الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجس، أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حد من الحدود، أو قسوة أو خزى أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله ومحاربته، أو لاستهزائه أو سخريته، أو جعله الله سببا لنسيانه فاعله، أو وصفه نفسه بالصبر عليه أو بالحلم، أو بالصفح عنه، أو دعاء إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى عمل الشيطان أو تزيينه، أو تولى الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلما أو بغيا أو عدوانا أو إثما أو مرضا، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نهوا عن الأسى والحزن عليه، أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا، أو رتب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعله بأنه عدو لله، أو بأن الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمّل فاعله إثما، أو قيل فيه:
لا ينبغى هذا أو لا يكون، أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضاده أو بهجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه فى الآخرة أو تبرأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله فى شىء أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل: هل أنت منته، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعادا أو طردا أو لفظة «قتل من فعله» أو «قاتله الله» ، أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه ولا يزكيه، ولا يصلح عمله ولا يهدى كيده أو لا يفلح، أو قيض له الشيطان، أو جعل سببا لإزاغة قلب فاعله، أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل. فهو دليل على المنع من الفعل ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة. وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ونفى الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما فى الأعيان من المنافع ومن السكوت عن التحريم ومن الإنكار على من حرم الشيء مع الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والإخبار عن فعل من قبلنا من غير ذم لهم عليه، فإن اقترن بإخباره مدح دل على مشروعيته وجوبا أو استحبابا). انتهى كلام الشيخ عز الدين (9).
الأحكام الشرعية بين القطعية والظنية:
إن الأحكام الشرعية منها ما هو قطعى ومنها ما هو ظنى. فالقطعى قسمان: قسم يكفر جاحده وهو المعلوم من الدين بالضرورة؛ كوجوب الصلاة والزكاة وحرمة الزنا. وقسم
(9) الإتقان فى علوم القرآن: (ج 4 ص 40 - 43).
لا يكفر جاحده، وتتحقق القطعية فيه بأحد أمرين: بالإجماع، ويكون لا سند له غيره كإجماعهم على أن الرق من موانع الإرث، ولم يكفر جاحده للاختلاف الشديد فى مسائل الإجماع (وقوعه- وجوازه)، أو بالتواتر عند قوم وعدمه عند آخرين كالبسملة آية من أول كل سورة.
والظنى: وهو كل حكم دلّ عليه الظنى الثبوت أو الدلالة، وهو كثير جدا فى الفروع، وله أثر عظيم فى اجتهاد الأمة، ومن فوائده العظيمة:
1 -
تحقيق رحمة الأمة بتوسيع الأمر على أفرادها من خلال الفقهاء، حتى يأخذ كل فرد ما يلائمه، ما لم يكن بلغ درجة الاجتهاد.
وقد عنى عدد من العلماء بهذه الفائدة فصنف فيها أبو عبد الله الدمشقى (رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة)، والشيخ عبد الوهاب الشعرانى (الميزان الكبرى).
2 -
ما قدمه علماء الأمة من مسائل فقهية فرضية تفيد بشدة فى واقعنا المعاصر سواء بأحكام أم بطرق معالجة الفقهاء فيها لعملية استنباط الأحكام. والله أعلم.
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
مصادر البحث والاستزادة فى الموضوع
(1)
الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى.
(2)
البرهان فى علوم القرآن للزركشى.
(3)
الجامع الصحيح للبخارى.
(4)
جمع الجوامع لابن السبكى.
(5)
حاشية الشيخ بخيت المطيعى على نهاية السول للأسنوى، ط السلفية.
(6)
شرح الكوكب المنير لابن النجار تحقيق الدكتور محمد الزحيلى والدكتور نزيه حماد، مكتبة العبيكان الرياض السعودية.
(7)
مختصر ابن الحاجب.
(8)
منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى.
(9)
الموافقات لأبى اسحاق الشاطبى، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الطبعة الأولى، نشر دار ابن عفان، الخبر، العقربية، السعودية.
قصص القرآن
القصص: مصدر كالقص أو اسم مصدر منه. وقصّ فلان الشيء- من باب قتل- إذا تتبع أثره، وفى التنزيل: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ (1)، وخرج فلان فى إثر فلان قصصا ومنه:
فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً
(2)
، وقصّ الخبر: حدث به على وجهه، والقصة- بالكسر- الشأن والأمر، ولم يأت فى القرآن لفظ القصة ولكن أتى لفظ (القصص): إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (3)، وسواء كان هذا اللفظ مصدرا أو اسم مصدر فهو بمعنى المفعول أى: الخبر المقصوص المحدّث به على وجهه. وقد أخطأ بعض الباحثين عند ما يطلبون فى القصص القرآنى أن يستكمل أركان القصة بالمعنى المحدث التى هى مستمدة من الخيال ومبنية على قواعد فنون الكتابة (4)؛ وذلك لأنهم لم يفرقوا بين القصة بمعنى الحكاية والقصة بمعنى الخبر المحدث به على وجهه، والثانى هو المراد فى القصص القرآنى؛ لأن الأشخاص والزمان والمكان ليست بالضرورة أركانا للخبر المحدث به، فقد يبهم المكان والزمان كما فى قوله تعالى:
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (5)، وقد يبهم الزمان كما فى قوله تعالى: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (6)، وقد يبهم الشخص أو الأشخاص كما فى قوله تعالى: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (7)، فالذى يجب وجوده فى القصص القرآنى هو الحدث والعبرة، أما بقية عناصر القصة المحدثة فإنما توجد بحسب الحاجة إليها وأهميتها فى القصة (الخبر)، فلو كان للشخصية مدخل كبير فى الحدث فإنها تذكر كمريم- عليها السلام فى قصتها، والهدهد فى قصة سبأ، وكثيرا ما تأتى الشخصية بصورة التنكير كما فى قصة النملة، لأن الحدث مبناه منطق النملة وسماع سليمان عليه السلام لها. وقد يهتم بإبراز الزمان كما فى قصة أهل الكهف فى قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (8) وكذلك فى قوله تعالى:
فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ (9) فالزمان المذكور إنما يذكر بمقدار ما يحتاجه الحدث.
(1) سورة القصص (11).
(2)
سورة الكهف: (64).
(3)
سورة آل عمران (62).
(4)
انظر: تاج العروس واللسان والمصباح المنير والمعجم الوسيط فى هذه المادة.
(5)
سورة يوسف (16).
(6)
سورة يوسف (99).
(7)
سورة القلم (17).
(8)
سورة الكهف (25).
(9)
سورة البقرة (259).
وكذلك المكان كمصر والأحقاف والكهف، وهذه تعدّ الميزة الأولى فى القصص القرآنى التى تميزه عن سائر القصص.
أما الميزة الثانية للقصص القرآنى فهى الواقعية الصادقة الحقة، فليس فيه شىء من نسج الخيال والأساطير، أو ما يكذبه الواقع أو التاريخ، وسواء فى هذا الصدق ما جاء لضرب المثل أو لم يكن كذلك، وإن جوّز بعض علمائنا التقدير فى الأول فى المثل مع احتمال التحقيق، منهم: العلامة أبو السعود العمادى فى قصة القرية الآمنة فى سورة النحل (10) وفى قصة الرجلين (11)، ولكن هذا لا يصح، فإن مجرد القراءة بدون تأمل تكشف زيف احتمال التقدير فى القصتين. ولكنّ العلامة أبا السعود لم يكن يعلم أن خبث الطوية سيدفع بعضهم إلى ادعاء تبنى الإسلام للأساطير متبعين فى ذلك خطوات أعداء الإسلام.
وثالثة هذه الميزات تغيى القرآن فى قصصه أسمى الغايات، فلا يستهدف كغيره من القصص الترويح ولا الإيناس حتى ولو طلب بعض أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم ذلك منه، فيردهم القرآن عن ذلك بقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (12). وكذلك عند ما قالوا له صلى الله عليه وسلم: لولا حدثتنا. فنزل قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً (13) ورويت روايات أخرى فى سبب نزول الآية- مع التسليم بفرض صحتها- نجد أن الصحابة إنما سألت ذلك لدفع الملال، فدلهم- سبحانه- على أحسن القصص.
وكذلك لا يقصد القصص القرآنى سرد الأحداث التاريخية لمجرد ذكر التاريخ أو المساهمة فى دراسات العمران البشرى، بل يقصد ما هو أسمى، وهو وضع المعيار لما يجب أن يكون وكيف تكون عاقبة من يخالفه.
ولقد استوفى صاحب «التحرير والتنوير» المزيد مما ذكرنا من ميزات القصص القرآنى، فقد ذكر أن القصص القرآنى لا تقف أهدافه عند العبرة والعظة مما يقع لأهل الصلاح وأهل الفساد وعاقبة كل، بل يتعدى ذلك ليأخذ من كل قصة أشرفها وأسماها ليكون منزها عن التفكه؛ ولذا تأتى القصص متفرقة على غير سنن كتب التاريخ لمناسبة الفوائد العظيمة في كل موضع، وهذا يجعل القصة القرآنية تكتسب صفتين هما: صفة البرهان، وصفة البيان.
وذكر من ميزات القصص القرآنى نسجه على أسلوب الإيجاز يجعله شبيها بالتذكير أقوى، مثال ذلك قوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (14) فجاء قوله لهم موجزا ليناسب مقام التذكير.
(10) انظر: تفسيره (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) أول آيات هذه القصة (ج 5 ص 144).
(11)
السابق نفسه فى أولى آيات هذه القصة (ص 221).
(12)
سورة يوسف (3).
(13)
سورة الزمر (23).
(14)
سورة القلم (26 - 28).
ومن ميزاته أيضا التى ذكرها: طىّ ما يقتضيه الكلام الوارد فى قوله تعالى:
وَاسْتَبَقَا الْبابَ (15) فقد طوى حضور سيدها وطرقه للباب وإسراعهما إليه لفتحه.
ومن ميزاته أيضا: أنه- القصص- مثبت بأسلوب بديع إذ ساقها فى مظان الإيقاظ مع المحافظة على الغرض الأصلى من تشريع، فتوفرت فى ذلك عشر فوائد:
الأولى: كانت غاية علم أهل الكتاب نقل أخبار الأولين، فلما جاء القرآن بقصصه متحديا ومعجزا لهم؛ لأن هذه الأخبار كان لا يعلمها إلا الراسخون فى العلم منهم فقال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا (16) فنفى عن المسلمين صفة الأمية التى ادعتها اليهود، وصفة الجهل التى ادعتها النصارى.
الثانية: تكليل هامة التشريع الإسلامى بذكر تاريخ المتشرعين وذلك من أدب الشريعة؛ لأنه لا يتعرض لقصص السابقين إلا لذكر ثبات إيمانهم وصبرهم، كما ذكر فى قصة أهل الكهف، ولا يذكر نسبهم ولا حسبهم.
الثالثة: فائدة ظهور المثل العليا فى الفضيلة وزكاء النفوس كفائدة من التاريخ وترتب الأحداث والعلاقة بين التعمير والتخريب والشر والخير.
الرابعة: عظة المشركين بإعلام ما حدث لأسلافهم ليعودوا لربهم فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (17).
الخامسة: استخدام القصص القرآنى لأسلوب التوصيف والمحاورة الذى لم يعتده العرب، فهم يعترفون بأنه أسلوب بديع، ولكنهم لا يستطيعون الإتيان بمثله.
السادسة: توسيع علم العرب الذين كانوا يتصفون بالجهل والأمية باطلاعهم على أحوال الأمم السابقة ليساعدهم ذلك فى تطهير أخلاقهم وتهذيبها.
السابعة: تعويد المسلمين على سعة العالم وعظمة الأمم، والاعتراف لكل ذى حق بحقه؛ فإذا علمت الأمة ذلك جمعت ميزات هذه الأمم وما يلائم حياتها.
الثامنة: إنشاء همة السعى إلى سيادة العالم فى نفوس المسلمين كما سعى إلى ذلك أمم سابقة.
التاسعة: معرفة أن قوة الله فوق كل قوة، فيساعد ذلك المسلمين على التمسك بوسيلتى البقاء: الاستعداد، والاعتماد، وهما وسيلتا السلامة.
(15) سورة يوسف (25).
(16)
سورة هود (49).
(17)
سورة الأعراف (176).
العاشرة: تحصيل الفوائد التبعية مثل معرفة تاريخ التشريعات والحضارات الذى يفيد فى الإلمام بفوائد المدنية. كعلمنا بأن الشريعة القبطية كان يسترق فيها السارق من قصة يوسف فى قوله تعالى: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (18).
ثم أجاب عن تساؤل: لماذا لم يكتف بالقصة الواحدة فى تحصيل المقصود منها، وما فائدة التكرار فى سور كثيرة؟
فذكر أن هذا الهاجس قد يكون تطرق من المناهج الإلحادية فى نظرتها للقرآن. ولكننا نقول: إن القرآن أقرب إلى الوعظ منه إلى التأليف، فالخطيب لو قام يعظ لو أعاد المعانى لم يعد الألفاظ، فالقرآن تارة تأتى القصة للبرهان وتارة للتبيان فيحصل بها مقاصد الخطبة والوعظ وتحصل معه مقاصد أخرى:
أحدها: الرسوخ فى الأذهان.
الثانى: إظهار البلاغة بتعدد الأساليب البديعة فى التعبير عن الغرض الواحد، فذلك وجه من وجوه الإعجاز.
الثالث: أن يسمع من تأخر إسلامه القصة التى نزلت فى وقت سبق إسلامه؛ لأن سماعه للقصة عند نزولها أوقع فى نفسه.
الرابع: لم يكن المسلمون كلهم يحفظون القرآن بأكمله، بل يحفظ البعض بعض السور، وعليه يكون من حفظ سورة فيها القصة لم يفت الآخر الذى حفظ سورة أخرى معرفة نفس القصة؛ لأنها مكررة فى السورة التى حفظها.
الخامس: أن فى كل مرة تكرر فيها القصة يذكر فيها ما لم يذكر فى غيرها؛ وذلك تجنبا للتطويل ومناسبة للحالة المقصودة من سامعيها، فتارة تساق للمؤمنين، وتارة تساق للكافرين، وبذلك يتفاوت الأسلوب بين الإطناب والإيجاز على حسب المقام، فقصة موسى عليه السلام التى بسطت فى سورة طه والشعراء أوجزت فى سورة الفرقان فى آيتين هما: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (19) انتهى. تحرير الطاهر بن عاشور.
ولا شك أن الفوائد التى ذكرها بعضها أعظم من بعض، وإن لاحظنا العموم عليها بحيث تشمل جميع القصص القرآنى، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لكل قصة فائدتها الخاصة بها. ومن أراد ذلك فليطالع على سبيل المثال ما ذكره القاسمى فى تفسيره لسورة يوسف فى الآية الأخيرة منها.
أ. د./ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(18) سورة يوسف (76).
(19)
سورة الفرقان: (35 - 36).
مصادر البحث والاستزادة فى الموضوع
(1)
إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم للعلامة أبى السعود العمادى، ط القاهرة.
(2)
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
(3)
تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلانى، تحقيق الشيخ محمد عوامة- نشر دار الرشيد- سوريا، حلب.
(4)
جامع البيان عن تأويل آى القرآن، لابن جرير الطبرى.
(5)
الفن القصصى فى القرآن، للدكتور محمد خلف الله. طبع القاهرة.
(6)
القاموس المحيط للفيروزآبادى وشرحه، تاج العروس للزبيدى.
(7)
القصص القرآنى فى مفهومه ومنطوقه للأستاذ عبد الكريم الخطيب، ط دار المعرفة، بيروت.
(8)
المستدرك على الصحيحين لأبى عبد الله الحاكم وتلخيصه للحافظ الذهبى.
(9)
محاسن التأويل للقاسمى ط مؤسسة التاريخ العربى بيروت، لبنان.
(10)
المعجم الوسيط، وضع مجمع اللغة العربية- القاهرة.
محاورات القرآن وجدله
المحاورة: مصدر من (حاور) بمعنى تراجعا الكلام تقول: حاور الرجل صاحبه أى:
راجعه الكلام. كذا فى «المصباح» .
وفيه أيضا: جدل الرجل جدلا، من باب تعب: إذا اشتدت خصومته، وجادل مجادلة وجدالا: إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب. وفى لسان حملة الشرع:
مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلّا فمذموم.
والمحاورة: تكون خصومة أو لا، وكذلك تكون فى مقابلة دليل أو لا. أما الجدل فعلى خلاف المحاورة فى الاثنين. فكل جدل حوار لا العكس. ومن استعمال الحوار فى الخصومة قوله تعالى: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ (1)، ومن مقابلة الدليل قصة المجادلة لزوجها فى الظهار، فى قوله تعالى:
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما (2). ولم يأت الحوار الخالى من الخصومة ومن مقابلة الدليل فى القرآن.
والمحاورة المستعملة فى لغة الكاتبين فى عصرنا لا يكادون يستعملونها فى معنى الجدل، وكأن الجدل ليس فردا من أفرادها؛ لأنهم يقصرونه على اللدد فى الخصومة، مع أن الجدل منه ما هو محمود حسن، ومنه ما هو مذموم قبيح، فمن المذموم: جدال الكفار بغير علم وهم أتباع للشيطان فيه؛ لأنه هو الذى بدأه فى استكبار السجود لآدم قال تعالى فى هذا النوع: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (3) ومن الجدل المحمود الحسن: ما كان مبعثه الرحمة والشفقة، كما فى قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (4)، والجدال فى نصفة النفس كما فى قصة المرأة المجادلة عن نفسها.
وأعظم الجدل المحمود هو ما كان فى نصرة الحق ودحض الباطل كما فى أمره سبحانه وتعالى لنبيه: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (5)، إذا كان الخصم ليس لددا مصرا، أما إذا كان كذلك فيكون الصواب قوله تعالى: وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (6).
(1) سورة الكهف (37).
(2)
سورة المجادلة (1).
(3)
سورة الحج (8).
(4)
سورة هود (74) والآيات حتى (76).
(5)
سورة النحل (125).
(6)
سورة الحج (68).
ومن الكاتبين من خصوا هذا النوع السابق باسم الجدل فى القرآن. ولقد أجاد الإمام السيوطى فى كلامه عن هذا النوع من علوم القرآن فذكر ما ملخصه: أن نجم الدين الطوفي أفرد الجدل فى القرآن بالتصنيف، ونقل عن العلماء: أن القرآن اشتمل على جميع أنواع البراهين والأدلة، ولكن أوردها على عادة العرب مبتعدا عن دقائق طرق المتكلمين لأمرين هما: قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (7)، وأن مخاطبته فى محجة خلقه جاءت فى أجلى صورة ليفهمها العامة لا القليلون، فتلزم الجميع الحجة. ونقل عن ابن أبى الأصبع أن الجاحظ زعم أن المذهب الكلامى لا يوجد منه شىء فى القرآن. ورد عليه بأنه مشحون به.
ثم عرف الجدل بأنه: (احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب الكلام). ومنه نوع منطقى تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة، فالإسلاميون ذكروا أن أول سورة الحج إلى قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (8) خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات: قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ (9)؛ لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها، وذلك مقطوع بصحته، لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته، منقول إلينا بالتواتر، فهو حق، ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق، فالله هو الحق. وأخبر تعالى أنه يحيى الموتى؛ لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر، وحصول فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى، ليشاهدوا تلك الأهوال التى يعملها الله من أجلهم؛ وقد ثبت أنه قادر على كل شىء، ومن الأشياء إحياء الموتى، فهو يحيى الموتى، وأخبر أنه على كل شىء قدير، لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين، ومن يجادل فيه بغير علم يذقه عذاب السعير، ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شىء قدير، فهو على كل شىء قدير، وأخبر أن الساعة آتية لا ريب فيها، لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب إلى قوله: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (10)، وضرب لذلك مثلا بالأرض الهامدة التى ينزل عليها الماء، فتهتز وتربو، وتنبت من كل زوج بهيج، ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه بالموت، ثم يعيده بالبعث، وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق، ثم أماتها بالجدب، ثم أحياها بالخصب، وصدق خبره فى ذلك كله بدلالة الواقع المشاهد على المتوقع الغائب؛ حتى انقلب الخبر عيانا صدق خبره فى الإتيان بالساعة، ولا يأتى بالساعة إلا من
(7) سورة إبراهيم (4).
(8)
سورة الحج (7).
(9)
سورة الحج (6).
(10)
سورة الحج (5).
يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة، فهى آتية لا ريب فيها، وهو- سبحان وتعالى- يبعث من فى القبور (11).
وقال: وقال غيره: استدل- سبحانه- على المعاد الجسمانى بضروب أحدها: قياس الإعادة على الابتداء كما فى قوله تعالى:
كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ (12)، وثانيها:
قياس الإعادة على خلق السموات والأرض بطريق الأولى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ (13)، وثالثها: قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات، ورابعها: قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر، وخامسها: أن الاختلاف جبلة فى الدنيا، فلا بد من حياة أخرى غير هذه الحياة، يرتفع فيها الخلاف والعناد، وهذا ما وعد الله به فى قوله تعالى:
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (14).
ثم ذكر استدلالهم على أن الله صانع العالم، وهو واحد بدليل التمانع فى قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (15).
ثم أخذ السيوطى يبين طرفا من المصطلحات المعروفة فى علم الجدل، فذكر منها: السبر والتقسيم، ومن أمثلته فى القرآن قوله تعالى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ (16) الآيتين، فقد ردّ الله- سبحانه- فى الآيتين على الكفار فى تحريمهم ذكور الأنعام بالسبر والتقسيم، وكأنه يبين لهم أنه لا تصح أى علة للتحريم، فإما أن تكون العلة الأنوثة، أو الذكورة، أو اشتمال الرحم لهما، أو لا تدرى لها علة، فهو التعبدى، وهم لا يتلقون عن الله ليزعموا ذلك.
ومنها- أى المصطلحات: القول بالموجب.
ونقل عن ابن أبى الأصبع تعريفه: بأنه رد كلام الخصم من فحوى كلامه.
وقال غيره هو قسمان: أحدهما: أن تقع صفة فى كلام الغير كناية عن شىء أثبت له حكما، فيثبتها لغير ذلك الشيء كقوله تعالى:
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ (17)، فالأعز فى كلام المنافقين كناية عنهم، فنثبتها لغير ذلك وهو الله ورسوله (فالأعز) الله رسوله صلى الله عليه وسلم و (الأذل) المنافقون.
ثانيهما: حمل لفظ وقع فى كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه.
وذكر له مثالا ظفر به فى قوله تعالى:
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ (18) فحمل لفظ (أذن) التى للسبب، على (الأذن) الحاسة.
(11) بديع القرآن: (ص 37، 48).
(12)
سورة الأنبياء (104).
(13)
سورة يس (81).
(14)
سورة الأعراف (43).
(15)
سورة الأنبياء (22).
(16)
سورة الأنعام (143).
(17)
سورة المنافقون (8).
(18)
سورة التوبة (61).
ومنها: التسليم وهو قبول وقوع المحال افتراضا ثم التدليل على عدم فائدته وإن وقع كما فى قوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ (19).
فلما كان الواقع على خلاف ذلك- مع التسليم فرضا بوقوعه- فلا يصح وجود إلهين لما يلزم منه المحال.
ومنها: الإسجال وهو: الإتيان بألفاظ تسجل على المخاطب وقوع ما خوطب به، كما فى قوله تعالى: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ (20).
ومنها: الانتقال وهو: أن ينتقل من استدلال لآخر لعدم فهم الخصم له كما فى قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ (21)، بعد عدم فهمه لقوله: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فقال وهو لا يفهم: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ.
ومنها: المناقضة وهو: تعليقه على مستحيل إشارة لاستحالته، كما فى قوله تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ (22).
ومنها: مجاراة الخصم، كما فى قوله تعالى: قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (23). وبها يعسر عليهم بعد هذا التبكيت والإلزام المجاراة فى الجدل (24).
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(19) سورة المؤمنون (91).
(20)
سورة آل عمران (194).
(21)
سورة البقرة (258).
(22)
سورة الأعراف (40).
(23)
سورة إبراهيم (10، 11).
(24)
الإتقان فى علوم القرآن: (ج 4 ص 60: 66).