الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهواء بجناحين ساكنين إلى أبعد المسافات، وكأن قوى خفية تشدها وتحركها كيف تشاء.
وهذه الطيور المتخصصة فى هذا النوع من الطيران تستطيع أيضا أن ترفع جناحيها أو تخفضهما أو تدفعهما إلى أمام أو خلف، أو أن تقلل من مساحتهما بقبضهما قبضا يسيرا، أو أن تديرهما من مفصل الكتف ليقابلا الهواء بزوايا مختلفة تؤثر فى سرعتها، أو تلوى أجزاء منها، وما إلى ذلك، وهى فى أثناء هذا كله تحرك ذيلها بالصورة المناسبة. وتتميز الطيور الصافات باختصار حجم عضلات صدرها التى تحرك جناحيها لقلة الحاجة إلى استخدامها، مع قوة الأوتار والأربطة المتصلة بالجناحين حتى تستطيع بسطها فترات طويلة دون جهد عضلى كبير.
ولقد علمت هذه الطيور قدر خالقها، وصدق فيها قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (43).
9 - فى الآفاق وفى الأنفس:
إن مادة الكون هى كل ما خلق الله- سبحانه وتعالى فى عالم الشهادة، أى العالم الذى نحسه بحواسنا أو ندركه بما يقوم مقام الحواس ويعزز وظائفها من أجهزة وأدوات، مثل المجاهر (الميكروسكوبات) التى تيسر رؤية الأجسام الدقيقة، والمقاريب (التلسكوبات) التى تمكن الراصد من رؤية الأجسام البعيدة، أو غير ذلك مما لم يتمكن الإنسان بعد من إدراكه والتعرف عليه فى هذا الكون الفسيح الذى لا يعلم مداه إلا الله وحده.
ويمثل الضوء نعمة النور الذى تبصر به العين بإذن ربها، فترى العديد من الآيات البينات فى الآفاق وفى الأنفس، التى تذكّر الإنسان بما يحتوى عليه الكون من العجائب والمعجزات وتنير له طريق الهداية والصواب.
والطريقة التى تؤدى بها العين وظيفتها فى الإبصار كانت مجهولة حتى عصر الإسلام، فقد كان الاعتقاد السائد عند الفلاسفة القدماء هو أن إبصار الموجودات يتم بخروج النور من عين الإنسان فيحيط بالأشياء ويتم إدراكها بالرؤية المباشرة، أو أن الإبصار يتم بانطباع صور الأشياء من البصر دون أن يرد منها شىء للعين. ومثل هذه
الآراء الفلسفية الخاطئة علميا عطلت منهج البحث العلمى السليم وأخّرت ظهور نظرية الإبصار الصحيحة إلى أن جاء عصر الحضارة الإسلامية واستطاع علماؤها الأفذاذ، بفضل المنهج الإسلامى فى البحث والتفكير، أن يسلكوا طريقة استقرائية دقيقة لدحض
(43) سورة النور: 41.
الآراء الفلسفية القديمة، وتحقيق نظرية جديدة فى الإبصار على أساس الوجود المستقل للضوء كمؤثر خارجى. وكان الحسن ابن الهيثم فى مقدمة علماء المسلمين الذين وضعوا الأسس العلمية السليمة لعلم الضوء والبصريات. وصنف فى هذا العلم كتابا رائدا أسماه «المناظر» واعتمد عليه علماء أوروبا فى عصر النهضة الحديثة.
ووافقت النظرية الجديدة ما سبق أن أخبر به القرآن الكريم من استحالة الرؤية بالعين المجردة فى الظلام، وذلك فى قوله تعالى:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (44)، ففي هذه الآية الكريمة يشبه الله- سبحانه وتعالى حال المنافقين بمن استوقد نارا، فلما وقع ضوء النار على ما حوله من الأجسام المعتمة ثم تشتت منها كشفها للناظرين. وعند ما ذهب الله بنورهم، أى بذلك الضياء المشتت من الأجسام المعتمة الذى كان يقع على أبصارهم فيعينهم على الإحساس بالرؤية، تولدت ظلمات لا تساعد على الإبصار. وبهذا جعل الله تعالى رؤية الأجسام مرتبطة ارتباطا مباشرا بسقوط النور (أو الضوء) عليها ثم ارتداده منها إلى العين. أما الضوء فى حد ذاته فلا يرى ولا يساعد على رؤية الأشياء دون أن يقع عليها، إذ قد يوجد هذا الضوء بجانب الشيء ولا نراه، مثال ذلك أشعة الشمس التى تمر خلال حجرة مظلمة دون أن تقع على شىء فيها ويكون هواؤها صافيا خاليا من الغبار، فإنها لا تبدد ظلمتها ما لم تقع على شىء يشتتها. والضوء الكشاف الذى يمر فى الليل المظلم بجانب الأجسام المعتمة دون أن يقع عليها فإنه لا يكشفها، ولكنه إذا وقع عليها ثم ارتد إلى الأنظار حدثت الرؤية.
لقد سبق القرآن الكريم إذن إلى القول باستحالة الرؤية فى الظلام، أى فى غياب الضوء المشتت عن الأجسام، وقد لاحظ رواد الفضاء حديثا عقب اختراقهم للغلاف الجوى أن السماء فقدت لونها الأزرق الجذاب الذى نراها به من الأرض، وأصبحت سوداء حالكة رغم سطوع الشمس وتلألؤ النجوم، وما ذلك إلا لعدم وجود الجسيمات الدقيقة الكافية لتشتت الضوء وحدوث الإبصار. كذلك لاحظ رواد الفضاء أن سماء القمر مظلمة دائما لانعدام الغلاف الجوى حول سطحه، وأن الأرض تبدو فى الفضاء كرة مضيئة تسبح وسط ظلام دامس. وقد أوضحت الصور التى التقطها رواد الفضاء أثناء رحلاتهم الفضائية أن الأرض والقمر منيران بأشعة الشمس المنعكسة منهما، وأن السواد الذى يعم الصورة ما هو إلا ظلمة السماء وليلها الدائم.
(44) سورة البقرة: 17.