الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن المحو والإثبات فى الآية يتناول كل ما من شأنه أن يمحى، وكل ما من شأنه أن يثبت؛ فيدخل فيها نسخ الأحكام الجزئية فى شريعتنا بمقتضى هذا العموم.
لهذا جعلها كثير من العلماء من أدلة الجواز.
(4)[امور لا بدّ منه فى تحقيق النسخ]
(ولعلك تدرك مما سبق أنه لا بدّ فى تحقيق النسخ من أمور أربعة:
أولها: أن يكون المنسوخ حكما شرعيا.
ثانيها: أن يكون دليل رفع الحكم دليلا شرعيا.
ثالثها: أن يكون هذا الدليل الرافع متراخيا عن دليل الحكم الأول غير متصل به، كاتصال القيد بالمقيد والتأقيت بالمؤقت.
رابعها: أن يكون بين ذينك الدليلين تعارض حقيقى.
تلك أربعة لا بدّ منها لتحقق النسخ باتفاق جمهرة الباحثين، وثمة شروط اختلفوا فى شرطيتها: منها أن يكون ناسخ القرآن قرآنا وناسخ السنة سنة، ومنها كون النسخ مشتملا على بدل للحكم المنسوخ، ومنها كون الناسخ مقابلا للمنسوخ مقابلة الأمر للنهى والمضيّق للموسّع، ومنها كون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين، إلى غير ذلك مما يطول شرحه) (4) أه.
(5)[موقع النسخ]
ولا يقع النسخ إلا فى الأحكام الشرعية العملية الثابتة بالنص غير المؤقتة بوقت؛ لأنها تنتهى بوقتها المحدد لها، ولا فى الأحكام المنصوص على تأبيدها؛ لأن النسخ فيها يتناقض مع التأبيد بشرط أن يكون التأبيد منصوصا عليه.
ولا يلحق القواعد الكلية التى تندرج تحتها الفروع الجزئية؛ لأن هذه القواعد مقاييس تبنى عليها الأحكام.
ولا نسخ فى الأمور الاعتقادية المتعلقة بذات الله- تعالى- وصفاته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
ولا نسخ فى الأصول الأخلاقية؛ لأنها من الأمور المتفق عليها فى الشرائع السماوية.
ولا نسخ فى أصول العبادات والمعاملات؛ لأن الشرائع كلها لا تخلو منها وهى متفقة فيها.
ولا يدخل النسخ الخبر الصريح الذى ليس بمعنى الطلب، كالقصص والوعد والوعيد.
(6)[طرق معرفة الناسخ والمنسوخ]
والطرق التى يعرف بها الناسخ والمنسوخ كثيرة، ينبغى أن نعلم قبل أن نذكرها إجمالا أن النسخ يتضمن رفع حكم تقرر من جهة
(4) مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ/ محمد عبد العظيم الزرقانى ج 2 ص 76 ط عيسى الحلبى وشركائه.
الشارع وإثبات حكم، ومثل هذا لا يحل لمسلم أن يقول فيه إلا بيقين.
فمن قال فى شىء: إنه منسوخ؛ فقد أوجب ألا يطاع هذا الأمر الصادر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن نسقط طاعة أمرنا بها الله- تعالى- ورسوله إلا ببرهان.
وفى هذا يقول ابن الحصار: (إنما يرجع فى النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابى يقول: آية كذا نسخت كذا.
وقال: ولا يعتمد فى النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح.
ثم قال: والناس فى هذا بين طرفى نقيض؛ فمن قائل: لا يقبل فى النسخ أخبار الآحاد العدول، ومن متساهل يكتفى فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب: خلاف قولهما) (5).
وتوضيح ذلك: أنه لا سبيل إلى معرفة نسخ آية أو حديث بغير أحد وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: النص الصريح الصحيح بأن هذا الأمر ناسخ لكذا، أو أمر صريح بترك الأمر الأول.
مثاله: قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ البقرة: 143.
ثم قوله: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها.
فهذا دليل واضح على أن القبلة التى كانت قبل هذه منسوخة.
ومثل قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:187.
فهذا النص صريح فى نسخ النهى عن الوطء فى ليل رمضان على رأى من قال بالنسخ.
الوجه الثانى: إجماع الأمة بلا خلاف يعتد به على أن أمر كذا منسوخ.
ومن المعلوم أن الإجماع يستند دائما إلى دليل.
الوجه الثالث: تعارض الأدلة المتساوية تعارضا تاما مع معرفة الأمر المتقدم زمنا من المتأخر، وتفصيل المسألة: أن النصين إما أن يتعارضا من جميع الوجوه، أو من وجه دون وجه، فإن تعارضا من وجه دون وجه جمع بينهما. وإن تعارضا من جميع الوجوه فإن كان أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، أو كان أحدهما
(5) انظر الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ج 3 ص 81 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.