الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسها: حكمة إيراد المجمل:
الحاصل أن لإيراد المجمل الذى هو أحد قسمى المتشابه فوائد عظيمة منها: حكم الابتلاء وحفز العقول على النظر وتحصيل العلوم ونيل شرف العلم، والتعرض لنيل درجات علمية من الفضل بقدر ما يبذل من جهد فى التوصل إلى الحق، ومزيد طمأنينة القلوب بالبرهان على أحقية كون القرآن من عند الله. وقد أشار إلى هذه الفوائد الزمخشرى فى «كشافه» (18). ولحجة الإسلام الغزالى والرازى فى تفسيره والقاضى عبد الجبار فى «متشابه القرآن» كلام فى هذه المسألة فيراجع فى رسالتنا «المحكم والمتشابه فى القرآن» .
ثانيا: المبيّن:
فى بيان حقيقته: يذكر العضد فى شرحه «لمختصر ابن الحاجب» أن البيان يطلق ويراد به فعل المبين، وهو التبيين من بان: إذا ظهر وانفصل، ويطلق ويراد ما حصل به التبيين وهو الدليل، ويطلق ويراد متعلق التبيين ومحله وهو المدلول. فعرفه الصيرفى بالنظر للأول بأنه: الإخراج من حيز الإشكال إلى التجلى والوضوح (19). وأورد على هذا التعريف إيرادات واهية، وسنعرض فيما يلى بالتفصيل لمسألتين من مسائل هذا المبحث:
أولاهما: بم يقع البيان
؟
ذكر الإمام السيوطى ما يقع به البيان بالأمثلة ما ملخصه: أن بيان آى القرآن قد يقع بالمتصل كما وقع لقوله تعالى: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ بقوله: مِنَ الْفَجْرِ (20)، وقد يكون البيان بالمنفصل كما فى قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ (21) فقد بيّنه قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (22)، فإنه بيّن أن المراد بالطلاق فى الآية الأولى: الذى يملك الرجعة بعده، ولولا الآية الثانية لكان الطلاق منحصرا فى الطلقتين.
ثم ذكر الإمام السيوطى أمثلة كثيرة من البيان المنفصل. ثم ذكر أن البيان قد يكون أيضا بالسنة مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ (23)، وقوله تعالى:
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ قد بينت السنة أفعال الصلاة والحج ومقادير الزكاة فى أنواعها (24).
ثانيتهما: تأخير البيان:
ذكر الإمام ابن السبكى أقوالا فى هذه المسألة ملخصها: أن أولها: يرى أصحابه
(18) انظر: الكشاف: (ج 1 ص 259).
(19)
انظر شرح العضد على مختصر ابن الحاجب: (ج 2 ص 162).
(20)
سورة البقرة: 187.
(21)
سورة البقرة: 229.
(22)
سورة البقرة: 230.
(23)
سورة البقرة: 43.
(24)
انظر: الإتقان فى علوم القرآن: (ج 3 ص 60: 62).
عدم وقوع تأخير البيان عن وقت الفعل، وإن جاز عند المجوزين للتكليف بما لا يطلق.
وثانيها: يرى أصحابه أن تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الفعل واقع وجائز سواء كان مبينا أم مجملا، قول الجمهور.
وثالثها: يمتنع فى المبين بخلاف المجمل.
ورابعها: يمتنع تأخير البيان الإجمالى فيما له ظاهر دون التفصيلى، ويجوز فى المجمل تأخيرهما.
وخامسها: يمتنع تأخير البيان فى غير النسخ.
وسادسها: لا يجوز تأخير بعض البيان دون بعض، لعدم إيهام المخاطب بأن المقدم هو البيان فقط.
ثم اختار الجلال المحلى رأى الجمهور بأن تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الفعل واقع وجائز، واستدل على الوقوع بالغنيمة فى قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (25) فإنه عام فيما يغنم خصص بحديث الصحيحين: «من قتل قتيلا فله سلبه» . وذكر ابن السبكى أن الحديث كان فى غزوة حنين، وأن الآية كانت فى بدر. وبيّن أن الأقوال السابقة على القول بالجواز، أما القول بالمنع من التأخير فالمختار جواز تأخير النبى صلى الله عليه وسلم التبليغ إلى وقت الحاجة، وقيل: لا يجوز لقوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (26) أى على الفور، وذكر أن كلام الرازى والآمدى يقتضى المنع فى القرآن، ولم يقع فى كلامه صلى الله عليه وسلم لما علم أنه كان يسأل فيجيب تارة ويقف انتظارا للوحى أخرى. ثم بين أن المختار على المنع أنه يجوز أن لا يعلم المكلف الموجود بالمخصص بذاته أو بوصفه أنه مخصص. وقيل: لا يجوز فى المخصص السمعى لما فيه من تأخير إعلامه بالبيان، وفى العقلى اتفقوا على الجواز، وذكر أنه وقع من بعض الصحابة عدم سماع المخصص السمعى إلّا بعد حين، كعدم سماع عمر رضي الله عنه ما يخصص المجوس حتى سمع عبد الرحمن بن عوف يخبره عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ، وأنه أخذ الجزية (27).
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(25) سورة الأنفال: 41.
(26)
سورة المائدة: 67.
(27)
انظر: شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع: (ج 2 ص 69: 74).
مصادر للبحث والاستزادة
(1)
الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى.
(2)
البحر المحيط لبدر الدين الزركشى، ط الكويت.
(3)
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
(4)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
(5)
جامع البيان عن تأويل أى القرآن للطبرى.
(6)
الجامع الصحيح لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى.
(7)
حاشية البنانى على شرح الجلال المحلى لجمع الجوامع لابن السبكى.
(8)
شرح العضد على مختصر ابن الحاجب، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالصنادقية.
(9)
فتح البارى لابن حجر العسقلانى.
(10)
الكشاف للزمخشرى.
(11)
معالم التنزيل للبغوى بهامش تفسير الخازن، ط مصطفى الحلبى.