الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عام القرآن وخاصه
العامّ والخاصّ: اسم فاعل من العموم والخصوص ولا خلاف فى كونهما من عوارض الألفاظ، ولكن الخلاف فى كونهما من عوارض المعنى، وتحقيق العلامة الشربينى يجعل الخلاف بين الفريقين خلافا لفظيا أو يكاد، وذلك بأنّ العموم يقصد به التناول تارة، وبهذا يكون من عوارض الألفاظ فقط، وتارة يقع بمعنى الشمول، فيتصف به اللفظ والمعنى. فمن قال: العموم ليس من عوارض المعانى صحّ، إذا كان العموم بمعنى التناول أى: إفادة اللفظ للشيء، ومن قال: العموم من عوارضها صحّ، إذا كان بمعنى الشمول.
وحيث كان الخصوص قسيما للعموم، فما قيل فى العموم يقال فى الخصوص، بمعنى أن الخصوص يكون من عوارض الألفاظ فقط عند ما يكون معنى الخصوص التناول، ويكون من عوارض المعانى أيضا الجزئية مقابل الكلية. ولمّا كان هناك اتفاق بين العلماء على أن العموم والخصوص من عوارض الألفاظ اتجهوا فى تعريفاتهم للعام والخاص إلى هذا الاتجاه، فعرّف ابن السبكى العام بأنه:(لفظ يستغرق الصالح له بغير حصر) فقولهم (لفظ) أخرج الألفاظ المتعددة الدالة على معان متعددة بتعددها. وقولهم:
(يستغرق) أى يتناول جميع أفراده دفعة واحدة، فهو قيد أول أخرج ما لا يستغرق كالنكرة فى سياق الإثبات واسم العدد؛ لأنه يتناول أفراده بالبدلية لا الاستغراق. وقولهم:
(الصالح له) قيد لبيان الماهية؛ لأنه ليس هناك لفظ يستغرق غير الصالح له ليحترز عنه. وقولهم (من غير حصر) قيد ثان يخرج اسم العدد؛ لأنه يتناول بحصر كعشرة ومائة، والنكرة المثناة فى الإثبات وكذلك المجموعة.
فكل ما خرج بالقيدين فهو من الخاص بحيث يمكن صياغة تعريف الخاص بأنه: (اللفظ الذى لا يستغرق ما يصلح له أو يستغرقه مع الحصر)، وبه يفهم معنى قولهم التخصيص هو «قصر العام على بعض أفراده» .
وقد تكلم الأصوليون كلاما طويلا فى هذا الباب؛ ولذا سنهتم بما يناسب بحثنا فى علوم القرآن، وسنعتمد على ما قدمه السيوطى فى كتابه «الإتقان» مع التعليق على ما يستحق ذلك.
فبدأ الإمام السيوطى بذكر تعريف العام الذى ذكرنا من كلام ابن السبكى- دون شرح له، ثم ثنى ببيان صيغه، من غير خوض فى خلاف أن للعام صيغا موضوعة أو لا، وخوض فى العديد من تلك الصيغ أهي للعموم أم للخصوص؟ فذكر منها «كل» مبتدأة نحو كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (1)، أو تابعة، نحو:
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (2) أ. هـ.
وترك- رحمه الله من استعمالات (كل):
الظرفية الموصولة ب (ما) الزائدة المستعملة فى الجملة الشرطية كقوله تعالى: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ (3). كما ترك ما هو بمعنى «كل» كأجمع وجميع وكافة وعامة، وطرا، وقاطبة، وبأسر، ونحو ذلك. وقد استعمل من ذلك فى القرآن أجمع تابعا «لكل» كما مثل هو «لكل» التابعة. ومنفردا كقوله تعالى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
(4)
، وجميع: كقوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (5)، وكافة: كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً (6). ثم ذكر من صيغه (الذى والتى وتثنيتهما وجمعهما) أى: ما لم يقم عهد بقرينة، وإن لم ينبه الشيخ على ذلك، فإن قامت قرينة على العهد فهى للخصوص.
فمثال العام: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما (7) فإن المراد به كل من صدر منه هذا القول، بدليل قوله بعد: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ (8)، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ (9)، وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ (10) الآية، وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا (11) الآية وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما. (12) ومثال ما جاء من ذلك خاصا لقيام قرينة العهد، ولم يعرض له السيوطى هنا قوله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (13) وقوله: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا (14) الآية، وقوله: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (15) الآية، نزلت فيمن كان من المنافقين مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة بنى المصطلق كما هو معلوم فى محله من كتب التفسير وأسباب النزول.
ثم واصل حديثه فى ذكر الصيغ فذكر منها (أى، وما، ومن شرطا واستفهاما وموصولا) نحو: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ
(1) الرحمن: 26.
(2)
الحجر: 30.
(3)
البقرة: 20.
(4)
الحجر: 43.
(5)
الأعراف: 158.
(6)
سبأ: 28.
(7)
الأحقاف: 17.
(8)
الأحقاف: 18.
(9)
البقرة: 82.
(10)
الطلاق: 4.
(11)
النساء: 15.
(12)
النساء: 16.
(13)
الحجر: 6.
(14)
الأنبياء: 91.
(15)
المنافقون: 7.
الْحُسْنى (16) فهذا مثال الشرط فى أى، وعليه اقتصر السيوطى فيها، ومثال الاستفهام قوله تعالى فيما قص عن سليمان عليه السلام: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. (17) ومثال الموصولة، قوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (18) ومثال الشرط فى (ما) قوله تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (19) ومثال الاستفهام فيها قول امرأة العزيز فيما قص الله عنها: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (20) فإن السؤال بها يعم أنواع الجزاء كلها، بدليل الاستثناء المتصل الذى هو معيار العموم كما يقولون، ومثال الموصولة، وعليه اقتصر السيوطى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. (21) ومثال الشرطية فى (من) قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (22) - وعليه اقتصر السيوطى، ومثال الاستفهامية فيها قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. (23) ومثال الموصولة فيها قوله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. (24)
ثم ذكر من الصيغ (الجمع المضاف) نحو يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ (25)، و (المعرف بأل) نحو قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (26) فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (27) أى: ومثل الجمع اسمه (أى اسم الجمع) كالقوم، واسم الجنس الجمعى كالشجر، واسم الجنس المضاف، نحو:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (28) أى:
كل أمر الله. و (المعرف بأل) نحو: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ (29) أى كل بيع، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ أى كل إنسان بدليل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا. (30) والنكرة فى سياق النفى والنهى نحو: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً (31)، فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً (32) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ (33)، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ (34)، فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (35) وفى سياق الشرط نحو:
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ، (36) وفى الامتنان نحو: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (37) وكالفعل فى سياق النفى والنهى كقوله تعالى:
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (38) وقوله: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، (39) واسم الفعل فى سياق النهى كقوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ. (40)
(16) الإسراء: 110.
(17)
النمل: 38.
(18)
مريم: 69 - العتى: الطغيان ومجاوزة الحد فى العدوان.
(19)
البقرة: 197.
(20)
يوسف: 25.
(21)
الأنبياء: 98.
(22)
النساء: 123.
(23)
البقرة: 255.
(24)
الأنبياء: 19.
(25)
النساء: 11.
(26)
المؤمنون: 1.
(27)
التوبة: 5.
(28)
النور: 63.
(29)
البقرة: 275.
(30)
العصر: 2، 3.
(31)
البقرة: 22.
(32)
النساء: 20. وهذا خير من تمثيل السيوطى بقوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ لما سيأتى.
(33)
الحجر: 21.
(34)
البقرة: 2.
(35)
البقرة: 197.
(36)
التوبة: 6.
(37)
الفرقان: 48.
(38)
الأعراف: 56.
(39)
مريم: 64.
(40)
الإسراء: 23.
وترك السيوطى- رحمه الله من صيغ العام المستعملة فى القرآن.
(أ)(مهما) وهى كلفظة (ما) لغير العاقل، ولا تستعمل إلا شرطية كقوله تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (41).
(ب)(كيف) لعموم الأحوال استفهاما، وشرطا، ولم يأت فى القرآن، ومتجردة عنهما. فمثالها استفهاما قوله تعالى وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ (42)، ومثالها متجردة قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ (43).
(ج)(أين) لعموم المكان شرطا واستفهاما ومجردة منهما، فمثالها شرطا قوله تعالى:
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، (44) ومثالها استفهاما: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، (45) ومثالها مجردة منهما: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (46).
(د)(أنى) لعموم الأحوال تارة ككيف، ولعموم الأماكن كمن أين، وتأتى شرطا ولم يقع فى القرآن. واستفهاما بالمعنيين الآنفين، ومجردة منها بهذين المعنيين. فمثالها استفهاما بمعنى كيف: قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ (47) الآية، ومثالها استفهاما بمعنى من أين: قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (48)، ومثالها مجردة منهما: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (49)، وهى محتملة للمعنيين.
(هـ)(حين) كأين فى عموم المكان، مجرورة بمن، أو ظرفا موصولة بما، أو بدونها، وقد تكون على ظرفيتها شرطية إن وصلت بما، ومثالها قوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (50).
(و)(متى) لعموم الزمان ماضيا فى الاستفهام ومستقبلا فيه وفى الشرط، ولم تستعمل فى القرآن إلا مستقبلة فى الاستفهام كقوله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (51).
(ز)(أيان) لعموم الزمان المستقبل شرطا واستفهاما، ولم تستعمل فى القرآن إلا استفهاما كقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (52).
(41) الأعراف: 132.
(42)
آل عمران: 101.
(43)
آل عمران: 6.
(44)
النساء: 78.
(45)
التكوير: 26.
(46)
الحديد: 4.
(47)
البقرة: 247.
(48)
آل عمران: 37.
(49)
البقرة: 223.
(50)
البقرة: 150.
(51)
يونس: 48.
(52)
الأعراف: 187.
(ح)(كم) لعموم العدد استفهاما، وفى الكثرة غير المحصورة خبرية، فمن الأول قوله تعالى: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ (53)، ومن الثانى قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها. (54) والأمران محتملان فى نحو قوله سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (55).
(ط)(كأين) وهى ككم الخبرية فى نحو قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ. (56)
ثم عقد السيوطى- رحمه الله فصلا فى مخاطبات القرآن بالعام بين عام باق على عمومه، وعام مراد به الخصوص، وعام مخصوص، فقال- رحمه الله: «العام على ثلاثة أقسام:
الأول: الباقى على عمومه: قال القاضى جلال البلقينى: ومثاله عزيز، إذ ما من عام إلا ويدخل فيه التخصيص فقوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ (57) قد يخص منه غير المكلف، وحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (58) خص منها حالة الاضطرار، وميتة السمك والجراد، وحرم الربا خص منه العرايا. (59) وذكر الزركشى فى «البرهان» أنه كثير فى القرآن، وأورد منه: وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، (60) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً، (61) وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً، (62) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً. (64) قلت: هذه الآيات كلها فى غير الأحكام الفرعية، فالظاهر أن مراد البلقينى أنه عزيز فى الأحكام الفرعية، وقد استخرجت من القرآن بعد الفكر آية فيها، وهى قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (65) الآية، فإنه لا خصوص فيها».
الثانى: العام المراد به الخصوص.
الثالث: العام المخصوص. وللناس بينهما فروق. أن الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد، لا من جهة تناول اللفظ، ولا من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل فى فرد منها.
والثانى أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها، لا من جهة الحكم، ومنها أن الأول مجاز قطعا لنقل اللفظ عن موضعه الأصلى بخلاف الثانى فإن فيه مذاهب أصحها: أنه حقيقة، وعليه أكثر الشافعية وكثير من الحنفية وجميع الحنابلة، ونقله إمام الحرمين عن جميع الفقهاء. وقال الشيخ أبو حامد: إنه مذهب الشافعى وأصحابه. وصححه السبكى؛ لأن تناول
(53) الكهف: 19.
(54)
الأعراف: 4.
(55)
الشعراء: 7.
(56)
آل عمران: 146.
(57)
الحج: 1.
(58)
المائدة: 3.
(59)
هى بيع الرطب على النخل بخرصها تمرا على الأرض ممن يتقن الخرص، والتقدير بحسب الإمكان: أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للعذر كما فى حديث الصحيحين وغيرهما. أنظر بلوغ المرام للحافظ ابن حجر العسقلانى وشرحه سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الصنعانى ج 3 من ص 58 إلى ص 60.
(60)
المائدة: 97.
(61)
يونس: 44.
(62)
الكهف: 49.
(63)
فاطر: 11.
(64)
غافر: 64.
(65)
النساء 23.
اللفظ للبعض الباقى بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص. وذلك التناول حقيقى اتفاقا، فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا.
ومنها أن قرينة الأول عقلية والثانى لفظية.
ومنها أن قرينة الأول لا تنفك عنه، وقرينة الثانى قد تنفك عنه. ومنها أن الأول يصح أن يراد به واحد اتفاقا، وفى الثانى خلاف، ومن أمثلة المراد به الخصوص قوله تعالى:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ. (66)
والقائل واحد (هو) نعيم بن مسعود الأشجعى أو أعرابى من خزاعة، كما أخرجه ابن مردويه من حديث أبى رافع؛ لقيامه مقام كثير فى تثبيط المؤمنين عن ملاقاة أبى سفيان قال الفارسى: ومما يقوى أن المراد به واحد قوله: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ (67)، فوقعت الإشارة بقوله:(ذلكم) إلى واحد بعينه، ولو كان المعنى جمعا لقال:(إنما أولئكم الشيطان)، فهذه دلالة ظاهرة فى اللفظ.
ومنها قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ (68) أى: رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمعه ما فى الناس من الخصال الحميدة. ومنها قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ (69). أخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس فى قوله:
مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ. قال: إبراهيم عليه السلام. ومن الغريب قراءة سعيد بن جبير: مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ قال فى «المحتسب» : يعنى آدم لقوله: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (70)، ومنه قوله تعالى:
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ (71). أى: جبريل كما فى قراءة ابن مسعود» أ. هـ.
وأقول: ذكر السيوطى- كما ترى- للعام المراد به الخصوص أربعة أمثلة لا ننازعه منها إلا فى ثالثها، وإن كان فى بعضها كلام، وأعنى بهذا الثالث ما عزا فيه إلى الطبرى الرواية عن الضحاك عن ابن عباس: من أن الناس فى ثانية آيتى الإفاضة يراد بهم إبراهيم، فإن النسخ المطبوعة بطبعات مختلفة من تفسير الطبرى فى تفسير هذه الآية من سورة البقرة ليس فيها الرواية عن الضحاك موصولة إلى ابن عباس، بل الرواية فيها جميعا هى عن الضحاك موقوفة عليه، وهكذا رواها عن الطبرى الحافظ ابن كثير (72)، وكذا رواها الحفاظ من أمثال الحافظ ابن حجر فى «الفتح» عن ابن أبى حاتم وغيره. فهذه واحدة.
وثانية هى أطم من الأولى وأعظم، وهى أن هذا القول أحد قولين فى الآية حكاهما
(66) آل عمران: 173.
(67)
آل عمران: 175.
(68)
النساء: 54.
(69)
البقرة: 199.
(70)
طه: 115.
(71)
آل عمران: 39.
(72)
أنظر تفسيره ج 1 ص 242.
الطبرى واختار غيره لما قال من إجماع الحجة عليه، وأنه لولا إجماع الحجة على هذا الغير لاختاره. هذا معنى كلامه، وإنما القول المعتمد فى تفسير الآية أن يراد من الإفاضة فيها عين ما أريد منها فى سابقتها، ومن قوله: مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ عرفات كما وقع التصريح به فى سابقتها على ما روى البخارى- رحمه الله عن عائشة- رضى الله عنها-: «كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الخمس وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم
أن يأتى عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى:
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أ. هـ كذا أخرجه البخارى فى الحج وفى التفسير، واللفظ من التفسير فى تفسير الآية من سورة البقرة. تريد- رضى الله عنها: أن المأمور بالإفاضة فى هذه الآية هو النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أمروا أن تكون إفاضتهم من حيث يفيض جمهور العرب أى من عرفة- لا من حيث كان يفيض قريش ومن دان دينها من المزدلفة أى أن يكون موقف النبى صلى الله عليه وسلم الذى تصدر منه الإفاضة هو عرفة لا المزدلفة على ما كانت تفعل قريش، وتوجيه (ثم) على هذا القول المعتمد- والذى اختاره الطبرى نفسه وحكى الإجماع عليه- ما قاله الحافظ ابن حجر فى شرح هذا الحديث من كتاب الحج قال رحمه الله (73):(وأما الإتيان فى الآية بقوله: (ثم) فقيل: هى بمعنى الواو. وهذا اختيار الطحاوى، وقيل: لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام، ثم اجعلوا الإفاضة التى تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون.
قال الزمخشرى: وموقع (ثم) هنا موقعها من قولك: «أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم» ، فتأتى (ثم) لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بين لهم مكان الإفاضة فقال: ثم أفيضوا. لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ.
نعم قد جاء الآخر رواية عن ابن عباس عند البخارى أيضا فى تفسير الآية من كتاب التفسير والذى حاصله أن الإفاضة فى هذه
(73) فتح البارى ج 3 ص 517. فما بعدها.
الآية غيرها فى سابقتها، وأنها الإفاضة من «جمع» أى: المزدلفة إلى منى لرمى الجمرات، ولكن المقصود بالناس فى هذه الرواية ليس ما فى رواية الضحاك، وإنما هو العموم الشامل لجماهير الناس جميعا، أو هم قريش على أقل تقدير. ففي هذا الحديث عند البخارى:
ثم ليدفعوا من عرفات فإذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذى يتبرر فيه، ثم ليذكروا الله كثيرا أو أكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون. وقال الله تعالى: وتلا الآية ثم قال:
حتى ترموا الجمرة أ. هـ.
فلا تشترك هذه الرواية مع ما قال الضحاك إذن، إلا فى مجرد أن الإفاضة فى الآية يراد بها الإفاضة من المزدلفة، وأما أن الناس فيها يراد بهم إبراهيم عليه السلام فشىء لم يعرف عن ابن عباس ولا عن غيره، وإنما هو قصر على الضحاك وحده، وشتان ما بين الأمرين، ومع هذا فإن هذا القول عن ابن عباس- وإن بقيت فيه (ثم) التى صدرت بها الآية على حقيقتها من إفادة الترتيب، ليس هو القول المعتمد فى تفسير الآية، والذى وصفنا من قول عائشة، بل الذى نطقت به رواية أخرى عن ابن عباس فى تفسير الطبرى نفسه، كما جاءت به الرواية عند الطبرى عن عروة بن الزبير وعطاء وقتادة ومجاهد والسدى والربيع وابن أبى نجيح.
ومن ثم حكى الطبرى إجماع الحجة عليه كما سبق. وإنما كان الذى وصفنا من قول هؤلاء المعتمد؛ لأنه فوق كونه قول الجمهور نص فى إلغاء صنيع قريش، وإيجاب أن يكون موقف الجميع؛ قريش وغير قريش بعرفة، بخلاف ما فى هذه الرواية عن ابن عباس، فإنه وإن أفاد إيجاب الإفاضة إلى منى لم يعرض من قليل أو كثير لما هو أهم منه بدرجات- أعنى إبطال الباطل- ولا سيما أن الإفاضة من المزدلفة إلى منى كان أمرا معروفا ومشتركا متفقا فيه من الكل؛ قريش، وغير قريش، فلم تضف الآية جديدا.
وأيضا فإن أمر منى سيأتى الحديث عنه بعد هذا بقليل فى قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ (74) الآية. وفى هذا الرد:
(أ) على ما زعم الطبرى من ترجيح أن تراد الإفاضة إلى منى لولا إجماع الحجة على الأول.
(ب) وعلى علامة مفسرى العصر الطاهر ابن عاشور فيما زعم من ذلك لولا الحديث، كما قال فى تفسيره الجليل «التحرير والتنوير» يريد حديث عائشة المتضمن للقول المعتمد.
(74) البقرة: 203.
(ج) وعلى موقف الحافظ ابن كثير الحائر بين القولين والمتمثل فى قوله بعد إيراده لروايتى عائشة وابن عباس من البخارى (فالله أعلم) أ. هـ.
وأما ما حكى فى هذا المثال من قراءة ابن جبير بالياء يريد آدم كما فسره ابن جنى فى «المحتسب» ، فقد كفانا مئونتها بعدّها من الغريب، فإنها قراءة بالغة الشذوذ خارجة أتم الخروج عن القرآنية، فلا يبال بها ولا بما تضمنته من هذا المعنى هنا.
ثم شرع السيوطى بعد هذا فى الحديث عن العام المخصوص وبيان المخصص المتصل منه والمنفصل فقال: «وأما المخصوص فأمثلته فى القرآن كثيرة جدا، وهو أكثر من المنسوخ، إذ ما من عام إلا وقد خص، ثم المخصص له:
إما متصل وإما منفصل، فالمتصل: خمسة وقعت فى القرآن: أحدها: الاستثناء» (يريد المتصل) وذكر له أمثلة خمسة نختار من بينها آخرها وهو قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (75).
ثم قال السيوطى: «الثانى: الوصف نحو:
وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ (76) الثالث: الشرط، نحو وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً (77)، كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ (78). الرابع: الغاية وذكر لها أمثلة أربعة آخرها: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ (79) الآية.
والخامس:
بدل البعض من الكل نحو: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (80). ثم قال: والمنفصل آية أخرى فى محل آخر، أو حديث، أو إجماع، أو قياس. ومن أمثلة ما خص بالقرآن قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (81)، خص بقوله: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ (82) وبقوله: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (83). وقوله:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ (84)، خص من الميتة السمك بقوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ (85)، ومن الدم الجامد بقوله: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (86).
(75) القصص: 88. والمراد من الوجه الذات أو العمل الصالح الذى أريد به وجهه تعالى.
(76)
النساء: 23.
(77)
النور: 33.
(78)
البقرة: 180.
(79)
البقرة: 187.
(80)
آل عمران: 97.
(81)
البقرة: 228.
(82)
الأحزاب: 49.
(83)
الطلاق: 4.
(84)
المائدة: 3.
(85)
المائدة: 96.
(86)
الأنعام: 145.
وقوله: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً (87) الآية خص بقوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (88). وقوله:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (89). خص بقوله: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ (90).
وقوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (91)، خص بقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (92) الآية. ومن أمثلة ما خص بالحديث قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ (93) خص منه البيوع الفاسدة- وهى كثيرة بالسنة- وَحَرَّمَ الرِّبا، خص منه العرايا (94) بالسنة، وآيات المواريث خص فيها القاتل والمخالف فى الدّين بالسنة. وآية تحريم الميتة خص منها الجراد بالسنة، وآية ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (95) خص منها الأمة بالسنة (96).
وقوله: ماءً طَهُوراً (97) خص منه المتغير بالسنة، وقوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا (98)، خص منه من سرق دون ربع دينار بالسنة. ومن أمثلة ما خص بالإجماع:
آية المواريث خص منها الرقيق فلا يرث بالإجماع، ذكره مكى. ومن أمثلة ما خص بالقياس: آية الزنا فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (99) خص منها العبد بالقياس على الأمة المنصوصة فى قوله: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ (100) المخصص لعموم الآية، ذكره مكى أيضا».
ثم قال السيوطى: «فصل من خاص القرآن: ما كان مخصصا لعموم السنة وهو عزيز، ومن أمثلته قوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (101) خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله).
وقوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى (102)، خص عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى الأوقات المكروهة بإخراج الفرائض، وقوله: وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها (103) الآية خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم:
«ما أبين من حى فهو ميت» ، وقوله:
وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (104).
خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوىّ). وقوله: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (105). خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بالسيف، فالقاتل والمقتول فى النار)».
(87) النساء: 20.
(88)
البقرة: 229.
(89)
النور 2.
(90)
النساء: 25. والمقصود الإماء المتزوجات إن أتين بفاحشة الزنا فعليهن نصف ما على الحرائر الأبكار من العذاب، أى خمسون جلدة نصف حد الحرة البكر كما هو مقرر فى محله من كتب الفقه والتفسير. وخص أيضا عموم الآية المحصن بالسنة فحده الرجم، وسيأتى فيه تخصيص آخر بالقياس.
(91)
النساء: 3.
(92)
النساء: 23.
(93)
البقرة: 275.
(94)
قال فى اللسان: «فى حديث أنه رخص فى العرية والعرايا، قال أبو عبيد: العرايا واحدتها عرية، وهى النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا.
والإعراء أن يجعل له ثمر عامها. والمقصود: أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص لهم فى بيع الرطب على النخل بالتمر على الأرض. حرصا وتقديرا حسب الإمكان، كما فى حديث الصحيحين وغيرهما. وانظر بلوغ المرام للحافظ ابن حجر وشرحه سبل السلام للصنعانى ج 58 إلى ص 60.
(95)
البقرة: 228.
(96)
أى فعدتها قرآن.
(97)
الفرقان: 48.
(98)
المائدة: 38.
(99)
النور: 2.
(100)
النساء: 25.
(101)
التوبة: 29.
(102)
البقرة: 238.
(103)
النحل: 80.
(104)
التوبة: 60.
(105)
الحجرات: 9.
ثم قال السيوطى: فروع منثورة تتعلق بالعموم والخصوص: الأول: إذا سيق العام للمدح أو الذم، فهل هو باق على عمومه؟ فيه مذاهب:
أحدها: (نعم) إذ لا صارف عنه، ولا تنافى بين العموم وبين المدح أو الذم.
والثانى: لا؛ لأنه لم يسق للتعميم بل للمدح أو الذم.
والثالث: وهو الأصح: التفصيل، فهو إن لم يعارضه عام آخر لم يسق لذلك، ولا يعم إن عارضه ذلك، جمعا بينهما. مثاله- ولا معارض- قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (106) ومع المعارض قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (107). فإنه سيق للمدح، وظاهره يعم الأختين بملك اليمين جمعا، وعارضه فى ذلك: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (108)؛ فإنه شامل لجمعهما بملك اليمين، ولم يسق للمدح فحمل الأول على غير ذلك بأنه لم يرد تناوله له. ومثاله فى الذم: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (109) الآية فإنه سيق للذم، وظاهره يعم الحلى المباح. وعارضه فى ذلك حديث جابر:«ليس فى الحلى زكاة» . فحمل الأول على غير ذلك.
الثانى: اختلف فى الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم، نحو: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ هل يشمل الأمة؟ فقيل: نعم؛ لأن أمر القدوة أمر لأتباعه معه عرفا، والأصح فى الأصول المنع لاختصاص الصيغة به.
الثالث: اختلف فى الخطاب ب يا أَيُّهَا النَّاسُ، هل يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ على مذاهب: أصحّها- وعليه الأكثرون: نعم لعموم الصيغة له؛ أخرج ابن أبى حاتم عن الزهرى قال: إذا قال الله: «يأيها الذين آمنوا افعلوا» فالنبى صلى الله عليه وسلم منهم.
والثانى: لا؛ لأنه ورد على لسانه لتبليغ غيره، ولما له من الخصائص.
والثالث: إن اقترن ب «قل» لم يشمله لظهوره فى التبليغ، وذلك قرينة عدم شموله؛ وإلا فيشمله.
الرابع: الأصح فى الأصول أن الخطاب ب «أيها الناس» يشمل الكافر والعبد لعموم اللفظ، وقيل: لا يعم الكافر بناء على عدم تكليفه بالفروع. ولا العبد؛ لصرف منافعه إلى سيده شرعا.
الخامس: اختلف فى «من» هل تتناول
(106) الانفطار: 13، 14.
(107)
المؤمنون: 5، 6.
(108)
النساء: 23.
(109)
التوبة: 34.
الأنثى؟ فالأصح نعم، خلافا للحنفية، لنا قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى (110) فالتفسير بهما دال على تناول «من» لهما، وقوله: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ (111). واختلف فى جمع المذكر السالم هل يتناولهما؟ فالأصح لا، وإنما يدخلن فيه بقرينة، أمّا المكسّر فلا خلاف فى دخولهن فيه.
السادس: اختلف فى الخطاب ب «يا أهل الكتاب» هل يشمل المؤمنين؟ فالأصح لا؛ لأن اللفظ قاصر على من ذكر. وقيل: إن شاركوهم فى المعنى شملهم وإلّا فلا.
واختلف فى الخطاب ب «يأيها الذين آمنوا» هل يشمل أهل الكتاب؟ فقيل: لا، بناء على أنهم غير مخاطبين بالفروع، وقيل: نعم؛ واختاره ابن السمعانى قال: وقوله: «يا أيها الذين آمنوا» خطاب تشريف لا تخصيص (112) أ. هـ.
وقوله فى سادس هذه الفروع بما قال من اختيار ابن السمعانى فى نحو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قد فصل الزركشى- رحمه الله القول فى هذه القضية وكشف فيه عن شبهة ابن السمعانى وأجاب عنها فقال فى كتابه البحر المحيط: (الخامسة: «يعنى من مسائل اشتمال العموم على بعض ما يشكل تناوله» :
الخطاب ب «يأيها المؤمنون» حكى ابن السمعانى فى «الاصطلام» عن بعض الحنفية أنه لا يشمل غيرهم من الكفار لأنه صريح، ثم اختار التعميم لهم ولغيرهم لعموم التكليف بهذه الأمور، وأن المؤمنين إنما خصوا بالذكر من باب خطاب التشريف لا خطاب التخصيص بدليل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا (113) وقد ثبت تحريم الربا فى حق أهل الذمة.
قلت: وفيه نظر؛ لأن الكلام فى التناول بالصيغة لا بأمر خارج. وقال بعضهم:
لا يتناولهم لفظا، وإن قلنا: إنهم مخاطبون إلا بدليل منفصل أو من عدم الفرق بينهم وبين غيرهم وإلا كيف يقال بعموم الشريعة لهم ولغيرهم، وأما حيث يظهر الفرق أو يمكن معنى غير شامل لهم، فلا يقال بثبوت ذلك الحكم لهم؛ لأنه يكون إثبات حكم بغير دليل، والتعلق قدر زائد على الوجوب فلا يثبت فى حقهم بغير دليل ولا معنى (114) أ. هـ والله أعلم.
أ. د/ إبراهيم عبد الرحمن خليفة
(110) النساء: 124.
(111)
سورة الأحزاب: 31.
(112)
الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى: ج 3 من ص 48 إلى ص 58.
(113)
البقرة: 278.
(114)
البحر المحيط فى أصول الفقه، لبدر الدين الزركشى:(ج 3 ص 183).