الخارجى؛ لأنهم لو لم يأذنوا له ويرسلوه ما حدث قوله ليوسف عليه السلام.
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى