الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الالتفات
الالتفات لغة التحول والانصراف من جهة إلى أخرى يقال التفت عن الشيء: تحول وانصرف عنه، والتفت إليه إذا أدار وجهه نحوه (1).
فأصل الالتفات يكون فى الأفعال بإدارة الوجه وحده أو هو والعنق. أما فى اصطلاح علماء البلاغة فالالتفات مقصور على الأقوال دون الأفعال. وله ست صور:
* الالتفات فى التعبير من الغائب إلى المخاطب؟
* الالتفات فى التعبير من الغائب إلى المتكلم؟
* الالتفات فى التعبير من المتكلم إلى المخاطب؟
* الالتفات فى التعبير من المتكلم إلى الغائب؟
* الالتفات فى التعبير من الخطاب إلى التكلم؟
* الالتفات فى التعبير من الخطاب إلى الغيبة؟
وقد أورد البلاغيون تعريفات كثيرة للالتفات أكثرها غير واف بالمراد، بدأ من تعريف ابن المعتز للالتفات (2) إلى تعريف ابن الأثير له (3).
ولم يوضع له تعريف فى دقيق إلا على يد الخطيب القزوينى، والذى تابعه عليه شراح تلخيصه وجمهور البلاغيين (4).
والتعريف الذى كتبه الخطيب وتابعه عليه الجمهور هو: «الالتفات: التعبير عن معنى الطرق الثلاثة التكلم والخطاب والغيبة، بعد التعبير عنه بواحد منها» ومعنى هذا التعريف يؤول إلى الصور الست التى تقدمت.
وقد ورد فى القرآن الكريم الالتفات فى صوره المشار إليها من قبل.
فالالتفات من الغيبة إلى الخطاب ورد فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (1) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فقد بدأ الحديث بطريق الغيبة فى الآيات الثلاث الأولى ثم عدل عن الغيبة إلى الخطاب فى أربعة مواضع فى الآيات الرابعة والخامسة، والسادسة فى الجمل الآتية:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أَنْعَمْتَ
(1) لسان العرب والمعاجم اللغوية، مادة لفت.
(2)
البديع (58).
(3)
المثل السائر (2/ 4) والجامع الكبير (98).
(4)
شرح التلخيص للشيخ أكمل الدين البابرتى (257) طرابلس شرح وتحقيق محمد مصطفى رمضان ط أولى عام 1403 هـ/ 1983 م.
ومثال الانتقال من الخطاب للغيبة قوله تعالى:
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ .. (5).
وللالتفات وظيفة بيانية عامة ووظيفة خاصة. فالعامة هى تلوين الخطاب، وفائدته تنشيط ذهن السامع، ودفع الملل عنه، لأن فى انتقال الحديث من أسلوب إلى أسلوب تجديدا لحركة الذهن، وترويحا على المشاعر. وهذا عام فى كل صور الالتفات.
وفى ذلك يقول الإمام الزمخشرى:
وقد أشار بقوله: «وقد تختص مواقعه بفوائد» إلى ما تختص به كل صورة من صور الالتفات فوق تطرية الكلام وتلوين الخطاب.
وتطبيق هذه الملامح البيانية التى تشع من كل صورة من صور الالتفات على ما تقدم من سورتى «أم الكتاب» و «يونس» يرينا ما لهذا الفن البلاغى فى القرآن من دور عظيم الشأن فى التأثير على النفوس.
فالانتقال من الغيبة إلى الخطاب فى آيات «الفاتحة» كان عقب ثناء العبد على الله بطريق الغيبة. فهو وحده المستحق للحمد كله.
وهو وحده الرحمن الحق، والرحيم الحق وهو وحده مالك شئون يوم الدين.
وبعد استحضار هذه الكمالات فى المشاعر، يقترب العبد من حضرة ربه، ويقف بين يديه فيخاطب ربه مخاطبة الحاضر؛ لا مخاطبة الغائب.
أما فى آية «يونس» فإن قوله تعالى:
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ أى استقررتم وركبتم فيها. والفلك تركب لتجرى بمن فيها، فإذا جرت وأسرعت براكبيها فقد غابوا وهى تمخر بهم عباب الماء. فالتفت القرآن من توجيه الخطاب إليهم إلى الحديث عنهم بطريق الغيبة إشارة إلى نعمة جرى السفن بهم.
ومثال الانتقال من الغيبة إلى التكلم قوله تعالى:
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ .. (7).
فقد جرى الحديث أولا عن الغائب، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم فقال فَسُقْناهُ.
والداعى البلاغى لهذا الالتفات هو التلويح
(5) يونس (22).
(6)
الكشاف (1/ 12).
(7)
فاطر (9).
منه تعالى بعظم النعمة، وكمال التدبير، لأن سير السحب فى اتجاهات ملحوظة فى الجو محض تدبير من الله عز وجل بما يصلح أحوال العباد، فهو يصرف السحب عمن ليسوا فى حاجة إلى الماء، إلى قوم يعلم الله شدة حاجتهم إلى الماء، فيأمر السحب بالسير نحوهم.
ومثال الانتقال من التكلم إلى الغيبة قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وكان الأصل أن يقال: فصل لنا، بضمير المتكلم لا الاسم الظاهر (رب) - لأنه من قبيل الغائب.
والداعى البلاغى هو إظهار الامتنان على المخاطب؛ وسرعة امتثال الأمر؛ لأن الصلاة المأمور بها هى (لربك) ومن خصائص (رب) الإنعام والرعاية، وفى قوله عز وجل:
وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ التفات من التكلم إلى الخطاب، حيث أوقع الفعل «فطر» على ضمير المتكلم، ثم التفت منه إلى الخطاب فى تُرْجَعُونَ والداعى البلاغى هو التصريح بتعميم الحكم (الرجوع إلى الله) على جميع الذين فطرهم الله، لئلا يتوهم المخاطبون أنه خاص بالمتكلم.
ويجوز أن يكون فى هذه الآية إيجازا بالحذف المسمى «الاحتباك» حيث حذف من الأول (فطرنى) ما دلّ عليه الثانى (ترجعون) ومن الثانى (ترجعون) ما دل عليه الأول (فطرنى) والتقدير وما لى لا أعبد الذى فطرنى وفطركم، وإليه ترجعون وأرجع.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى