الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعجاز العلمى للقرآن الكريم
تعريف الإعجاز العلمى:
الإعجاز لغة: مشتق من العجز. والعجز:
الضعف أو عدم القدرة.
والإعجاز مصدر «أعجز» : وهو بمعنى الفوت والسبق (1).
والمعجزة فى اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدى، سالم من المعارضة (2).
وإعجاز القرآن: يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله، أى نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله.
ووصف الإعجاز بأنه علمى نسبة إلى العلم.
والأصل فى معنى «العلم عند العرب هو الإدراك الصحيح لحقائق الأشياء، وهو معنى مطلق غير مقيد بتخصيص بعينه، والإطلاق:
يفيد الشمول والتعميم. أما تصنيف العلوم إلى دينية ودنيوية، أو نقلية وعقلية، أو شرعية وكونية، أو نظرية وتجريبية، أو إنسانية وطبيعية، أو غير ذلك، فهو تصنيف يعتمد على الصفات المعبّرة عن موضوعات العلم، أو مصادره، أو الطرائق التى يتم تحصيله بها بحسب تناسبها وقرب بعضها من بعض. وقد يخصص العلم بموضوع معين، فيقال:«علم التفسير» أو «علم اللغة» أو «علم التاريخ» أو «علم الفلك» أو «علم الأحياء» ، أو غير ذلك من مختلف فروع العلم (3).
والمقصود بالعلم الذى ينسب إليه مصطلح «الإعجاز العلمى للقرآن الكريم» هو العلوم الكونية التجريبية الباحثة فى ظواهر الكون والحياة.
وعليه: فإن «الإعجاز العلمى» للقرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة هو إخبارهما بحقيقة كونية أثبتها العلم التجريبى، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مما يظهر صدقه فيما بلّغ عن رب العزة سبحانه وتعالى (4). ووصف الإعجاز هنا بأنه علمى نسبة إلى العلم التجريبى المعنىّ بدراسة الظواهر المطردة فى الآفاق وفى الأنفس وصولا إلى القوانين التى تفسر سلوكها وتعلل حدوثها بحيث تنكشف
(1) راجع لسان العرب لابن منظور، مادة «عجز» ، والمفردات للراغب الأصفهانى ص 322.
(2)
انظر معنى ذلك فى تفسير القرطبى 1/ 96 وفتح البارى 6/ 581.
(3)
د. أحمد فؤاد باشا، رحيق العلم والإيمان، دار الفكر العربى، القاهرة، 1422 هـ- 2002 م، ص 26.
(4)
عبد المجيد الزندانى، الإعجاز العلمى تأصيلا ومنهجا، مجلة الإعجاز، هيئة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة، رابطة العالم الإسلامى، مكة المكرمة، العدد الأول صفر 1416 هـ- يوليو 1995 م.
حقائق الأشياء انكشافا تاما، وتتجلى حقيقة الحقائق متمثلة فى الإيمان الخالص على هدى وبصيرة بالخالق الواحد، مصداقا لقوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (5).
والعلاقة بين آيات الحق فى القرآن والكون تجمع فى ترابط محكم بين إعجاز السبق والبيان فى كتاب الإسلام الخالد، وإعجاز القدرة الإلهية فى كتاب الكون اللانهائى، ليدلى كل إعجاز بشهادة تسليم وتصديق للآخر، وليكون فى الإعجازين عبرة لكل ذى عقل رشيد، أو لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فكما أن الأدلة القاطعة برهنت على أن القرآن الكريم لا يمكن إلا أن يكون من عند الله الواحد، بدليل عدم الاختلاف بين آياته، كذلك فإن النظام الكونى المعجز بكل ما فيه من تدبير وإحكام لا يمكن إلا أن يكون من صنع الله الذى أتقن كل شىء.
وينبغى أن ندرك هنا أن المعجزة نوعان ينبغى التمييز بينهما، كى نطلب المعجزة التى يجب أن تطلب، ونتورع عن طلب المعجزة التى لا تجدى أحدا من العقلاء (6).
أما النوع الأول فهى المعجزة التى تتجه إلى العقل، وهى موجودة يلتقى بها من يريدها حيثما التفت إليها، متمثلة فى الإطراد المنتظم لظواهر الكون والحياة التى لا تتبدل ولا تتحول، قال تعالى:
…
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (7).
وأما النوع الثانى فهى المعجزة التى تكون من خوارق العادات، فهى التى تدهش العقل وتضطره بالإفحام القاهر إلى التسليم، وهى ليست بحاجة إلى قدرة أعظم من القدرة التى نشهد من بدائعها ما يتكرر أمامنا كل يوم وكل ساعة. والعالم الحق أحرى أن يعرف موضع العجب فيما يشاهده من سنن الله الكونية المألوفة فى دوران الأفلاك وخصائص المادة وسلوك الكائنات والظاهرات، فليست ألفته لها مما يصح أن يبطل العجب منها، ومن قال هذا فهو هازل مستخف بالمعجزة التى تخاطب العقل وتستثير ملكاته، وهو أيضا عاجز عن أن يجد فى هذه المعجزة يد العناية الإلهية التى تسيّر حركة الكون والحياة.
وقد غاب مثل هذا التمييز الواضح بين نوعى المعجزة عن كثير من الباحثين الذين يقفون بتفكيرهم عند حد «التفسير العلمى» للظاهرة الكونية، أو الذين يقحمون أنفسهم فيما لا يدركه العقل البشرى المحدود من خوارق العادات التى لا تخضع للنواميس الطبيعية ولا للتجارب البشرية.
(5) سورة فصلت: 53.
(6)
عباس محمود العقاد، التفكير فريضة إسلامية، منشورات المكتبة العصرية، بيروت- صيدا، بدون تاريخ للنشر.
(7)
سورة فاطر: 43.