الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى مقابل هذه الدلالة الصريحة على سببية النزول هناك من العبارات ما هو صريح فى التفسير، لا يحتمل السببية بوجه، كأن يقول الصحابى مثلا: المراد من هذه الآية كذا، أو تدل هذه الآية على كذا، أو يؤخذ منها كذا.
فهذه العبارات وأمثالها غير صريحة فى السببية.
مثال ذلك، ما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قول الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ السجدة/ 21.
الصيغة الثانية:
هى التى تكون العبارة فيها محتملة، فتصلح لأن يراد بها سبب النزول، كما تصلح أن يراد بها التفسير، كأن يقول الصحابى رضي الله عنه:«نزلت هذه الآية فى كذا» لكن لا ينبغى أن يفهم احتمال هذه العبارة للأمرين معا دفعة واحدة فى الموضع الواحد، بل المراد أنها إما أن يراد بها سبب النزول، أو يراد بها التفسير، فتارة يراد منها السبب، وتارة يراد منها بيان ما تشتمل عليه الآية، وعندئذ يتوقف فهم المراد منها على دليل أو قرينة توضح هذا المراد.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «قولهم:
نزلت هذه الآية فى كذا. يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل فى الآية وإن لم يكن السبب، كما تقول: عنى بهذه الآية كذا، وقد تنازع العلماء فى قول الصحابى:
نزلت هذه الآية فى كذا، هل يجرى مجرى المسند، كما لو ذكر السبب الذى أنزلت من أجله، أو يجرى مجرى التفسير منه الذى ليس بمسند؟ فالبخارى رحمه الله يدخله فى المسند، وغيره لا يدخله فى المسند، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا فى المسند» (18).
(16) الحديث أخرجه مسلم فى صحيحه: ك: الحيض، ب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء فى حجرها، وقراءة القرآن فيه، حديث/ 302 وأبو داود فى سننه: ك: النكاح، ب: إتيان الحائض ومباشرتها حديث/ 2165 لأبى داود.
(17)
تفسير القرآن العظيم: لأبى الفداء إسماعيل بن كثير، دار المعرفة- بيروت- 1403 هـ:(3/ 462).
(18)
مقدمة التفسير: ضمن (الفتاوى الكبرى) لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية (ت 728 هـ) طبع: 1404 هـ بإشراف الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين بالسعودية: (13/ 339).
ونعود إلى بيان القرينة التى تحدد المراد، فإذا ذكر الصحابى فى عبارته بعد حرف الجر (فى) شخصا أو حادثة، أو ما يماثل ذلك، كأن يقول: نزلت هذه الآية فى فلان، أو فى قوم مثلا، أو فى حادثة، كان المقصود بها ذكر سبب النزول. أما إذا ذكر بعد حرف الجر معنى تشتمل عليه الآية، أو حكما شرعيا مأخوذا منها، فالمقصود بعبارته التفسير فى هذه الحالة.
مثال ذلك، قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ المائدة/ 101.
فإنه إذا قيل: هذه الآية نزلت فى رجل (19) قال: يا رسول الله، من أبى؟ فقال: أبوك فلان. كان ذلك بيانا لسبب نزولها، وإذا قيل:
هذه الآية نزلت فى النهى عن كثرة مسائلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن السؤال عما لا يعنى ولا تدعو إليه الحاجة قد يكون سببا فى عنت السائل والمشقة عليه، كان ذلك تفسيرا لها وبيانا لما تشتمل عليه.
والظاهر غلبة استعمال هذه العبارة فى المعنى الثانى المراد به التفسير، ومن أجل ذلك يقول بدر الدين الزركشى رحمه الله تعالى:
وقد سبق ذكر ما قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى عن حكم هذا التفسير من جهة اعتباره مسندا أو غير مسند.
(19) إشارة إلى ما أخرجه البخارى فى صحيحه: ك: التفسير باب: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حديث/ 4622 ومسلم فى صحيحه: ك: الفضل، ب: توقيره صلى الله عليه وسلم حديث/ 2360 والترمذى فى سننه: ك: التفسير ب: ومن سورة المائدة حديث/ 3056 عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال: قال رجل: يا رسول الله من أبى؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ والرجل السائل فى هذه المناسبة صرحت به رواية مسلم، وهو: عبد الله بن حذافة السهمى القرشى، وتوفى بمصر فى خلافة عثمان رضى الله تعالى عنه.
(20)
البرهان فى علوم القرآن: لبدر الدين الزركشى، تقديم وتعليق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية ببيروت، ط أولى: 1408 - 1988 (1/ 56).