الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطافية فوقها، وبحالة واضحة من المرونة واللدونة تجعل الألواح تنزلق فوقها بسهولة ويسر نتيجة لدوران الأرض حول محورها أمام الشمس. ويصبح سطح الأرض فى هذه الحالة بالنسبة للإنسان أشبه بالفراش المريح أو المهاد الممتد اللذين هيأهما الله تعالى لتسهيل الحياة، وامتنّ بهما على عباده فى قوله تعالى: وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (31).
كذلك أثبتت أبحاث العلماء أن مراكز كل من الهزات الزلزالية والفورانات البركانية تحتشد حول الصدوع الفاصلة بين ألواح الغلاف الصخرى للأرض، حيث يحدث اللقاء بين هذه الألواح (الصفائح) على امتداد حوافها أو أطرافها، أو يحدث التباعد عن بعضها البعض، أو يحدث أن يتحرك أحد الألواح بمحاذاة الآخر جنبا إلى جنب بدون تقابل أو تباعد. وفى ضوء هذه الحركات يمكن الربط بين السلوك الداخلى للأرض وبين كل العمليات الأساسية التى تشاهد على سطحها وتغيّره منه بصورة مستمرة. مثال ذلك ما أثبته العلماء عند خطوط التباعد بين ألواح القشرة الأرضية، حيث تتسع قيعان البحار والمحيطات، وتندفع الصهارة الأرضية من نطاق الوهن (الضعف) الأرضى لتملأ الحيز الناشئ عن تباعد تلك الألواح، مكونة شريحة من صخور بازلتية جديدة تضاف لقاع المحيط الذى يواصل عملية الاتساع، ثم تنشق هذه الشريحة البازلتية فى منتصفها من جديد بفعل عملية التصدع المستمرة فى قشرة الأرض، ويندفع نصفاها متباعدين عن بعضهما البعض ليمتلئ الحيز الناشئ بينهما بصهارة بازلتية جديدة، تيبس لتتصدع فى وسطها من جديد، وتتكرر العملية بمعدلات بطيئة ولكنها تؤدى فى النهاية إلى استمرار اتساع قيعان البحار والمحيطات لأقصى مدى ممكن، ثم تتوقف عملية الاتساع وتعود البحار والمحيطات إلى الانغلاق بعملية معاكسة حتى تتلاشى تماما من فوق سطح الكرة الأرضية، كذلك تعمل صدوع الأرض على إثراء الغلاف الصخرى بمختلف العناصر والمركبات على هيئة العديد من المعادن والركازات التى تندفع من الحمم البركانية الصاعدة إلى سطح الأرض عبر تلك الصدوع التى لولاها ما استقامت حياة الأحياء.
فتبارك الحكيم العليم الذى خلق الأرض ذات الصدع، وجعل من صدوعها مقوما أساسيا من مقومات الحياة واستمرارها على سطحها.
3 - فى آيات الجبال:
من أوجه الإعجاز العلمى للقرآن الكريم فى آيات الجبال ما يتعلق بنشأتها وتكوينها
(31) سورة الذاريات: 48.
وسبب اختلاف ألوانها الذى يعود إلى اختلاف المواد التى تكوّن صخورها. فالجبال البيضاء تتكون أساسا من الطباشير والحجر الجيرى، والجبال السوداء يكثر فيها المنجنيز والفحم، والجبال الحمراء غنية بالحديد، وغير ذلك من الجبال النارية تتكون من الجرانيت والبازلت، وتحتوى على عروق الحديد والنحاس والذهب ومعادن أخرى تؤدى إلى تعدد ألوان الجبال وأنواعها. ومن دلائل القدرة الإلهية هنا أن التباين فى أحوال الجبال وألوانها وأنواعها، رغم أنها ترجع أصلا إلى أرض واحدة كانت تكوّن مع الشمس والسموات رتقا واحدا، يشير إلى الله الواحد القهار الذى أوجد هذا التباين أيضا فى الناس والدواب والثمار، وحث العلماء على اكتشاف الحكمة من ورائه، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (32).
من ناحية أخرى، ورد تشبيه الجبال بالأوتاد فى قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (33)، وفى هذا إعجاز علمى رائع، فالجبال فيما يتبادر إلى الذهن تشبه الأوتاد من ناحية البروز عن سطح الأرض ومن ناحية الرسوخ فيها. ولقد كشف العلم حديثا أن للجبال جذورا تمتد إلى الأغوار العميقة إلى عمق يصل إلى حوالى 75 كيلومترا. وغرس الجبال على هذا النحو فى الطبقة اللزجة التى تحت طبقة الصخور هو الذى يساعد على تثبيت القارات ويمنعها أن تطوف أثناء دوران الأرض، فهذه الأوتاد المغروسة فى الطبقة اللزجة التى تحت القارات تعمل على تثبيت القارات كما يثبّت الوتد الخيمة إذا غرس فى تراب الأرض.
كذلك يعمل بروز الجبال على استقرار سطح الأرض، حيث تبرز قشرة الأرض فى موضع ما فتصبح جبالا نتيجة ضغوط أثرت على أطراف طبقات أفقية من الصخور، ثم تستقر القشرة الأرضية على هذا الوضع.
وثمّة نقطة علمية أخرى هى أن أول ما برد من الأرض أثناء تكوينها هى قشرتها الخارجية فتجمدت وظل باطنها ساخنا على هيئة سائل وغاز، وأثناء برودة القشرة تغضنت، فما ارتفع من أجزائها كوّن الجبال والهضاب، وما انخفض كوّن السهول والوديان وقيعان المحيطات. فلولا بروز الجبال لتشققت القشرة وظهرت بها فجوات وفتحات كثيرة، ولثارت البراكين واضطربت الأرض
(32) سورة فاطر: 27 - 28.
(33)
سورة النبأ: 6، 7.