الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاز المرسل
الإرسال فى اللغة الإطلاق وترك التقييد (1) والمجاز المرسل قسم قائم برأسه من المجاز اللغوى والقسم الآخر هو الاستعارة. والفرق بينهما أن الاستعارة مجاز لغوى
علاقته المشابهة.
أما المجاز المرسل فهو مجاز لغوى علاقته ليست المشابهة بل له علاقات أخرى كالكلية والجزئية. (2)
وسمى مرسلا لأنه لم يقيد بعلاقة واحدة كما هو الشأن فى الاستعارة، بل تتوارد عليه علاقات كثيرة تتعدى العشر علاقات (3).
والراجح أن أول من أشار إلى تسميته ب «المرسل» هو الإمام عبد القاهر الجرجانى، فقد قال وهو يتحدث عن فكرة علاقات هذا النوع من المجاز، إن المكان لا يسمى مجلسا إلا إذا لوحظ جلوس القوم فيه «وليس المجلس إذا وقع على القوم من طريق التشبيه بل على وجه وقوع الشيء على ما يتصل به. وتكثر ملابسته إياه، وأى شىء يكون بين القوم ومكانهم الذى يجتمعون فيه، إلا أنه لا يعتد بمثل هذا، فإن ذلك قد يتفق حيث ترسل العبارة» (4).
فالإشارة إلى تسميته المجاز المرسل تكمن فى قوله «حيث ترسل العبارة» ، وكان الإمام يقصد فعلا بهذا الحديث ما سمى فى ما بعد بالمجاز المرسل؛ لأنه ذكر الكثير من أمثلته وعلاقاته بعد التمهيد له، ثم أخذ عنه البلاغيون هذه الأمثلة، وتحليلاتها عند حديثهم عن المجاز المرسل فى صورته النهائية.
وقد سماه ابن الزملكانى والزركشى «المجاز الإفرادى» (5) وسماه السيوطى «المجاز فى المفرد» وقال: ويسمى المجاز اللغوى (6)
وهاك أمثلة له مع بيان علاقاته من خلالها.
الكلية: من علاقات المجاز المرسل الكلية، ومن ذلك فى القرآن الكريم:
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ (7).
المجاز فى قوله أَصابِعَهُمْ لأن المراد الأنامل أو أطراف الأصابع، فالعلاقة هى الكلية، حيث أطلق الكل (الأصابع) وأراد الجزء (أطراف الأصابع).
* الجزئية: ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ والمجاز فى قوله رَقَبَةٍ حيث أطلق الجزء رَقَبَةٍ وأراد الكل (العبد أو الأمة) وحين تكون العلاقة (الجزئية) فإنه يشترط فى الجزء أن تكون له زيادة اختصاص بالمعنى المراد وقد تحققت هذه الخصوصية فى رَقَبَةٍ لأن الرقيق شبيه بالمربوط من عنقه فى قبضة مالكه.
(1) اللسان والمعاجم اللغوية، مادة: رسل.
(2)
حاشية الدسوقى ضمن شروح التلخيص (4/ 29).
(3)
الإيضاح (270).
(4)
أسرار البلاغة (350).
(5)
البرهان الكاشف (102) والبرهان فى علوم القرآن (2/ 258).
(6)
معترك الأقران (2/ 248).
(7)
البقرة (19).
* اعتبار ما كان: مثل قوله تعالى:
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ أى الذين كانوا يتامى قبل أن يبلغوا سن الرشاد. أما عند بلوغهم سن الرشاد، فهم ليسوا يتامى، والسر البلاغى فى هذا المجاز حث أوصياء اليتامى على المبادرة على دفع أموال من كانوا أوصياء عليهم، فور بلوغهم راشدين، حتى لكأنهم سلموا لهم أموالهم وهم يتامى.
* اعتبار ما سيكون: ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى:
إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (8) والخمر لا يعصر؛ لأنه معصور فعلا، لكن المعنى: أرانى أعصر عنبا يصير خمرا. فالعلاقة اعتبار ما سيكون، والسر البلاغى فى هذا المجاز الإسراع إلى التنفير من الخمر، فهو مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون.
* السببية؛ ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً (9) أى ماء هو سبب الرزق. فقد طوى السبب، وأريد المسبب والسر البلاغى فى هذا المجاز هو إظهار الامتنان على العباد.
الآلية، ومن علاقات المجاز المرسل الآلية والآلة هى التى تستعمل فى إيجاد الحدث ومن هذا النوع فى القرآن الكريم قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (10).
والمجاز المرسل فى كلمة بِلِسانِ حيث أريد منها: اللغة، وبِلِسانِ قَوْمِهِ معناها:
لغة قومه. والذى سوّغ استعمال اللسان فى معنى اللغة، أن اللسان هو آلة أو أداة اللغة فالعلاقة فى هذا المجاز هى الآلية. وقد ظل استخدام اللسان بمعنى اللغة، حتى منتصف القرن الثامن الهجرى. وما يزال يستخدم فى هذا المعنى.
* المكانية: ومن علاقات المجاز المرسل علاقة المحل أو المكان. بأن يطلق المحل أو المكان، ويراد الحالّون فيه. ومن أمثلته فى القرآن الكريم قوله تعالى:
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ (11) والسماء والأرض ليستا من العقلاء حتى تبكيا، والمعنى: فما بكى عليهم أهل السموات، يعنى الملائكة، ولا أهل الأرض، يعنى الناس، ففي السموات والأرض مجاز مرسل علاقته المكانية أو المحلية.
والمجاز المرسل كثير الورود فى القرآن الكريم، وله علاقات أخرى غير ما تقدم (12).
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
(8) يوسف (36).
(9)
غافر (13).
(10)
إبراهيم (4).
(11)
الدخان (29).
(12)
شروح التلخيص (4/ 29).