الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن وما يكتب فيه
أولا: القرآن: أسماؤه وإطلاقاتها لغة وشرعا
قال الجاحظ: «سمى الله كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل. سمى جملته قرآنا، كما سموا ديوانا، وبعضه سورة كقصيدة، وبعضها آية كالبيت، وآخرها فاصلة كقافية (1).
وقد أفرد البعض أسماء القرآن بالتصنيف، فصنف فيها الحرالّيّ جزءا أنهى فيه أسامى القرآن إلى نيف وتسعين (2) اسما.
وقال أبو المعالى عزيزى بن عبد الملك المعروف بشيذلة (3) فى كتاب البرهان:
«واعلم أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما» أهـ.
وإذا كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى غالبا كما يقولون، فإنه لا أشرف من القرآن ولا أجدر منه بالحظوة بكل شرف ورفعة، بيد أن أولئك الذين قد بلغوا بأسماء القرآن إلى هذا الكم الهائل نيّفا وتسعين أو خمسة وخمسين وما إلى ذلك قد أسرفوا، وما لزموا الجادة فى التفرقة بين ما حقه أن يعدّ اسما، وما هو من قبيل الأوصاف التى لا ينبغى نظمها فى سلك الأسماء، فلم يفرقوا بين القرآن الاسم، والحكيم الوصف.
وإنما الجدير أن يعدّ من أسماء القرآن حقا خمسة أسماء:
أولها: وأشهرها على الإطلاق: «القرآن» وفى بيان أصل هذا اللفظ ومأخذه نقول: لم يختلف أحد فى علمية- أى كونه علما- كلمة القرآن على هذا الكتاب الحكيم المجموع بين دفتى المصحف، وإنما الخلاف الواقع بين أهله فى هذه الكلمة فى ثلاثة أمور:
أحدها: هل نقل عن معنى كان قبل العلمية أو لا؟
ثانيها: هل هو مشتق أو مأخوذ من شىء أو لا؟
ثالثها: هل يهمز أو لا يهمز؟ وإن همز فهل همزته أصلية ونونه زائدة أو العكس.
وهاك تفصيل ذلك كله:
1 -
قال قوم منهم اللحيانى (4): «هو
(1) الإتقان ج 1 ص 178.
(2)
البرهان ج 1 ص 273.
(3)
فى المطبوع «سيدلة» بالسين، تصحيف، وشيذلة، ضبطها ابن خلكان بفتح الشين والذال واللام، وقال:«وهو لقب عليه، معناه: مع كشفى عنه» وعزيزى، ضبطه أيضا بفتح العين، هو ابن عبد الله أحد فقهاء الشافعية، وصاحب كتاب البرهان فى مشكلات القرآن. توفى سنة 494 هـ. انظر ابن خلكان ج 1 ص 318، وشذرات الذهب 3/ 401، وكشف الظنون 241.
(4)
اللحيانى: هو أبو الحسن على بن حازم، اللغوى المشهور المتوفى سنة 215 هـ، وقد أفاد ابن سيدة من كتبه فى تأليف (المخصص).
مصدر لقرأت، كالرجحان والغفران، سمى به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر». أه (5).
وهذه المقالة من أصحابها تتضمن أمرين:
أولهما: أن الكلمة التى جعلت علما لهذا الكتاب هى بعينها الكلمة التى جاءت فى اللغة مصدرا بمعنى القراءة، فتكون علميتها منقولة عن المعنى المصدرى، تسمية للمفعول بالمصدر، كاللفظ بمعنى الملفوظ، والمعنى المصدرى ظل مستعملا ولم يهجر مع استعمال الكلمة فى معنى المفعول أيضا.
وثانى الأمرين وهو يترتب على أولهما:
أن هذه الكلمة فى علميتها كما هى فى مصدريتها مهموزة همزتها أصلية ونونها زائدة على زنة فعلان، ومن حذف همزتها كقراءة ابن كثير ونطقها هكذا (قران) فهو من باب التخفيف بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها على وزن (فعان). وهذا القول بما يتضمنه من هذين الأمرين هو المختار الذى لا ينبغى التعويل إلا عليه (6).
فمن ثم وفق الأستاذان الجليلان الزرقانى وغزلان كل التوفيق إذ اختاراه (7).
وهذا الرأى هو ما عليه جمهور من كتب فى علم الأصول كالسعد التفتازانى والجلال المحلى.
2 -
وذهبت طائفة منهم الزجاج إلى أنه: وصف على وزن (فعلان) من القرء بمعنى الجمع.
وعلى ذلك يكون للفظة (القرآن) استعملان فى معنى المصدرية وتكون بمعنى القراءة الوصفية وتكون مشتقة من القرء بمعنى الجمع، والثانى هو العلم على خصوص الذكر الكريم.
وعليه أيضا تكون الهمزة أصلية فى الكلمة والنون زائدة، ومن حذف الهمزة تخفيفا نقل حركتها للساكن قبلها فصارت على وزن (فعان).
والذى أذهب إليه هو ضعف هذا الرأى وإن مال بعضهم إلى اختياره كالآلوسى، وقد ردّ هذا القول أيضا الشيخ غزلان بأن هذه الصيغة غير مألوفة فهى سماعية لا يخرج عليها إلى عند الضرورة، ولا ضرورة هنا (8).
3 -
ونقل الزركشى عن بعض المتأخرين (9) والسيوطى عن قطرب (10) أن:
مادة القرآن هى (قرأ) بمعنى أظهر وبيّن، وأنكر بعض المتأخرين أن تكون من القرء بمعنى الجمع لقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، وهذا القول لم يبين أصحابه هل لفظة (القرآن) مصدر أم وصف على وزن فعلان، وإن كان المتعين من حكاية الزركشى
(5) الإتقان ج 1 ص 182.
(6)
انظر: المسألة التاسعة من تفسير قوله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة 185) من تفسير الجامع لأحكام القرآن (ج 2 ص 298).
(7)
انظر: مناهل العرفان للزرقانى (ج 1 ص 140)، والبيان، للشيخ غزلان (ص 19 - 21).
(8)
البيان فى مباحث من علوم القرآن لغزلان (ص 20).
(9)
انظر: البرهان (ج 1 ص 277).
(10)
انظر: الإتقان (ج 1 ص 182).
أنهم يجعلونها مصدرا من الإظهار وليس الجمع.
وعلى هذا القول تكون الهمزة من أصل الكلمة كسابقه، ولكن أصحاب هذا القول منعوا أن تكون لفظة (قرآنه) فى قوله تعالى:
إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ من القرء بمعنى الجمع أو مصدرا بمعنى القراءة.
والصحيح أن العطف للفظة (قرآنه) على (جمعه) لا يلزم منه التكرار كما قالوا، بل (جمعه) يكون فى قلبه صلى الله عليه وسلم، و (قرآنه) يكون فى اللسان فيكون بمعنى القراءة، أو القرء بمعنى الجمع لحروفه بعضها البعض، وعليه يكون المعنى: أن يقرأ النبىّ صلى الله عليه وسلم ما جمعه الله له فى صدره. وهذا المعنى هو الظاهر الراجح.
ولقد اتفقت الأقوال الثلاثة السابقة فى أمرين هما: علمية لفظة (القرآن) على الذكر الحكيم، وكون الهمزة من أصل كلمة (القرآن).
4 -
نقل الزركشى عن تاريخ الخطيب قول الشافعى: أنه قرأ القرآن على إسماعيل ابن قسطنطين ولم يكن يهمز (القرآن) وأنه كان يجعله اسما ليس مأخوذا من القراءة، ونقل عن الواحدي أيضا نسبة عدم الهمز لقراءة ابن كثير والشافعى وإن همز الأخير (قرأت)، فهى علم مشتق كما قاله جماعة من الأئمة (11).
5 -
ونقل الزركشى أيضا عن البيهقى أنه: نقل عن جماعة أن (القرآن) مشتق من قرنت الشيء بالشىء إذا ضممته، لضمه السور والآيات بعضها لبعض. ونقل عنه نسبة هذا المعنى للأشعرى (12).
6 -
ونقل السيوطى عن القراء أنه:
مشتق من القرائن (13)، لأن الآيات يصدق بعضها بعضا.
والأقوال الثلاثة الأخيرة تتفق فى أمرين هما: أن لفظة (قران) لم تستعمل قبل التنزيل بل هى علم مرتجل وليس منقولا، وأنها غير مهموزة ونونها أصلية فهى على وزن (فعال)، ومن همز تكون على وزن (فعئال) بزيادة الهمزة. هذا كله فى لفظة (قرآن) فى غير آية القيامة.
ويختلف القول الثالث منها عن الآخرين فى جعله لفظة (قران) علما غير مشتق، وهما يجعلانه مشتقا.
وهذه الأقوال الثلاثة ضعيفة؛ لمخالفتها ما أطبق عليه القراء- ما عدا ابن كثير- من إثبات الهمزة، وادعاء زيادتها لأصحاب الأقوال الثلاثة بغير برهان؛ لأن الأصل عدم الزيادة، وهذا ما جعل الزجاج ينسب هذا
(11) انظر: البرهان (ج 1 ص 277) وما بعدها.
(12)
انظر: البرهان (ج 1 ص 278).
(13)
وعبارة الزركشى عن هذا القول: «وقال القرطبى: القرآن- بغير همز- مأخوذ من القرائن» . وهى أدق مما نقل عن الفراء؛ لأن الاشتقاق إما أن يكون من المصدر، وهو المختار الذى عليه مذهب البصريين، وإما أن يكون من الفعل الماضى على ما هو مذهب الكوفيين، والقرائن الذى هو جمع قرينة ليس بمصدر ولا بفعل حتى يشتق
منه، فالقول من مثله غلط محض، أما الأخذ الذى عبر به القرطبى فيما نقل عنه الزركشى فهو أوسع دائرة من الاشتقاق فيصحّ.
القول للسهو، وهو ما أشار إليه الفارسى فى الحلبيات. (14)
ومما يجب الالتفات إليه أن أصحاب الأقوال السابقة جميعها لا ينكرون مجىء لفظة (قرآن) مصدرا فى اللغة، ولكنهم عند ما يختلفون يتكلمون عن كلمة أخرى؛ لأنهم صرحوا بنسبة (القرآن) للاستعمال فى المصدرية، صرح بذلك الفراء والقرطبى، ويصعب أن يغيب مثل هذا الثابت فى اللغة عن أمثال الشافعى والفراء.
وأما ثانى أسمائه: فهو: «الفرقان» وقد سماه الله به فى قوله تعالى من سورة آل عمران: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ (15) وقوله جل قائلا: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (16). وفى تفسير هذا الاسم يقول الزركشى فى البرهان: «وأما تسميته «فرقانا» ؛ فلأنه فرق بين الحق والباطل، والمسلم والكافر، والمؤمن والمنافق، وبه سمى عمر بن الخطاب الفاروق». (17)
وذهب لمثل هذا المعنى الآلوسي وإن زاد أنه قد يكون سمّى بذلك لفصل بعضه عن بعضه الآخر، أو لكونه نزل مفصلا وليس دفعة واحدة كغيره من الكتب، وزاد أيضا أنه مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول. (18)
ومما سبق نقله تكون كلمة (الفرقان) تطلق ويراد منها الفاعل أى الفارق؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، وتطلق ويراد منها المفعول أى المفروق بين سوره أو بين نجومه فى نزوله، أو المفروق فيه بين الحق والباطل.
وقد رد العلامة الآلوسي جميع أسماء القرآن وأوصافه لهذين الاسمين (القرآن والفرقان)؛ ولذا اقتصر عليهما. (19)
وأما ثالث هذه الأسماء الخمسة: فهو «الكتاب» . قال الآلوسي رحمه الله فى تفسيره من قوله تعالى سورة البقرة: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ (والكتاب كالكتب مصدر كتب ويطلق على المكتوب كاللباس بمعنى الملبوس (19)، والكتب كما قال الراغب: ضم أديم إلى أديم بالخياطة. وفى المتعارف: ضم الحروف بعضها إلى بعض. والأصل فى الكتابة النظم بالخط، وقد يقال ذلك للمضموم بعضه إلى بعض باللفظ، ولذا يستعار كل واحد للآخر، ولذا سمّى (كتاب الله) وإن لم يكن كتابا، والكتاب هنا إما باق على المصدرية وسمى به المفعول للمبالغة أو هو بمعنى المفعول، وإطلاقه على المنظوم عبارة قبل أن تنتظم حروفه التى يتألف منها
(14) انظر: البرهان (ج 1 ص 278).
(15)
سورة آل عمران (3، 4).
(16)
سورة الفرقان آية (1).
(17)
انظر: البرهان (ج 1 ص 280).
(18)
روح المعانى، للآلوسى (ج 18 ص 231).
(19)
روح المعانى، للآلوسى (ج 1 ص 8).
فى الخط تسمية بما يؤول إليه مع المناسبة.
ويطلق الكتاب كالقرآن على المجموع المنزل على النبى المرسل صلى الله عليه وسلم وعلى القدر الشائع بين الكل والجزء) (20) أهـ.
وبعد هذا التحرير لأمر هذه الأسماء الثلاثة، لم يبق غير ردّ دعاوى بعض أتباع المستشرقين من أمثال بلاشير وكرنكو عند ما يذهبون إلى عدم أصالة هذه الألفاظ الثلاثة فى اللغة العربية، وأنها ترتد لأصل آرامى. (21)
وهذا باطل أيضا من جهة أخرى: أن استعمال العرب هذه الألفاظ قبل التنزيل كان كافيا لتعريبها.
وأما رابع هذه الأسماء فهو «التنزيل» قال فى تفسيره الزركشىّ رحمه الله: «وأما تسميته (تنزيلا)؛ فلأنه مصدر نزلته لأنه نزل من عند الله على لسان جبريل؛ لأن الله تعالى أسمع جبريل كلامه وفهمه إياه كما شاء من غير وصف ولا كيفية، فنزل به على نبيه، فأداه هو كما فهمه وعلمه» أهـ (22).
وقد جاء ذكر هذا اللفظ- أعنى لفظ التنزيل- فى نحو قوله تعالى من سورة الشعراء: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ وقوله فى سورة الحاقة تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وأما خامس هذه الأسماء فهو: «الذكر» كما فى قوله تعالى فيما قال جوابا على المتهكمين على القرآن ونبيه صلى الله عليه وسلم: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الآية. وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. (23) وقوله علا وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ الآية.
وقوله سبحانه: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ. وقوله جل من قائل: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (24). وقوله تعالى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ. (25)
والذكر مصدر ذكر يذكر، فإطلاقه على التنزيل المجيد إما لكونه ذاكرا للناس ما يصلح أمر معاشهم ومعادهم مذكّرا بما فيه من البشارة والنذارة، فيكون من إطلاق المصدر على الفاعل، وإما لكونه مذكورا بفضله وشرفه، وبالقلب وعيا وإجلالا، وباللسان تلاوة وعلما، مذكورا فيه ما لا يستقيم أمر الخلق إلا به، فيكون من إطلاق المصدر على المفعول.
ويجوز أن يكون من الذكر بمعنى الشرف لكونه شريفا فى نفسه مشرفا لمن انتسب إليه وتخلق به. قال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ وقال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ
(20) روح المعانى، للآلوسى (ج 1 ص 106).
(21)
انظر: مباحث فى علوم القرآن (ص 17 - 19).
(22)
انظر: البرهان (ج 1 ص 281).
(23)
سورة الحجر آية (9).
(24)
سورة الزخرف آية (44).
(25)
سورة الأنبياء آية (50).
لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. فيكون من الإطلاق الأول- أعنى إطلاق المصدر على الفاعل-.
وعبارة الزركشى رحمه الله فى تفسير هذا الاسم: «وأما تسميته ذكرا» فلما فيه من المواعظ والتحذير وأخبار الأمم الماضية، وهو مصدر ذكرت ذكرا.
والذكر: الشرف. قال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أى: شرفكم أه. (26)
وبعد فهذه هى الأسماء الخمسة لهذا الكتاب العظيم أغفل الطبرى رحمه الله منها رابعها وهو التنزيل، بيد أن هذا الاسم قد صار من أشهر أسمائه فى عرف جميع المنتسبين إليه من العلماء فمن دونهم. قال الشيخ طاهر الجزائرى فى كتابه (التبيان):
«وقد كثر تداول العلماء لهذا الاسم: فتراهم يقولون: ورد فى التنزيل كذا، ولم يرد فى التنزيل كذا إلى غير ذلك، وهو يعنون بالتنزيل القرآن» أه. (27) قال شيخنا
الحقيقة الشرعية لهذه الأسماء وإطلاقاتها (علم الشخص- اسم الجنس)(القرآن): تعددت إطلاقات القرآن بالمعنى الشرعى تبعا لتعدد اعتبارات ما يراد منه، فتارة يراد باعتباره لفظا منطوقا، وتارة باعتباره نقشا مرموقا فى المصحف، وثالثة باعتباره الكلام النفسى القائم بذاته الأقدس جل جلاله.
وقد اتفق العلماء على صحة إطلاق (القرآن) على اللفظ المنطوق بالألسنة، وعلى النقش المرقوم فى المصحف، سواء كان هذا الإطلاق من خلال جعله علم شخص بأن يكون هذا الإطلاق على المجموع المؤلف من مائة وأربع عشرة سورة بحركاتها وسكناتها، أم كان من خلال اسم الجنس الذى يطلق فيه الاسم (القرآن) على كل القرآن أو بعضه؛ لأنهما يشتركان فى قدر مشترك ولكنهم يختلفون فى إطلاقه على الكلام النفسى القائم بذاته.
(26) انظر: البرهان (ج 1 ص 279).
(27)
انظر: البيان (ص 123).
(28)
البيان (ص 22). وقوله رحمه الله: (وكلها أعلام بالغلبة) غلبة العلمية هى أن يكون للاسم عموم بحسب الوضع فيعرض له الخصوص فى استعماله لغلبة إطلاقه على شىء بعينه، ثم إن كان استعمل فى غير ما غلب عليه كالعقبة والنجم فالغلبة تحقيقية، وإن لم يستعمل فى غيره أصلا مع صلوحه لذلك بحسب وضعه فتقديرية. انظر حاشية الخضرى على ابن عقيل (ج 1 ص 87). والأسماء الخمسة استعملت بالفعل فى فرد آخر مندرج تحتها فهى من الغلبة التحقيقية.