الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعراب القرآن
قال ابن جنى فى «الخصائص الكبرى» :
الإعراب: هو الإبانة عن المعانى بالألفاظ (1).
وقال ابن منظور فى «لسان العرب» : أعرب الكلام وأعرب به: بيّنه
…
وعرّب منطقه: أى هذّبه من اللحن
…
(2).
وقال الراغب فى «مفرداته» :
…
إعراب الكلام: إيضاح فصاحته. وخصّ الإعراب فى تعارف النحويّين بالحركات والسكنات المتعاقبة على أواخر الكلم (3).
ومن هذا المنطلق اللغوى يعرّف إعراب القرآن فيقال: هو بيان معانيه باستعمال القواعد النحوية عند الحاجة إليها؛ فالإعراب فرع المعنى كما يقول علماء اللغة.
وفى القرآن معان كثيرة يتوقف فهمها على إعراب ألفاظها؛ لمعرفة الفاعل من المفعول، والصفة من الموصوف، والمبتدأ من الخبر، وغير ذلك مما يحتاج إليه المفسر فى الوقوف على المعنى المراد على وجه التحديد أو على وجه التقريب.
ويستطيع من خلال معرفة وجوه الإعراب أيضا أن يصحح من أقوال المفسرين ما يراه صحيحا، أو يرجح ما يراه راجحا؛ مستدلا على سلامة قوله بقاعدة أو بأكثر من قواعد الإعراب التى لا خلاف عليها بين المعربين.
ولا شك أن علماء النحو قد بذلوا جهودا مضنية فى وضع هذه القواعد وسبكها بدقة وفق مقتضيات اللغة.
وكان لأولهم قدم السبق فى تحريرها، وكان لمن جاء بعدهم فضل التحقيق والتطبيق.
وقد بذل المفسرون جهودا مشكورة فى استعمال هذه القواعد النحوية؛ لبيان معانى كتاب الله تعالى؛ فكانوا نعم العون للناظرين فيه على اختلاف درجاتهم فى الثقافة والفهم وتنوع مشاربهم فى العلم والمعرفة.
فعلماء البلاغة يجدون فيه بغيتهم إذا أرادوا أن يتعرفوا جمال تعبيره ورقة تصويره، وجودة نظمه وروعة بيانه، وأسرار إعجازه فى مناحيه الأربعة: البيانية، والتشريعية، والعلمية، والغيبية.
وعلماء الحديث يستعينون على فهمه بالقرآن، ويستعينون على فهم القرآن بعلم الإعراب وعلوم البلاغة.
(1) الخصائص الكبرى ج 1 ص 35 لأبى الفتح عثمان بن جنى (
…
- 392 هـ/ 000 - 1002 م) ت محمد على النجار الأستاذ بكلية اللغة العربية ط دار الهدى للطباعة والنشر
بدون تاريخ.
(2)
لسان العرب لابن منظور مادة (عرب) ط دار المعارف المصرية.
(3)
مادة (عرب) ص 328، 329 ط مصطفى البابى الحلبى وشركائه الطبعة الأخيرة 1381 هـ/ 1961 م.
والمشتغلون بالعلوم الأخرى يستمدون فهم كتاب الله- تعالى- من أولئك المفسرين الذين نبغوا فى هذه العلوم اللغوية التى تعتمد بالدرجة الأولى على قواعد الإعراب.
لذا كانت دراسة علم النحو ضرورية لكل من يتصدى لتفسير كتاب الله- تعالى-، وبيان ما تضمنته الأحاديث النبوية أيضا؛ لأن السنة بيان للقرآن، يتوقف فهمه على فهمها بكل الوسائل المستعملة فى ذلك، وأولها معرفة وجوه الإعراب.
وقد شرط العلماء لمن يتصدى لعلم التفسير شروطا كثيرة، منها:
(أ) أن يقتصر منه على القدر الذى تدعو إليه الحاجة، ويترك ما زاد عليها للمتخصصين فى علم النحو؛ فإن القرآن من أوله إلى آخره كتاب هداية ومنهج حياة، فينبغى أن يكون مبلغ همّ المفسر لآياته بيان معانية ومراميه ومناحى إعجازه، وغير ذلك مما فيه حكم، وحكمة، وعظة، وعبرة.
(ب) أن يفهم أولا معنى ما يعربه مفردا كان أو مركبا؛ وذلك بالرجوع إلى كتب التفسير التى عنى أصحابها بالغوص فى المعانى إلى أعماقها واستخراج مكنوناتها ونفائسها، مستعينين فى ذلك بمتن اللغة وفقهها وصورها البيانية وإيحاءاتها فى دقة النظم وجمال التعبير وسلامة الأسلوب تماما من الخلل والزلل.
(ج) أن يراعى المعرب المعنى الصحيح الذى دل عليه لفظ الآية وسياقها وما إلى ذلك من أدلة التصحيح، ولو خالف بذلك الصناعة النحوية إذا كانت لا تعينه على المعنى الذى اتفق عليه أكثر المفسرين؛ فالقرآن قد نزل بلسان عربىّ مبين يحكم به ولا يحكم عليه؛ فالحجة فيه لأهل التفسير واضحة جليّة، لا يضرهم من خالفهم من النحويين ولا من غيرهم.
وهذا ميدان زلت فيه أقدام كثير من المتكلفين والمقلدين.
(د) أن يجتنب الوجوه الضعيفة فى الإعراب ويلزم نفسه بما صحّ منها، ولا سيما إذا كانت هذه الوجوه تخلّ بالمعنى أو توهن من شأنه فى العظة والاعتبار.
(هـ) أن يتتبع المعرب ما تحتمله الألفاظ من وجوه الإعراب؛ فيشير إليها، ويختار أحسنها مرجحا قوله بالدليل.
(و) أن يراعى الشروط المختلفة بحسب الأبواب؛ فإن العرب يشترطون فى باب شيئا ويشترطون فى آخر نقيض ذلك الشيء، على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم؛ فإذا لم يتأمل المعرب ذلك اختلطت عليه الأبواب والشرائط.
(ز) ألا يخرّج على خلاف الأصل، أو على خلاف الظاهر لغير مقتض.
(ح) وهذه الشروط تقتضى شرطا آخر هو أهمها جميعا، وهو أن يكون المعرب لكتاب الله- تعالى- مستجمعا لشروط المفسر من:
سلامة الفطرة، وصحة المعتقد، وصفاء الذهن، وخلوّ قلبه من الهوى، وخبرته الواسعة بفنون لغة العرب وغير ذلك مما هو مذكور فى محله (4).
(4)
وينبغى أن يلتزم المعرب لكتاب الله- تعالى- الأدب فى التعبير عند الإعراب؛ فلا يتفوه بكلمة لا تليق بجلال القرآن أو تخلّ بفصاحته، أو تؤدى إلى شكّ فى سلامة نظمه ومحاسن أسلوبه.
(أ) مثل قول بعض المعربين: هذا حرف زائد؛ فإن الزائد قد يفهم منه أنه لا معنى له، وكتاب الله منزّه عن ذلك، فإن الحروف التى يبدو للمعربين أنها زائدة فى كلام الناس لا ينبغى أن يقولوا فيها إن وردت فى كتاب الله:
هى زائدة، إلا أن يقولوا: زائدة لملحظ بلاغى وفائدة لا تؤدّى بغيره.
أو يقولوا بقول بعض الورعين من المعربين:
هذا الحرف صلة أو هو حرف توكيد، أى:
جىء به لفائدة لا غنى عنه فى بيانها.
(ب) ومثل قول بعض المعربين: «الله» مفعول به منصوب. وهذا لا يليق بجلال الله تعالى.
والأولى أن يقال: لفظ الجلالة منصوب على العظمة، كما وجدناه فى بعض كتب المعربين.
(5)
(أ) وممن صنّف فى إعراب القرآن أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى (538 - 616 هـ/ 1143 - 1219 م).
فقد وضع فيه كتابا جامعا لسور القرآن كلها، سماه:«التبيان فى إعراب القرآن» - فى جزءين. طبع لأول مرة فى مصر سنة (1399 هـ- 1979 م).
وهو كتاب واف فى مقصوده، واضح فى أسلوبه، تميز عن سواه بحل كثير من مشكلات الإعراب فى كتاب الله- تعالى- وأتى فيه بما يشفى ويكفى.
قال رحمه الله فى مقدمته: (والكتب المؤلفة فى هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدّا؛ فمنها المختصر حجما وعلما، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر، وخلط الإعراب بالمعانى، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملى كتابا يصغر حجمه ويكثر علمه، أقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات؛ فأتيت به على ذلك).
(4) راجع كتاب مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب تحت عنوان: ذكر الجهات التى يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها ج 2 ص 527، 599 بتصرف.
(ب) وقد صنف أبو محمد: عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصارى المصرى (708 - 761 هـ/ 1309 - 1360 م) كتابا نفيسا فى هذا الفن سماه/ «مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب» جمع فيه الكثير من قضايا الإعراب ومسائله المتعلقة بكتاب الله- تعالى- فأفاد وأجاد، وصار كتابه هذا مرجعا لا يستغنى عنه نحوى ولا مفسر.
قال فى مقدمته: (وضعت هذا التصنيف على أحسن إحكام وترصيف، وتتبّعت فيه مقفلات مسائل الإعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقّحتها، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها).
ثم قال: (وينحصر فى ثمانية أبواب:
الباب الأول: فى تفسير المفردات وذكر أحكامها.
الباب الثانى: فى تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها.
الباب الثالث: فى ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل، وهو الظرف والجار والمجرور، وذكر أحكامها.
الباب الرابع: فى ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها.
الباب الخامس: فى ذكر الأوجه التى يدخل على المعرب الخلل من جهتها.
الباب السادس: فى التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها.
الباب السابع: فى كيفية الإعراب.
الباب الثامن: فى ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية). أه.
والناظر فيه يجد علما غزيرا بما تضمّنه كتاب الله- تعالى- من الحقائق والدقائق التى لا يستغنى عنها من أراد أن يتفقّه فى كتاب الله- عز وجل.
طبع هذا الكتاب بمطبعة المدنى، ونشره محمد على صبيح بتحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد. وطبعته المكتبة العصرية ببيروت سنة (1992 م/ 1412).
(ج) وصنف فى هذا الفن: الأستاذ/ محمد عبد الخالق عضيمة- كتابا كبير الحجم من أحد عشر جزءا فى النحو والصرف بوجه عام، واهتم كثيرا بإعراب القرآن وبيان ما أشكل على الدارسين من وجوهه المختلفة. سماه:«دراسات لأسلوب القرآن الكريم» .
وهو كتاب فريد، فى ترتيبه وتهذيبه وجمعه للمسائل النحوية فى الجو القرآنى لا غنى للدارسين فى العلوم العربية والشرعية عن مطالعته.
طبع هذا الكتاب سنة (1988 م) فى مطبعة حسّان بالقاهرة.
(د) وظهر مؤخرا كتاب بعنوان: «إعراب القرآن الكريم وبيانه» لمحيى الدين درويش.
طبع عدة مرات. المرة الثالثة منها فى المطبعة اليمانية، وطبع أيضا فى دار الإرشاد- حمص- سوريا. يقع الكتاب فى عشرة أجزاء، مرتب على حسب السور، يتكلم فيه المؤلف عن معانى الألفاظ بإيجاز ثم يعربها.
(هـ) وممن صنف فى إعراب القرآن- أبو إسحاق إبراهيم بن السرى الزجاج المتوفى سنة (311 هـ/ 923 م) كتابه المسمى: «معانى القرآن وإعرابه» . تناول فيه إعراب القرآن كله بإيجاز. يقع الكتاب فى أربعة أجزاء، حققه الدكتور: عبد الجليل عبده شلبى، وطبع فى عالم الكتب، الطبعة الأولى 1408 هـ/ 1988 م.
(و) وقد صنف أبو جعفر النحاس المتوفى سنة (338 هـ/ 948 م) كتابه المسمى: «إعراب القرآن» .
وهو كتاب يعنى بإعراب القرآن عناية موسعة، ذكر فيه أقوال النحويين ووجوه القراءات التى دندن حولها المعربون.
يقع الكتاب فى خمسة أجزاء طبع فى عالم الكتب الطبعة الثانية (1405 هـ/ 1985 م) بتحقيق د/ زهير غازى زاهر.
(ز) وصنف فى هذا الفن: عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنبارى (513 هـ/ 577 هـ/ 1119/ 1181 م) كتابا أسماه:
«البيان فى غريب إعراب القرآن» . وقد حققه د/ طه عبد الحميد طه وراجعه الأستاذ:
مصطفى السقا طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة (1400 هـ/ 1980 م).
(ح)«تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه» للشيخ: محمد على طه الدرة ط دار الحكمة- دمشق- بيروت.
(ط)«مشكل إعراب القرآن» لمكى بن أبى طالب القيسى (355 - 437 هـ/ 966 - 1045 م).
يقع فى جزءين طبع فى مجمع اللغة العربية بدمشق (1394 هـ/ 1974 م) بتحقيق:
ياسين محمد السوّاس.
(ى) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل» للزمخشرى:
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمى (467 - 538 هـ/ 1075 - 1144 م) وهو كتاب يكشف عن جمال النظم القرآنى وسحر بلاغته وفنون إعرابه، يقع فى أربعة مجلدات.
(ك)«تفسير البحر المحيط» لأبى حيان:
محمد بن يوسف (654 - 745 هـ/ 1256 - 1344 م) وهو كتاب حافل بمسائل الإعراب المتعلقة بكتاب الله- تعالى- يستدرك فيه ما
فات الزمخشرى وغيره من المعربين، ويبين من خلال وجوه الإعراب ما تضمنته الآيات من المعانى مع بيان إعجاز القرآن فى بلاغته ونظمه وجمال تعبيره ودقة تصويره وعذوبة بيانه؛ حتى بدا وكأنه كتاب نحو وبلاغة.
يقع هذا الكتاب فى ثمانى مجلدات كبار، وهو مطبوع متداول، طبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع عدة طبعات. الطبعة الثانية 1403 هـ- 1983 م.
وبهامشه:
1 -
«تفسير النهر الماد من البحر» لأبى حيّان نفسه وهو مختصر «للبحر المحيط» .
2 -
كتاب «الدرّ اللقيط من البحر المحيط» للإمام: تاج الدين الحنفى النحوى تلميذ أبى حيّان (682 - 749 هـ/ 1253 - 1319 م).
(ل)«الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدّقائق الخفية» تأليف: سليمان بن عمر العجيلى الشافعى الشهير بالجمل، (المتوفى 1204 هـ/ 1790 م).
يقع فى أربعة مجلدات كبار طبعته مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر بدون تاريخ.
وبهامشه كتابان:
1 -
«تفسير الجلالين» لجلال الدين السيوطى، وجلال الدين المحلى.
2 -
«إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن» لأبى البقاء: عبد الله بن الحسين العكبرى المتقدم ذكره.
وهذا الكتاب لا يقل شأنا عن كتاب البحر المحيط، بل هو أوسع منه دائرة فى بعض المواضع؛ فقد أفاد منه ومن غيره ممن جاء بعده إلا أنه لا يخوض فى أعماق المسائل النحوية المعقدة كما صنع أبو حيّان فى كتابه.
وطالب العلم لا يستغنى عن هذا وذاك؛ فإنه إن لم يجد ضالته فى كتاب وجدها فى آخر؛ فقد يوجد فى النهر ما لا يوجد فى البحر.
أ. د./ محمد بكر إسماعيل