الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعانى، فالبيان، فالبديع، لإظهار أسرار الإعجاز البلاغى.
سابعا: ثم يبين المعنى المراد بعبارة سلسة بليغة، مطابقة للنص المفسّر، دون تزيد على معناه، أو إنقاص شىء من محتواه.
ثامنا: استنباط ما يمكن استنباطه، من أمور تتعلق بالعقيدة، أو بالأحكام الفقهية، أو البلاغية، أو غير ذلك، فى حدود القوانين الشرعية، والقواعد اللغوية.
مع ملاحظة أمرين فى غاية الأهمية:
أولهما: اجتناب كل ما يعتبر من قبيل الحشو، فلا يشحن تفسيره بمسائل الإعراب، وعلل النحو، ودلائل أصول الفقه، ودلائل مسائل الفقه، فكل ذلك مقرر فى تأليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلما به فى علم التفسير، دون استدلال عليه.
ثانيهما: التركيز على العنصر العملى فى القرآن، ببيان أن القرآن ليس كتاب تلاوة وثقافة فقط، ولكنه كتاب علم وعمل، فيجب على المسلمين أن يتحركوا به فى دنيا الواقع، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام- رضى الله عنهم أجمعين.
28 - طبقات المفسرين ومدارسهم:
لما أنزل الله- تعالى- القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بتبليغ ألفاظه، وتبيين ما احتاج الناس إلى بيانه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67]، وقال أيضا: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44].
فامتثل النبى صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، فبين لهم ما كان خافيا عليهم، وأزال عن قرآنه ما التبس منه، ففهم الصحابة قرآن ربهم وعملوا به، ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه ترك عبء الدعوة الإسلامية، وتبليغ كتاب الله- عز وجل وتبيينه على عاتق أصحابه الكرام، فكان هؤلاء الصحب عند حسن الظن بهم، فانتشروا فى البلاد شرقا وغربا، وأسسوا للناس مدارس، تعلمهم كتاب ربهم، وتفقههم فى أمور دينهم.
وقد اشتهر من بين هؤلاء الصحابة:
الخلفاء الراشدون الأربعة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبىّ بن كعب، وأبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن الزبير، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعائشة، وعبد الله ابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله.
ثم جاء بعد طبقة الصحابة طبقة التابعين الذين تتلمذوا على أيدى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هى إلا سنوات قلائل إلا وقد وجدنا
لجهد الصحابة الثمرة المرجوة منه، حيث لم يخلد هؤلاء الصحابة للراحة فى المدينة أو فى الأمصار المفتوحة، وإنما كانوا منارات علم وتعليم، فأسسوا المدارس من أجل إنشاء جيل صار خير الأجيال بلا منازع بعد جيل الصحابة- رضى الله عن الجميع.
وكان من أبرز تلك المدارس ثلاث مدارس، أثرت فى الحركة التفسيرية تأثيرا منقطع النظير، هذه المدارس هى:
(أ) مدرسة مكة: وكان أستاذها عبد الله ابن عباس، وكان أبرز طلابها: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة أبو عبد الله البربرى، وعطاء بن أبى رباح، وطاوس بن كيسان.
(ب) مدرسة الكوفة: وأستاذها عبد الله ابن مسعود، وكان من أبرز تلاميذ هذه المدرسة الذين صاروا أئمة فى التفسير:
علقمة بن قيس، وزر بن حبيش، ومسروق بن الأجدع، وعبيدة بن عمرو، وعبيد بن نضيلة، والأسود بن يزيد، وأبو عبد الرحمن السلمى، وعامر الشعبى، والحسن البصرى، وقتادة بن دعامة السّدوسى.
(ج) مدرسة المدينة: ومؤسسها وأستاذها أبىّ بن كعب، ومن أبرز تلاميذ هذه المدرسة الذين صاروا أئمة فى التفسير: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحى البصرى، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظى، وزيد بن أسلم.
ثم بعد هذه الطبقة جاءت طبقة أخرى اهتمت بجمع أقوال الصحابة والتابعين فى التفسير، وعلى رأس هذه الطبقة: سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، وآخرون.
ثم جاءت بعدها طبقة أخرى، وعلى رأسها: محمد بن جرير الطبرى، وابن أبى حاتم، وابن ماجة، والحاكم، وابن مردويه، وابن حبان، وابن المنذر، وهذه التفاسير كلها بالمأثور، ليس فيها غيره، إلا تفسير ابن جرير الطبرى، فإنه فى معظم الأحيان يتعرض لتوجيه الأقوال التى يذكرها ويرجح بعضها على بعض، كما يتعرض للمسائل الفقهية، وأصول الفقه والقراءات والإعراب وغير ذلك، مما جعل تفسيره فى غاية الأهمية لدى المشتغلين بالمأثور وبالرأى على حد سواء، وإن كانت الصبغة المأثورية هى الغالبة عليه.
وبعد هذه الطبقة التى كانت تهتم بذكر السند جاءت طبقة أخرى، أهملوا الإسناد، فالتبس الصحيح بالعليل، وتسلل الدخيل إلى التفسير.
إلى أن جاءت طبقة أخرى كان الواحد
منهم أشبه بحاطب ليل، ثم خطا المفسرون بعد ذلك خطوة متخصصة، أو قريبة منها، حيث رأينا الواحد منهم يصبغ تفسيره بالصبغة التى برع فيها، أو طغت عليه، فوجدنا بعضهم يهتم بالإعراب وقواعد النحو وفروعه، كما هو صنيع الزجاج، والواحدى، وأبى حيان، ووجدنا آخرين جعلوا كل همهم سرد القصص عن السابقين، بصرف النظر عن صحتها أو بطلانها، كما فعل الثعلبى، ووجدنا صنفا آخر صب اهتمامه على مسائل الفقه، وكأنه أراد بتفسيره أن يكون موسوعة فقهية، كما فعل القرطبى، كما رأينا صنفا آخر جعل العلوم العقلية والفلسفية بؤرة اهتمامه فى التفسير، كالفخر الرازى.
أما أصحاب البدع، كالمعتزلة والخوارج، فمتى لاحت لهم شاردة تخدم بدعتهم وخيّل لهم أن لها موضعا فى تفسير الآية سارعوا فى وضعها، كما فعل الزمخشرى فى كشافه، وكذلك فعل الملاحدة، كالباطنية فى تفاسيرهم.
ومع امتداد الزمان وتنوع العلوم، ووقوف العلماء على كثير من أسرار هذا الكون، ومع تعدد نظم الاجتماع والعمران، رأينا فى كل عصر طبقة تهتم بناحية أو أكثر من نواحى القرآن.
أ. د./ جمال مصطفى عبد الحميد عبد الوهاب النجار
مراجع الاستزادة: للاستزادة والتوسع فى موضوعات هذا المدخل يرجع إلى:
(1)
الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى.
(2)
الإسرائيليات فى التفسير والحديث للدكتور/ محمد الذهبى.
(3)
أصول الدخيل فى تفسير أى التنزيل، للدكتور/ جمال مصطفى النجار.
(4)
البرهان فى علوم القرآن للزركشى.
(5)
التفسير بالرأى، للدكتور/ جمال مصطفى النجار.
(6)
التفسير بالمأثور، للدكتور/ جمال مصطفى النجار.
(7)
التفسير والمفسرون، للدكتور/ محمد الذهبى.
(8)
الدخيل فى تفسير القرآن الكريم، للدكتور/ عبد الوهاب فائد.
(9)
دراسات فى مناهج المفسرين، للدكتور/ إبراهيم خليفة.
(10)
لمعة الاعتقاد، لابن قدامة.
(11)
مدخل إلى مناهج المفسرين، للدكتور/ محمد جبريل.
(12)
مقدمة فى أصول التفسير، لابن تيمية.
(13)
مناهل العرفان فى علوم القرآن، للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى.