الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غريب القرآن
عرّف السعد التفتازانى فى شرحه «لتلخيص المفتاح» الغرابة بأنها: «كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال» ثم قال: «لا يقال الغرابة كما يفهم من كتبهم: الكلمة، غير مشهورة الاستعمال، وهما فى مقابلة المعتادة، وهى بحسب قوم دون قوم. والوحشية، هى المشتملة على تركيب ينفر الطبع منه وهى فى مقابلة العذبة، فالغريب يجوز أن يكون عذبا، فلا يحسن تفسيره بالوحشية، بل الوحشية قيد زائد لفصاحة المفرد، وإن أريد بالوحشية غير ما ذكرنا، فلا نسلم أن الغرابة بذلك المعنى تخل بالفصاحة، لأنا نقول هذا أيضا اصطلاح مذكور فى كتبهم، حيث قالوا:
الوحشى منسوب إلى الوحش الذى يسكن القفار استعيرت للألفاظ التى لم يؤنس استعمالها. والوحشى قسمان: غريب حسن، وغريب قبيح. فالغريب الحسن: هو الذى لا يعاب استعماله على العرب؛ لأنه لم يكن وحشيا عندهم، وذلك مثل: شرنبث واشمخر واقمطر. وهى فى النظم أحسن منها فى النثر، ومنه غريب القرآن والحديث. والغريب القبيح: يعاب استعماله مطلقا، ويسمى الوحشى الغليظ، وهو: أن يكون مع كونه غريب الاستعمال ثقيلا على السمع كريها على الذوق ويسمى المتوعر (1) أيضا» أه.
وقال عبد الحكيم السيالكوتي- رحمه الله تعقيبا على قول السعد: «فالغريب الحسن هو الذى لا يعاب استعماله على العرب. اعلم أن الألفاظ على ثلاثة أقسام: منها ما هى مستعملة مطلقا كالأرض والسماء، فلا يعاب استعماله على أحد، ومنها ما هى مستعملة فى العرب العرباء غير مستعملة فى غيرهم، فلا يعاب استعمالها عليهم ويعاب على غيرهم، ومنه غريب القرآن والحديث- ومنها ما هى غير مستعملة مطلقا، فيعاب استعمالها على الكل، فمنه ما هو كريه على الذوق والسمع كجحيش (2)، ومنه ما هو غير مكروه كتكأكأتم وافرنقعوا» (3)، وإليه أشار الشارح رحمه الله بقوله- فيما سيأتى فى وجه النظر- من أن الجرشى (4) إما من قبيل تكأكأتم أو جحيش، فعلم مما ذكرنا أن قوله:
والوحشى قسمان ليس المقصود منه الحصر بل مجرد إطلاق الغريب على الوحشى.
(1) ص 18 وقوله مثل: شرنبثا واشمخر واقمطر قال عبد الحكيم السيالكوتي فى حاشيته على المطول: أى غليظ الكفين والرجلين، ويراد به الأسد، والنون فيه زائدة بدليل شرابث واشمخر ارتفع واقمطر تفرق واشتد أو وفر واجتمع. ص 30.
(2)
هو كالفريد وزنا ومعنى وهو المتنحى عن الناس، قال أبو حنيفة ابن النعمان اللغوى: الجحيش: الفريد الذى لا يزحمه فى داره مزاحم يقال: نزل جحيشا، كما يقال: نزل حريدا فريدا. انظر: اللسان فى هذه المادة.
(3)
تكأكأتم أى اجتمعتم (وافرنقعوا) أى تفرقوا أو انصرفوا كما فى شرح السعد نفسه.
(4)
الجرشى- هى بكسر الجيم والراء وفتح الشين مع تشديدها بعدها ألف (النفس) كما أفاده السعد نفسه انظر المطول ص 19: وانظر:
القاموس واللسان فى هذه المادة.
ثم ذكر أن عدم الغرابة المعتبرة «هى عند العرب العاربة لا عند غيرهم، فلا تعتبر الغرابة عند غيرهم وجودا ولا عدما (5)»
إذن الغريب قسمان:
(1)
قبيح غير مأنوس الاستعمال لدى جمهور العرب العاربة، وهو عيب يخل بالفصاحة، ولذا لا يشتمل القرآن على شىء منه؛ لأنه إن وجد جرّ لنسبة الجهل أو العجز له سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، كما يقول السعد فى شرحه «لمختصر التلخيص» (6) قلت:«أو السفه والعبث؛ لأنه- سبحانه وتعالى إن لم يعلم بعدم فصاحة الكلمة لزم نسبة الجهل إليه، وإن علم فلم يستطع وضع الفصيح لزم العجز، أو استطاع ولم يضع، لزم العبث بتعريض القرآن لما يسقط حجيته، ونبيه لما يذهب نبوته؛ ولذا لا شىء منه فى كلام الله- سبحانه وتعالى ولا كلام نبيه صلى الله عليه وسلم.»
(2)
حسن مأنوس لدى جمهور العرب الخلّص، وإن غمض على من سواهم بقدر ما يجهلون من مدلول اللغة، أما العرب لا يتصور فى حقهم الجهل بهذا القسم، وإلا صار كالأول وللزمت منه مفسدة فوق ما ذكرنا، وهى التناقض بأن نجعله عند العرب حسنا مأنوس الاستعمال، ونجعله كذلك عندهم قبيحا مهجور الاستعمال، وكذلك يستلزم اختلال القسمة؛ لأن المقسوم ليس أعم من أقسامه، بل القسم الواحد هو عين مقسومة وهو عين القسم الآخر فالغريب ليس أعم من القبيح بل هو عين القبيح، والقبيح هو عين الحسن فليس هناك قسمة.
والذى دفعنا لهذا التفصيل هو غفلة بعض أصحاب الرواية عنه، وهم الذين يشترطون لصحة الحديث خلوه من الشذوذ والعلة، ومع ذلك ينقلون عن جماهير الصحابة أنهم كانوا- وهم العرب الخلص- يجهلون مدلول اللغة، وهذا يستلزم جميع المعانى السابق ذكرها، ودفعهم إلى ذلك حرفيتهم فى اتباع صحة السند ما رواه أبو عبيد القاسم وابن سعد عن أبى بكر الصديق وعمر- رضى الله عنهما- فى عدم معرفة (الأب) فى قوله تعالى:
وَفاكِهَةً وَأَبًّا، وإن كان ابن كثير أعلّ الأثر المروى عن أبى بكر بالانقطاع؛ لعدم إدراك إبراهيم التيمى- الراوى عن أبى بكر- أبا بكر الصديق، ولكنه لعله رفعه لدرجة الحسن بالأثرين الشاهدين له عن عمر رضي الله عنه، وتكلف ابن كثير فى تأويل الأثر بأن عمر رضي الله عنه أراد استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتا فى الأرض معلوم لقوله تعالى: فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وكان يكفى الحافظ إعلال متن الأثر بما سبق أن ذكرنا من علة متمثلة فى المفاسد السابقة.
(5) انظر: المصدر نفسه.
(6)
انظر: شروح التلخيص (ص 82) من أعلى.
أسباب أخرى لغرابة هذا القسم الحسن لدى العرب الخلص: قدمنا بأن جهل العرب الخلص بمدلول القسم الحسن من الغريب غير مقصود؛ لذا فهناك أسباب أخرى غير الجهل منها:
(أ) تعنت مشركى قريش وتجاهلهم فى فهم الواضحات تلبيسا على القرآن والنبى صلى الله عليه وسلم كسؤالهم عن الرحمن فيما أورده القرآن فى قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (7). وقد بيّن أبو حيان فى «تفسيره» أنهم استفهموا عن (الرحمن) وهم عالمون به (8). وذلك كما صنع فرعون حيث جحد الحقيقة عند ما سأل عن رب العالمين وهو يعلم حقيقة الأمر وحقيقة الإطلاق والاستعمال.
وما استظهره أبو حيان هو عين ما استظهره الآلوسي وهو الحق الذى لا ريب فيه.
فهم يعلمون من الاشتقاق أن هذا الاسم مشتق من صفة الرحمة للدلالة على المبالغة فيها.
(ب) واستهداف المشركين إظهار القرآن فى مظهر السابق المتهافت والعابث اللاهى، ويظهر هذا بوضوح عند تشبيههم على شجرة الزقوم وهم يقولون: النار تأكل الشجر فكيف تنبت فيه شجرة. وقال آخر: ما الزقوم إلا التمر بالزبد وأنا أتزقمه فردّ عليه القرآن بقوله تعالى: أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (9)
وقد ذكر البغوىّ فى تفسير هذه الآيات أن ابن الزبعرى قال لصناديد قريش: إن محمدا يخوفنا بالزقوم؛ فجمعهم أبو جهل فى بيته وقال لجارية: زقمينا، فأتتهم بالزبد والتمر فقال: تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمدا فقال تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (10).
وغير ذلك من النماذج من هذا النمط الخبيث، من نحو سخريتهم من عدد التسعة عشر لخزنة النار، على ما جاء فى سورة المدثر، وحمل اليهود استقراض الله خلقه على حقيقته لا على مجازه أو الاستعارة التمثيلية حتى قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ، واستشكال نصارى نجران من أخوّة
(7) سورة الفرقان آية (60).
(8)
البحر المحيط (ج 6 ص 509).
(9)
سورة الصافات آيات (62 - 68).
(10)
تفسير البغوى المسمى بمعالم التنزيل، بهامش تفسير الخازن المسمى ب (لباب التأويل فى معانى التنزيل)(ج 6 ص 23) وما بعدها.
مريم لهارون، وهى أخت موسى- عليهما السلام فكان القرآن يرد بحسم على تشبيهاتهم وسفههم. وكذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم عند ما ردّ على نصارى نجران بأنهم كانوا يسمون بأنبيائهم وصالحيهم (11).
(ج) الفهم الخاطئ عن حسن قصد لبعض نصوص التنزيل؛ بسبب النقص فى أدوات الاجتهاد الأخرى، مما يدفع للتسرع والعجل، وقد وقعت نماذج من ذلك من الصحابة رضى الله عنهم، وكأنه- سبحانه- أراد أن ينبه على وجود التزام أقصى غايات الاحتياط وبذل الجهد فى فهم الكتاب العزيز؛ لأن الصحابة الذين شهدوا منازل الوحى يقع منهم مثل هذا، فعلى الجميع أن يتحروا التقوى وبذل أقصى الجهد فى فهم الكتاب، وسنعرض نموذجين فقط من هذه النماذج وهما:
(1)
ما وقع فى فهم بعض الصحابة لقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، فالمجاز المشهور الذى يكاد يلحق بالحقيقة، أن المقصود بالخيط الأبيض بياض النهار، والخيط الأسود سواد الليل، ثم نزل البيان المانع من حمل معنى الخيطين على الحقيقة، وهو قوله- تعالى-: مِنَ الْفَجْرِ ولكن بعض الصحابة حملوا المعنى على الحقيقة فجاء بخيطين: أبيض وأسود، وربطهما في قدميه، وظل يأكل حتى يتبين كل واحد من الآخر، حتى نزل البيان بقوله: مِنَ الْفَجْرِ هكذا فى رواية البخارى (12) التى نقلها الحافظ ابن كثير فى تفسيره، ثم ذكر روايات أخرى فقال:
«وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام أخبرنا حصين عن الشعبى أخبرنى عدى بن حاتم قال لما نزلت هذا الآية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عمدت إلى عقالين: أحدهما أسود، والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتى. قال:
فجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لى الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذى صنعت فقال:
إن وسادك إذا لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل». أخرجاه فى الصحيحين (13) من غير وجه عن عدى.
ويعنى قوله: «إن وسادك إذا لعريض أى:
إن كان ليسع الخيطين الأسود والأبيض المراد بهذه الآية تحته، فيقتضى أن يكون بعرض المشرق والمغرب.
وهكذا وقع فى رواية البخارى (14) مفسرا بهذا: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو
(11) أخرجه مسلم (كتاب الآداب- باب النهى عن التكنى بأبى القاسم
…
)، والترمذى (كتاب التفسير- باب من سورة مريم) وقال:(حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس).
(12)
صحيح البخارى (كتاب التفسير- سورة البقرة باب (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) .. إلخ).
(13)
انظر نفس المصدر السابق، وصحيح مسلم كتاب الصيام باب بيان أن الدخول فى الصوم يحصل بطلوع الفجر
…
إلخ).
(14)
نفس الموضع من الجامع الصحيح.
عوانة عن حصين عن الشعبى عن عدى قال:
أخذ عدى عقالا أبيض وعقالا أسود حتى إذا كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادتى
…
قال: «إن وسادك إذا لعريض، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك» .
وجاء فى بعض الألفاظ «إنك لعريض القفا» . ففسره بعضهم بالبلادة. وهو ضعيف، بل إذا صح فإنه يرجع إلى هذا؛ لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضا عريض. والله أعلم.
ويفسره رواية البخارى (15) أيضا: حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبى عن عدى بن حاتم قال: قلت يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال «إنك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين، ثم قال لا بل هو سواد الليل وبياض النهار» . انتهى المقصود منه (16).
(2)
النموذج الثانى: ما وقع من بعض الصحابة فى فهم قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (17) فقد فهمت عائشة- رضى الله عنها- أن المنة والنعمة من الله فى تخفيف الحساب، فوقع عندها تعارض بين معنى الآية وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من نوقش الحساب عذّب» . فبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الصواب. والقصة كما أخرجها البخارى ومسلم والترمذى وأبو داود من حديث ابن أبى مليكة قال: إن عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وإن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«من نوقش الحساب عذب» . فقالت: أليس يقول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً، فقال:«إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك» . وفى رواية: «وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب» . وفى أخرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد يحاسب إلا هلك» . قلت: يا رسول الله، جعلنى الله فداك، أليس الله تعالى يقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ذلك العرض تعرضون، ومن نوقش الحساب هلك» (18) إلى غير ذلك من نماذج هذا اللون الواقعة فى عهده صلى الله عليه وسلم وهى أفراد قليلة على أية حال.
(د) أن يقع عام يراد به الخصوص، أو يخصص بما يقع به البيان من كتاب أو سنة فلا يعلم المراد إلا بذلك البيان.
(هـ) أن يقع مطلق فيقع تقييده من بيان القرآن أو السنة فيحتاجون لمعرفة البيان.
(و) أن يقع مجمل يبينه الكتاب أو السنة كذلك فيتوقف فهم المراد على هذا البيان.
(15) نفس الموضع.
(16)
تفسير ابن كثير ج 1 ص 221.
(17)
سورة الانشقاق آية (7 - 9).
(18)
رواه البخارى (1/ 176) فى كتاب العلم- باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه
…
)، ومسلم فى (الرقاق- باب من نوقش الحساب عذب)(رقم 2876)، وأبو داود (رقم 3093) فى الجنائز (باب عيادة النساء)، والترمذى (رقم 2428)، فى (صفة القيامة- باب من نوقش الحساب عذب) انظر جامع الأصول (ج 10 ص 432) وما بعدها.
(ز) أن يأتى مبهم من مبهمات القرآن وقع بيانها فى الكتاب أو السنة، كتفسير لفظ:
(خليفة) فى قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فجاء البيان فى القرآن بأنه (آدم) عليه السلام، وكذلك (العبد الصالح) فى آية الكهف: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، فجاء البيان فى السنة فى حديث البخارى الطويل بأنه الخضر عليه السلام.
(ح) تبادر أن للمنطوق مفهوما ثم يبين صاحب الشريعة أنه لا مفهوم له- كما فى حديث آية قصر الصلاة فى السفر: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فإن قيد إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لا مفهوم له، بيّن لهم ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال:
«صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته» (19) وذلك جواب على استفسار بعض الصحابة الذين أشكل عليهم فهم الآية؛ لأن القيد هنا خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب أسفارهم كانت مخوفة. وكذلك خرج القيد مخرج الغالب فى قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً وقوله تعالى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ.
(ط) أن تراد الحقيقة الشرعية (عند القائلين بوقوعها) وهى دون الحقيقة اللغوية فيحتاجون للبيان من الشارع.
فهذه تسعة أسباب لوقوع هذا القسم من الغريب للعرب الخلص من الصحابة، ثم امتنعت خطوات الحديث عن الغريب بعد عصر النبوة، وفى عصر الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم، وكلما طال الزمان على الناس، احتاجوا إلى البيان وإلى المزيد منه، ثم اتسعت الدولة الإسلامية وظهر المولدون وذهب العرب الخلص، فصار الاحتياج إلى ما كان ظاهرا بينا، حتى سرى إلى كثير من العامة وإلى بعض الخاصة، فصنفت كتب النحو والصرف والبلاغة والمعاجم وفقه اللغة، وأفردت المصنفات فى غريب القرآن، وبيان أن اللفظ لا تتوقف معرفته على معرفة حقيقته؛ لأن حمله على الحقيقة اللغوية قد يسبب مفاسد عظيمة فى فهم النص الشرعى، وأوضح من دلل على فائدة معرفة معانى مفردات غريب القرآن الراغب الأصفهانى فى مقدمة كتابه «المفردات» ، فقد بيّن أن أول درجات الوصول لمعانى القرآن فهم مفرداته، بل هى أول درجات إتقان العلوم المختلفة؛ لأن ألفاظ القرآن هى لب كلام العرب، وذكر أنه فى كتابه سيبين الألفاظ القرآنية ويبين مناسبتها لسياقها والاشتقاقات وكذلك الألفاظ المستعارات منها (20).
(19) الحديث أخرجه البخارى ومسلم وأصحاب السنن.
(20)
مقدمة المفردات: (ص. د، هـ).
وقال السيوطى فى «الإتقان» : «أفرده (يعنى بيان الغريب) بالتصنيف خلائق لا يحصون منهم: أبو عبيدة، وأبو عمر الزاهد، وابن دريد، ومن أشهرها (كتاب العزيزى)؛ فقد أقام فى تأليفه خمس عشرة سنة، يحرره هو وشيخه أبو بكر بن الأنبارى، ومن أحسنها (المفردات) للراغب، ولأبى حيان فى ذلك تأليف مختصر فى كراسين. قال ابن الصلاح: وحيث رأيت فى كتب التفسير:
(قال أهل المعانى)، فالمراد به مصنفو الكتب فى معانى القرآن، كالزجاج، والفراء، والأخفش، وابن الأنبارى». انتهى.
وينبغى الاعتناء به، فقد أخرج البيهقى من حديث أبى هريرة مرفوعا:«أعربوا القرآن، والتمسوا غرائبه» ، وأخرج من حديث ابن عمر مرفوعا:«من قرأ القرآن فأعربه كان له بكل حرف عشرون حسنة، ومن قرأه بغير إعراب كان له بكل حرف عشر حسنات» .
المراد بإعرابه معرفة معانى ألفاظه، وليس المراد به الإعراب المصطلح عليه عند النحاة، وهو ما يقابل اللحن؛ لأن القراءة مع فقده ليست قراءة، ولا ثواب فيها. وعلى الخائض فى ذلك التثبت، والرجوع إلى كتب أهل الفن وعدم الخوض بالظن (21) أه.
وقد قام مجمع اللغة العربية بمصر بتصنيف مصنف نفيس فى هذا الباب باسم (معجم ألفاظ القرآن الكريم) استفاد واضعوه من جميع كتب التفسير.
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(21) الإتقان فى علوم القرآن: (ج 2 ص 3).
مصادر ومراجع للاستزادة والبحث فى:
(1)
الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى.
(2)
البحر المحيط، لأبى حيان، ط 1 دار الفكر، بيروت.
(3)
البرهان فى علوم القرآن، للزركشى.
(4)
التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان، للشيخ ظاهر الجزائرى، تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الفتاح أبو غدة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.
(5)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.
(6)
جامع الترمذى.
(7)
الجامع الصحيح للبخارى.
(8)
حاشية السيالكوتي على المطول، ج 1، استنبول.
(9)
الرسالة، للإمام الشافعى، تحقيق وشرح الأستاذ أحمد شاكر.
(10)
روح المعانى، للآلوسى.
(11)
الصاحبى فى فقه اللغة، لابن فارس.
(12)
صحيح مسلم.
(13)
مختصر السعد التفتازانى ضمن شروح التلخيص ط/ عيسى الحلبى.
(14)
المطول فى شرح تلخيص المفتاح له، ج 1 بهمن بقم- نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشى النجف بقم- إيران.
(15)
معالم التنزيل للبغوى بهامش تفسير الخازن المسمى لباب التأويل فى معانى التنزيل ج 1 مصطفى الحلبى.
(16)
المفردات فى غريب القرآن، للراغب الأصبهانى ط 1 مصطفى الحلبى.