الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتواترة، وكان يعلّم وجوها أخرى غير متواترة، لا ليتعبّد بها، ولكن لتستفاد- ما دامت صحيحة السند- فإنها تتضمن لغة، أو تفسيرا، أو غير ذلك، كما سيأتى فى بيان أثر القراءات الشاذة. والرواة مميزون غاية التمييز بين المتواتر والشاذ، ولا يمكن أن يلتبس ما هو قرآن بغيره. وعلى هذا فلا نستغرب ولا يشكل علينا أن يوصف وجه بالشذوذ وهو ينسب إلى بعض العشرة، ولا أن يوصف وجه بالشذوذ ويحتج به فى التفسير أو غيره، فما هو إلا الشذوذ الذى يعنى الخروج عن المعمول به، المتواتر، وهذا لا يمنع الاستفادة به فى غير التلاوة التعبدية.
وهذه نماذج منه:
مَعايِشَ (الأعراف: 10) قرأها نافع معايش بالهمز.
بُشْراً (الأعراف: 57) قرئت بالباء وضمتين والتنوين فى وجه عن عاصم (78).
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ (الحاقة: 14) بتشديد الميم عن ابن عامر (79).
لا تُضَارَّ (البقرة: 233) بتشديد الراء مع تسكينها لأبى جعفر (80).
فمثل هذا يستفاد به فى غير التلاوة التعبدية إذا كان منقولا نقلا يرتضيه العلماء، ولا يتلى على أنه قرآن.
…
أنواع اختلاف القراءات العشر:
اختلاف القراءات العشر اختلاف تنوع وتغاير، لا اختلاف تضاد وتناقض، فإن هذا محال أن يكون فى كلام الله تعالى، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء: 82).
وأنواع اختلاف القراءات العشر ثلاثة:
- الأول: اختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى.
مثل قراءة الصِّراطَ (الفاتحة: 6) بالصاد، وقراءتها بالسين، فالمعنى واحد، واللفظ مختلف.
- الثانى: اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما فى شىء واحد، مثل قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة: 4) بالألف، وقراءتها بدون ألف، فالقراءتان مختلفتان فى اللفظ، ومعنى
الملك يختلف عن معنى المالك- كما هو واضح والمراد فى القراءتين هو الله تعالى، لأنه مالك يوم الدين، وملكه، فالاسمان والوصفان مجتمعان له تعالى.
- الثالث: اختلافهما جميعا مع امتناع
(78) انظر المحتسب 1/ 155.
(79)
انظر السابق 2/ 328.
(80)
انظر السابق 1/ 125.
جواز اجتماعهما فى شىء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضى التضاد، مثل: قراءة عَلِمْتَ بضم التاء للمتكلم، وقراءتها بفتحها للمخاطب، فاللفظ مختلف، والمعنى مختلف. ولا تناقض، فإن المتكلم يعلم، والمخاطب يعلم. وبيان ذلك أن قوله تعالى:
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ (الإسراء: 102) على القراءة بفتح التاء يعنى أن الله تعالى لما آتى موسى- عليه السلام تسع آيات بينات، وهى اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنون، ونقص الثمرات، ومع ذلك أصر فرعون على الكفر، قال له موسى: لقد علمت يا فرعون أن هذه الآيات ما أنزلها إلا الله تعالى للعبرة، ولكنك تعاند. ففرعون هو الذى أضيف إليه العلم فى هذه القراءة.
والمعنى على القراءة بالضم أن موسى- عليه السلام هو الذى أضيف إليه العلم، أضافه موسى إلى نفسه، وأخبر بعلمه بذلك، يعنى أن العالم بذلك ليس مسحورا أى مجنونا أو مخدوعا أو مغلوبا على عقله، فاختلفت القراءتان فى اللفظ وفى المعنى، ولم يمكن اجتماعهما فى شىء واحد، ومع ذلك لم يتضادا، لأنهما اجتمعا من وجه، وهو حصول العلم بالغرض من الآيات لكل من موسى عليه السلام، وفرعون- لعنه الله.
- وعلى هذا فليس فى شىء من القراءات تناف، ولا تضاد، ولا تناقض (81).
- وقد ينظر فى تنويع اختلاف القراءات- مع النظر إلى اللفظ والمعنى- إلى صورة الخط، والإثبات وعدمه، والتقديم والتأخير، فيخرج الناظر بهذه الطريقة بأنواع سبعة، وهى:
- الاختلاف فى الحركات، بلا تغير فى المعنى والصورة، مثل يَحْسَبُ (سورة الهمزة: 3 - وجميع النظائر) بفتح السين وكسرها.
- الاختلاف فى الحركات، مع التغير فى المعنى، وعدم التغير فى الصورة، مثل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (البقرة: 37) بضم ميم (آدم) وكسر تاء (كلمات)، وبفتح الميم، وضم التاء.
- الاختلاف فى الحروف مع التغير فى المعنى لا الصورة، مثل تَبْلُوا (يونس: 30)، وتتلوا.
- الاختلاف فى الحروف والتغير فى الصورة دون المعنى، مثل الصِّراطَ (الفاتحة: 6)، و (السراط) (وإن كانت صورة
(81) انظر النشر 1/ 49 - 51 وتفسير الجلالين مثلا 1/ 235 ط دار إحياء الكتب العربية 1342 هـ.