الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقضائه، وحسن الأدب معه، واستشعار تقواه فى كل عمل وكل حال. إلى آخر ما يعنى به رجال التصوف الصادقون.
والوصول إلى هذا ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى رياضة مستمرة، ومجاهدة طويلة، لهذه النفس الأمارة بالسوء، وتصميم على تزكية النفس بالتخلية والتحلية: التخلية من رذائل الشرك والنفاق والجاهلية، والتحلية بفضائل التوحيد والإيمان والإسلام والإحسان، وهذا هو أساس الفلاح فى الأولى والآخرة وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس: 7 - 10).
ولا يتم هذا إلا فى مناخ يساعد عليه، يجد فيه المرء المرشد الموجه إلى الله، والبيئة النظيفة المعينة على الخير، كما يجد الأخ الصالح، الرفيق فى الدرب، حامل مسك الهدى، الذى يدل على الله منطقه، ويذكر بالآخرة حاله، ويرغب فى الخير سلوكه.
3 - الترابط الأخوى:
والعنصر الثالث من عناصر (التكوين) الأساسية هو: الترابط الأخوى. يقول تعالى:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف: 67).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يقذف فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار» . متفق عليه عن أنس.
متفق عليه عن أبى هريرة.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى» . رواه مسلم عن أبى هريرة.
فإذا كان الناس تربطهم فى هذه الدنيا روابط شتى، رابطة الدم والنسب، أو رابطة الطين والأرض، أو رابطة اللغة واللسان، أو رابطة المصلحة المشتركة، أو غير ذلك من الروابط المادية والدنيوية الزائلة، أو المعرضة دوما للزوال. فإن رابطة الأخوة الإيمانية هى الأخلد والأبقى، وهى الأعز والأقوى، لأنها رابطة قامت لله وفى الله، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله، انقطع وانفصل.
لقد حث الإسلام المسلمين على العمل الجماعى لنصرة الدعوة الإسلامية، وتحرير الأرض الإسلامية، وتوحيد الأمة الإسلامية، وتحقيق آمالها الكبرى فى النهوض والبناء والترقى، وأداء دورها الربانى فى هداية العالم إلى نور الله.
ولهذا كانت الأوامر والتوجيهات القرآنية والنبوية محرضة على التوحيد والتعاضد والتعاون والتضامن، فإن اليد وحدها لا تصفق، ويد الله مع الجماعة، والشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.
يؤكد هذا: أن القوى المعادية للإسلام وأمته لا تعمل بصورة فردية، أو بقوى متناثرة أو مبعثرة، بل تعمل فى صورة جماعات وتكتلات منظمة، حددت غاياتها، وعينت طرائقها، واختير رجالها وقادتها، ورصدت لها مصادر التمويل الدائمة والطارئة.
فلا يجوز أن نقابل هذه القوى المتجمعة بأعمال فردية متفرقة، تعجز أن تنصر صديقا أو تقهر عدوا.
وما دامت الجماعة- على حد تعبيرنا- فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع: فلا بد لهذه الجماعة من رابط قوى يربط بين أفرادها، أشبه بما نسميه (المونة) أو (الإسمنت) الذى يربط (لبنات البناء) بعضها ببعض، حتى يكون كما جاء فى الحديث:«يشد بعضه بعضا» ، أو كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف: 4).
وهذا الرباط هو الأخوة الصادقة، التى هى صنو الإيمان ودليله، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10). وكما فى الحديث الصحيح: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه (أى لا يتخلى عنه) ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته» .
ولا تكون الأخوة صادقة إلا إذا تجردت عن أعراض الدنيا، وتمحضت للدين، وخلصت لوجه الله تعالى، وهذا هو الحب فى الله، الذى كثرت فى فضله الأحاديث.
ومن ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء! قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله، من غير أرحام ولا أنساب (أى لا تجمعهم قرابة ولا نسب) وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (يونس: 62)» .
وقال رجل لمعاذ بن جبل: والله إنى لأحبك لله! فقال: الله؟ قال الرجل: قلت: لله، فأخذ بحبوة ردائى، فجذبنى إليه، وقال: أبشر، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتى للمتحابين فىّ، والمتجالسين فىّ، والمتزاورين فىّ» .