الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّكميل
التكميل صورة أخرى من صور الإطناب، قريب الشبه بالإيغال والتتميم، ولقرب التشابه بينها يمكن أن يصلح مثال واحد للاستشهاد على كل منها.
والتكميل لغة زيادة الشيء حتى يبلغ النهاية، والكامل ضد الناقص وفوق التام.
فالشىء يكون ناقصا، ثم يصير بعد النقص تاما، ثم يصير كاملا بحيث لا يقبل الزيادة (1).
أما تعريف التكميل فى اصطلاح البلاغيين، فتتعدد عباراته ويتقارب أو يتوحد معناه، ومن تلك التعريفات عرّفه الباقلانى فقال:
وقال التبريزى:
«التكميل أن يذكر الشاعر المعنى، فلا يدع من الأحوال التى تتم بها صحته، وتكمل شيئا إلا أتى به (3)» أما ابن أبى الأصبع فعرفه بقوله:
«أن يأتى المتكلم أو الشاعر بمعنى من معانى المدح أو غيره من فنون الشعر وأغراضه، ثم يرى مدحه والاقتصار على ذلك المعنى فقط غير كامل فيكمله بمعنى آخر» (4) وقال الخطيب القزوينى:
«الإطناب بالتكميل أو الاحتراس هو أن يؤتى فى كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه
…
» (5) وهذا التعريف هو أوجز هذه التعريفات وأحكمها وقد قسم فيه التكميل قسمين، فقال:
«وهو ضربان: ضرب يتوسط الكلام كقول طرفة:
فسقى ديارك- غير مفسدها-
…
صوب الربيع وديمة تهمى
وضرب يقع فى آخر الكلام، كقوله تعالى:
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (6).
ثم قال مبينا موضع التكميل:
(1) اللسان، وترتيب القاموس، مادة: كمل.
(2)
إعجاز القرآن الكريم (160) طبعة قديمة.
(3)
الوافى (374).
(4)
بديع القرآن (151).
(5)
الإيضاح (202) طبعة قديمة.
(6)
المائدة (54).
«فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين لفهم أن ذلتهم لضعف، فلما قال:
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ علم أنها تواضع منهم لهم. ومن أمثلته فى القرآن الكريم، ولم يذكرها الخطيب قوله تعالى:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (7).
وهذا عكس الأول. لأن فيه استدراكا من ضعف أما هذا ففيه استدراك من قسوة، لأنه لو لم يذكر رُحَماءُ بَيْنَهُمْ لوقع فى بعض النفوس وهم أنهم قساة فى التعامل. ولكن لما قال: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ علم أن مبعث شدتهم هو عدم موالاتهم لأهل الكفر وبخاصة أن الكفار فى عصر نزول القرآن كانوا شديدى القسوة على المؤمنين، فعاملهم المؤمنون بالمثل.
ويجوز أن يكون التكميل هو الأول، فيكون من الاستدراك من الضعف، يعنى أنهم يستعملون الشدة فى مواضع الشدة، ويستعملون اللين فى مواضع اللين.
وقال ابن أبى الأصبع: «ومن أحسن ما جاء فى هذا الباب وأنصعه قوله تعالى:
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (8).
قال: «فإن المعنى قد تم عند قوله:
ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ لكن يبقى على ظاهر الآية إشكال من جهة أن الضعيف إذا سمع قوله بعد حكاية التكذيب لنبيه أمر نبيه أن يقول: إن ربهم ذو رحمة واسعة، مقتصرا على ذلك، يتوهم أن رحمته لسعتها ربما شملت من كذب نبيه، فاحترس من هذا الاحتمال، بما جاء به مكملا للمدح بالانتقام من الأعداء، كما يمدح- يعنى الله- بالرحمة للأولياء فقال:
وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ فجعل الوعيد للمكذبين، بعد تقديم الوعد للمصدقين، فإن البلاغة توجب أن تكون الرحمة الموصوفة بالسعة للمحسنين ليقابل ذلك قوله:
وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (9)
وهذا توجيه سديد، وفهم ثاقب لدقائق كتاب الله العزيز، وروائع أسراره.
وبمثل هذا التوجيه السديد وجّه المؤلف قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ (10) قال:
فإن التكميل أتى فى هذه الآية بعد صحة التقسيم لأن الكذب .. على قسمين:
قسم مطلق، وقسم مقيد، فالمطلق قوله
(7) الفتح (29).
(8)
الأنعام (147).
(9)
بديع القرآن (144).
(10)
الأنعام (93).
تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً والمقيد قوله تعالى: أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ .. ثم المقيد أيضا على قسمين فى هذه الآية:
قسم كذب الكاذب فيه على الله سبحانه، وقسم كذب الكاذب فيه على نفسه:
فالأول أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ والثانى قوله سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ ولو وقع الاقتصار على قوله أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ لكان المعنى المراد تاما ..
لكن الله كمله بقوله: وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ (11).
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
المصادر والمراجع:
(11) بديع القرآن (145).