الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أجاب بأن المراد قارب الوفاة، والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفى وبعض الناس يقرؤها.
وقال أبو موسى الأشعرىّ: «نزلت ثم رفعت» .
وجعل الواحدى من هذا ما روى عن أبى بكر رضي الله عنه قال: «كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» . وفيه نظر.
وحكى القاضى أبو بكر فى «الانتصار» عن قوم إنكار هذا القسم؛ لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازى: نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم، ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه فى المصحف، فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التى ذكرها فى قوله:
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى الأعلى: 18 - 19.
ولا يعرف اليوم منها شىء، ثم لا يخلو ذلك من أن يكون فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم حتى إذا توفّى لا يكون متلوا فى القرآن؛ أو يموت وهو متلوّ موجود فى الرسم، ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم، وغير جائز نسخ شىء من القرآن بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم.
وقال السمرقندى فى «ميزان الأصول» (12):
(أما الجواز فإن نسخ التلاوة- هو صرف القلوب عن حفظ القرآن الدال على كلام الله تعالى- فجائز أن ينتهى الحكم لانتهاء المصلحة وتنسى التلاوة.
أما عين كلام الله تعالى: فلا يتصور عليه النسخ؛ فإنه قديم. قال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ الأعلى: 6.
ولكن هذا فى حال جواز النسخ، وهو حال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأما بعد وفاته- فلا؛ لأن الله- تعالى- أخبر أنه هو الحافظ لهذا القرآن بقوله:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ أى نحفظه منزلا لا يلحقه تغيير ولا تبديل؛ صيانة للدين الحق إلى آخر الدهر.
(8) وينقسم النسخ. أيضا. إلى قسمين: نسخ ببدل، ونسخ بغير بدل
.
أما القسم الأول: فلا خلاف فيه بين العلماء، وأمثلته كثيرة سيأتيك كثير منها إلى جانب ما قد مضى ذكره.
ومعناه: أن الشارع الحكيم إذا نسخ حكما أبدله بحكم أخف منه أو أثقل منه، أو مساو له؛ لحكمة نعلمها أو لا نعلمها.
(12) ج 2 ص 1008 - 1009.
أما النسخ إلى غير بدل فقد وقع فيه الخلاف بين الأصوليين، فمنهم من منعه، ومنهم من أجازه.
ومن المانعين له الشافعى رضي الله عنه، وهو أول من وضع علم الأصول على الراجح من أقوال المؤرخين.
فقد قال فى «الرسالة» (13): (وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض، كما نسخت قبلة بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة، وكل منسوخ فى كتاب وسنة هكذا).
ومن المجوزين له: الآمدى فهو يقرر فى كتاب «الإحكام» (14) أن مذهب الجميع جواز نسخ حكم الخطاب لا إلى بدل خلافا لمن شذ منهم.
واستدل على وقوعه بأدلة كثيرة، وضرب لذلك أمثلة من القرآن، منها:
(أ) قوله تعالى فى سورة المجادلة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ آية: 12.
ثم نسخ حكمها فى الآية التى بعدها، دون أن يأتى بتكليف آخر يحل محل التكليف الأول، وذلك فى قوله جل شأنه: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ آية: 13.
(ب) ونسخ الله الاعتداد بحول كامل فى حقّ المتوفّى عنها زوجها، بقوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة: 240.
وقد كانت أربعة أشهر وعشرا، كما فى قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً البقرة آية: 234.
(ج) ونسخ وجوب ثبات الرجل لعشرة فى القتال فقال: جل شأنه أولا: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الأنفال: 65.
ثم قال بعدها مباشرة: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.
إلى آخر ما قال.
(د) ونحن إذا نظرنا إلى خلاف العلماء حول النسخ إلى غير بدل وجدناه فى الحقيقة
(13) ص 328.
(14)
انتهى بتصرف وإيضاح من الإحكام فى أصول الأحكام ج 3 ص 195.