الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) سنن الإيمان بوحدانية الله وتنزيهه سبحانه
إن الإيمان بالله- سبحانه- ربا واحدا لا شريك له، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هو روح الوجود وسنام العقيدة التى على مكوناتها تستقيم شئون الكون كله، والبشرية جزء منه.
وقد تكفّل كتاب الله ببيان ذلك فى كثير من السور ما كان مكيا فيها وما كان مدنيا، وتكتمل الوحدانية والتنزيه فى قوله- عز وجل فى سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
وكذلك يتجلى التوحيد والتنزيه فى الآية الكريمة من سورة البقرة الآية 255 التى اصطلح على تسميتها بآية الكرسى وهو قوله عز وجل: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
وفى الساحة الإيمانية التنزيهية الموحدة يأتى قول الله- جل وعز- فى سورة الحشر الآية 24: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فالآية تجمع بين التوحيد وعلم الغيب والشهادة، والتنزيه بذكر خمسة عشر اسما من الأسماء الحسنى التسعة والتسعين، ويستطيع المتأمل الراشد أن يتبين كم من صيغ التوحيد والتنزيه مفردة ومجتمعة حفلت بها الآية الكريمة من كتاب الله.
ثم يعظّم من شأن الألوهية وحتمية وجودها: شهادة الخالق- جل جلاله مقرونة بشهادة ملائكته وعلماء بنى الإنسان الذين كرّمهم بذكر شهادتهم تالية لشهادته تباركت أسماؤه، مؤكدة وحدانيته، وأن الدين عند الله هو الإسلام. يقول الحق تبارك وتعالى فى
هذا الشأن: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (1).
ثمت بيان آخر فى الآية حول أهل الكتاب وإصرارهم على كفرهم بعد ما جاءهم من صريح العلم بأن الدين عند الله هو الإسلام وهذا الإصرار مصدره الإصرار على مقام السيادة والرئاسة على قومهم وحسدهم بعضهم بعضا.
وتجىء هذه السنة الإلهية فى صيغة إيمانية فيها مزيد من الشمول وكثير من التفصيل فى قول الله تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (2).
ومن الآيات القرآنية التى تحمل سنن الله فى كمال الإيمان غير المشوب بما يعكر صفوه وينزهه عن الشوائب «آية البر» التى تتجمع فى أعطافها جواهر الإيمان وعناصره الأصيلة التى تجعل ممن يعمل بها مؤمنا بمفرداتها ممارسا لسائرها، قول الله جل ثناؤه: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (3).
إن لهذه الآية طبيعة خاصة فى أنها تنبه إلى فعل الخير وأنه ليس مقصورا على إقامة الصلوات، وأداء الفرائض وحسب، وبذلك يظهر المؤمن أنه قد أدى واجبه نحو ربه وأنه أدى ما عليه من دين، ولكن الأمر أوسع من ذلك بكثير، إن الأمر يتمثل فى تلك التوجيهات الربانية والتوجيهات الإيمانية التى قدمها القرآن الكريم واضحة المعالم والقسمات ظاهرة المعانى والتفصيلات فى نص تلك الآية الكريمة من سورة البقرة.
أ. د/ مصطفى الشكعة
(1) سورة آل عمران الآيتان 18، 19.
(2)
سورة آل عمران الآيتان 84، 85.
(3)
سورة البقرة 177.