الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموصول لفظا المفصول معنى
أفرد السيوطى نوعا وذكر أنه جدير بالإفراد بالتصنيف، وبه تحصل فوائد وحل إشكالات، وحاصل هذا النوع فى أمرين:
أحدهما: أن يتبادر معنى لا يصلح أن يكون مرادا ويندفع الإشكال بحمله على آخر.
ثانيهما: أن يتوهم أن صاحب الكلام واحد فيندفع هذا التوهم ببيان قائله. والمعنى الجامع لهما هو: قطع آخر الكلام عن أوله لحكمة، ومن مثل الأمر الأول التى صدّر بها السيوطى بحثه قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها حتى قوله: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. فالحديث فى قصة آدم كما جاء التصريح
بذلك، أخرجه ابن أبى حاتم وغيره عن ابن عباس بسند صحيح، وعند أحمد والترمذى وحسنه، والحاكم وصححه من طريق الحسن عن سمرة مرفوعا.
ولكن آخر الآية مشكل لما فيه من نسبة الإشراك لآدم. وهناك من حمل الآية على غير آدم، وعلّل الحديث- أى جعله معلولا- وحكم بنكارته، وحاصل ما دفع به السيوطى الإشكال مستندا إلى قولى السدى وأبى مالك أن قوله تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ مفصول عما قبله وهو مختص بمشركى العرب.
ثم نقل السيوطى ثلاث روايات عند ابن أبى حاتم بهذا المعنى فاتضحت المعضلة.
ويوضح ذلك تحول الضمير من التثنية العائد لآدم وحواء فى قوله تعالى: آتاهُما إلى الجمع فى قوله تعالى: يُشْرِكُونَ.
وأرى أن الإشكال ما زال قائما لقوله تعالى:
جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما. ومن خير ما وقفت عليه فى تفسير هذه الآية ما قاله جمال الدين القاسمى فى تفسيرها حيث ذكر تنبيها: بأن هذه الآية سيقت لتوبيخ المشركين فى جنايتهم بالشرك، وذلك أن الله أنعم عليهم بالخلق، وجعل الزوج للسكينة، فتتدرج فى الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة، ثم أخذ المواثيق عليهم إن آتاهم ما يطلبون أن يشكروه ولا يكفروا. ونقل عن المفسرين أحاديث وآثارا تشير إلى أن المراد من القصة آدم وحواء، وحكم على هذه
الروايات بأنها واهية معللة، ونقل ذلك عن الحافظ ابن كثير، وقال: إنها من أقاصيص مسلمة أهل الكتاب. ثم بين ما ارتضاه فى تفسير الآية الذى قاله غير واحد، منهم الحسن وهو: أن المعنى به: ذرية آدم ومن أشرك بعدهم، ونقل تحسين ابن كثير لهذه الروايات عن الحسن، ونقل عن القفال أن القصة على جهة ضرب المثل، ونقل عن الناصر فى (الانتصاف) متعقبا على الزمخشرى: الأسلم أن يكون المراد جنس الذكر والأنثى، وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس، وإن كان فيهم موحدون من باب (بنو فلان قتلوا قتيلا) فالنسبة للبعض (1).
والحاصل: أنه إن أريد بالنفس الواحدة الأب وزوجها الأم بما يشمل كل أم وأب فلا إشكال. وإن أريد آدم وحواء فالوجه أن فى الكلام استخدام (2) - وهو محسن بديعى- بأن يعود الضمير فى (يسكن) على آدم وفى (إليها) إلى حواء، ثم يعود فى أول الضميرين فى (يغشاها) للذكر وثانيهما للأنثى. فينحل الإشكال بالكلية.
ثم إن السيوطى نقل مثلا لمثل ما قاله ولكنه لا يسلم فى سورة يوسف فى قول امرأة العزيز: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (3).
والصحيح الذى نذهب إليه: أن الجميع كلام امرأة العزيز، وإن كان الأكثرون على أن كلامها انتهى عند قوله: وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فليس فى الكلام وصل وفصل فى آية يوسف (4).
أ. د./ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(1) محاسن التأويل (ح 3 ص 678: 680).
(2)
انظر: التحرير والتنوير (ح 9 ص 210) فما بعدها.
(3)
سورة يوسف: 51: 53.
(4)
انظر: هذا النوع فى الإتقان (ح 1 ص 309: 312).