الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأزهر، فى احتفال المسلمين هناك بمضى مائة عام على بناء أول مسجد فى جنوب إفريقيا، وكان تفسير العلماء هناك لهذه الظاهرة أن ماء المحيط الأطلنطى بارد بمقدار ثلاث درجات عن مثيلاتها من مياه المحيط الهندى فيتخلق هذا البرزخ المائى العظيم بسبب هذا الفرق الواضح بين درجتى حرارة المحيطين العظيمين.
إن منن الله العظمى فى المياه التى تكسو وجه الأرض لا يمكن أن تحصى أو تستقصى.
ومن خير ما نختتم به منة الله فى كتابه العزيز بالمياه عامة، وبالعذبة منها خاصة.
تلك المنة العظمى من الخالق الأعظم الذى يجعل المياه العذبة تتفجر من الحجارة الصلدة عذبة ذلالا سائغة للشاربين تروى الظمأ، وتحيى الأرض الميتة، وذلك فى قوله- عز وجل فى وصف قسوة قلوب اليهود:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (33).
وهذه المنة الكبرى متعددة الظهور خاصة فى المناطق الجبلية فى جبال الشام، وجبال أوروبا وأمريكا، ولقد أنعم الله على كاتب هذه السطور بأن رأى كميات المياه العظيمة العذبة الباردة تتفجر من جبل فى سهل البقاع بلبنان من أرض الشام، فتصنع نهرا كبيرا مشهور ومعروفا، يشق سطح الأرض المنبسطة حينا، والجبلية حينا لمسافة مئات من الكيلومترات حتى تصل إلى الأراضى التركية فى شمال بلاد الشام، فتصنع الخضرة والرّى والنماء فى تلك البقعة المباركة من أرض المسلمين.
نهاية الحياة الدنيا، وقيام الساعة
إن الله- سبحانه وتعالى هو خالق الموت والحياة، ولقد قدّم الموت على الحياة لارتباطه بالحياة الآخرة وهى الدار الباقية، ومثابة الخلود، وفيها ينال المحسن إحسانه فيكون من أهل الجنة، ويلقى المسيء جزاءه بما قدّمت يداه عدلا من الله وحقا، ومن هنا كان على المرء من عباد الله أن يتدبر هذا اليوم تدبرا موصولا حتى يكثر من الخير، ويبتعد عن الشر، وأن يظل مؤمنا بأن للكون خالقا قادرا بيده مقاليد الدنيا والآخرة، ومن ثم كان من منن الله الكبرى فى كتابه العزيز أن نبّه الناس إلى ذلك اليوم الذى تنتهى فيه الحياة الأولى، ويكون البعث، والنشور، والحساب، والمصير إلى جنة عرضها السموات والأرض، أو إلى جهنم التى أعدت للكافرين.
(33) سورة البقرة: 74.
ولقد نبهنا الله- سبحانه وتعالى إلى أن للآخرة علامات، وأن لنهاية الدنيا معالم، ذكرت فى آيات كثيرة من كتاب الله العزيز، وفى ذلك يقول الحق- جل جلاله:
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (البقرة: 251).
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (34).
وتبصيرا للعباد بذلك اليوم العصيب التى تزلزل فيه أركان الأرض إيذانا بنهايتها وانتهاء الحياة على وجهها، تحدث الزلزلة الكبرى التى يتزلزل معها الكيان الإنسانى وذلك فى قول الله- جل وعز- فى سورة الزلزلة: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8). (35)
ويصف الله- خالق الخلق- وبارئ الأرض والسماء، وملك يوم الدين، هذا اليوم بيوم الفصل، ويفصّل- جل جلاله أحداث ذلك اليوم، وما يمن به على المحسنين من عباده من حسن الجزاء، وعلى العاصين أتباع الشيطان وما يقع عليهم من عقاب، فيقول جلت قدرته، وتباركت أسماؤه: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً إلى نهاية الآية رقم 30 من سورة النبأ.
ومن الصور القرآنية التى تناول المولى فيها- جلت قدرته- وصف فزع الكون ممن فى السموات والأرض، والجبال الراسيات وهى تمر مر السحاب فى قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (سورة النحل: 87، 88).
وفى موضع آخر من الكتاب العزيز يتجلى المولى على خلقه بمزيد من المنن فى وصفه خطر هذا اليوم تذكيرا للغافلين، وتنبيها للمنكرين، وتفزيعا للكافرين فهو يوم الفزع الأكبر الذى مقداره خمسون ألف سنة فيقول- جلت قدرته: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
(34) سورة يونس: 24.
(35)
سورة الزلزلة: السورة كاملة.
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (36).
وفى صورة جليلة من سور القرآن الكريم يجرى إطلاق اسم «الواقعة» على هذا اليوم الرهيب الذى ترجّ فيه الأرض رجّا، وتبث فيه الجبال بثا، ويصنّف الخلق فيه تصنيفا يتسق مع أعمالهم: إن شرا فهم من أصحاب المشأمة، وإن خيرا فهم المقربون فى جنات النعيم، وذلك فى قوله- عز وجل: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (37).
ومن آيات الله العظمى وآياته الكبرى أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ فإذا دعاهم دعوة من الأرض أسرعوا خارجين. فهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو القاهر فوق عباده فيقول تباركت أسماؤه: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (38).
والله- سبحانه وتعالى عدلا منه وإنصافا يصف المقصر بتقصيره، والمفسد بفساده تذكيرا بذلك اليوم العظيم، وتنبيها إلى القيامة، ومجىء الآخرة ونهاية الدنيا، ثم ينبه إلى النفس المطمئنة التى عملت أعمالا صالحة فيزيل عنها الروع، ويبعث فى أعطافها الاطمئنان كل ذلك يتضمنه قوله الكريم: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)(39).
أ. د. مصطفى الشكعة
(36) سورة المعارج: الآيات 4 - 18.
(37)
سورة الواقعة: الآيات 1 - 12.
(38)
سورة الروم: الآيات 25 - 27.
(39)
سورة الفجر: الآيات 17: 30.