الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكل قراءتهم كانت من الكتب، ولكن هذه الأمة تحفظ كتابها بحركاته وسكناته. ونقل عن أبى عبيد القاسم بن سلام أنه فى أول كتابه «القراءات» ذكر كثيرا من الصحابة الذين رويت عنهم القراءة. وذكر ابن الجزرى أن هذه الكثرة التى ذكرها أبو عبيد كانت على جهة المثال فقط لا الحصر. فلا شك أن عددا كبيرا من الصحابة كان يحفظ القرآن.
أما ما روى من أحاديث فى حصر من جمع القرآن فى أربعة هم: أبىّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
الحديث فى صحيح البخارى عن أنس (4).
وفى رواية أخرى: استبدال أبىّ بأبى الدرداء، وفى الرواية الثانية: حصر الجامعين بالنفى فى الأربعة فقال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة. فقد ذهب بعض العلماء إلى اضطراب هذه الروايات وتضعيفها، مع ملاحظة كونها موقوفة على الصحابى. وهذا ما مال إليه القاضى الباقلانى فى «الانتصار» ولكنه ذكر أوجها متكلفة فى تأويله.
ومن أمثل ما قيل فى توجيه روايتى أنس، ما ذكره الحافظ ابن حجر وملخصه: أن أول الحديث كان فيه نوع تفاخر بين الأوس والخزرج، فتفاخر الأوس بأربعة، وتفاخر الخزرج بأربعة جمعوا القرآن. ثم ذكر أنه قد يراد هذا الحصر فى الخزرج فقط، فلا ينفى ذلك عن غيرهم من الصحابة. ونقل احتمال التوجيه بأن أنسا اقتصر عليهم لتعلق غرضه بهم، وحكم عليه بالبعد. ثم ذكر أن الظاهر من أحاديث كثيرة حفظ أبى بكر الصديق للقرآن فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وقد قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس وكان قد قال:«يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله» .
وذكر عن علىّ أنه جمع القرآن على ترتيب النزول بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن عمر، وابن مسعود، وسالم مولى أبى حذيفة روى عنهم جمعهم للقرآن. وقد ذكر ابن أبى داود فى كتاب «الشريعة» تميم بن أوس الدارى، وعقبة بن عامر أنهما جمعاه. وعدّ معهم أبو عمرو الدانى: عمرو بن العاص، وسعد بن عبادة، وأم ورقة.
ثانيا: جمع القرآن بمعنى كتابته:
لكتابة القرآن ثلاثة عهود: أحده
ا: عهد النبى صلى الله عليه وسلم
، ثانيها: عهد أبى بكر الصديق رضي الله عنه، ثالثها: عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(أ) عهد النبى صلى الله عليه وسلم:
وقعت الكتابة للقرآن رسميا وشخصيا، فقد كتب القرآن بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على
(4) الجامع الصحيح (كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.
المستوى الرسمى بكتابة القرآن، واتخذ كتابا للوحى، وقد بوب البخارى بابا سماه (كاتب النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه إلّا زيد بن ثابت، وذكر الحافظ أربعة عشر. وما يدلّ على الكتابة الرسمية ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس عن عثمان بن عفان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتى عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: ضعوا هذه فى السورة التى فيها كذا» (5).
وما أخرجه الحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع» (6) الحديث. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
فهذان الحديثان فوق دلالتهما على الكتابة الرسمية يدلان على التوقيف فى ترتيب آيات السور.
وتأليف القرآن المقصود: جمعه وترتيبه كما صرح بذلك الحافظ فى «الفتح» . (7)
أما الكتابة على المستوى الشخصى، فلا شك أن الصحابى الذى كان يعرف الكتابة كان يكتب لنفسه، ويدلّ على وقوع تلك الكتابة حديث أبى سعيد عند مسلم فى (كتاب الزهد باب التثبت وحكم كتابة العلم)، أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه» . وسواء كان النهى لعدم اختلاف الكتاب بالسنة، أم كان النهى بخصوص كتابة السنة مع القرآن، أم لتوجيه الهمة للقرآن وحده سواء علينا أكان هذا أم ذاك، فإن الحديث صريح فى كتابة القرآن، بل فيه حض عليه. فالكتابة على المستويين تمت ووقعت فى عهده صلى الله عليه وسلم.
والسؤال: على أى شىء كانوا يكتبون؟
يقول زيد بن ثابت فى حديثه فى جمع القرآن: «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب، واللخاف، وصدور الرجال» . وقد شرح الحافظ بعض هذه الألفاظ فذكر: أن العسب- بضمتين ثم موحدة- جمع عسيب، وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون فى الطرف العريض. وقيل: العسيب طرف الجريدة العريض الذى لم ينبت عليه الخوص، والذى ينبت عليه الخوص هو السعف.
ووقع فى رواية ابن عيينة عن ابن شهاب:
«القصب، والعسب، والكرانيف، وجرائد النخل» . ووقع فى رواية شعيب «من الرقاع جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد» . وفى رواية عمار بن غزية: «وقطع الأديم» وفى رواية ابن أبى داود من طريق أبى داود الطيالسى عن إبراهيم بن سعد:
«والصحف» .
(5) انظر: فتح البارى: (ح 9 ص 22).
(6)
انظر: كتاب التفسير من المستدرك على الصحيحين تحت عنوان: جمع القرآن لم يكن مرة واحدة.
(7)
انظر: الفتح (ح 9 ص 39).