الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعارة المكنيّة
مادة كنى يكنى تدور لغة حول الخفاء والغموض. والاستعارة المكنية- وتسمى الاستعارة بالكناية، والاستعارة المكنى عنها- هى قسمية الاستعارة التصريحية، التى يصرح فيها بذكر المشبه به، مع حذف المشبه؛ لأن الاستعارة- عموما- تشبيه حذف منه ثلاثة أركان.
وجه الشبه، ويسمى فى الاستعارة «الجامع» وأداة التشبيه، وهذان الحذفان لازمان فى كل استعارة ثم بعد حذفهما إما أن يحذف المشبه، ويذكر الشبه به فتكون الاستعارة تصريحية. وإما أن يحذف المشبه به، ويذكر المشبه فتكون الاستعارة مكنية.
ويشترط فيها أن يكون فى الكلام ما يدل دلالة قوية على المشبه به المحذوف؛ لأنه عمدة فى كل استعارة.
وكان الإمام عبد القاهر أول من لفت الأذهان إلى تقسيم الاستعارة باعتبار طرفيها إلى:
استعارة تصريحية.
استعارة مكنية.
ولكنه لم يسمهما بل اكتفى بإيراد الفروق بينهما مع التمثيل الوافى ببيان المراد من كل منهما (1).
وبهذا مهّد الإمام الطريق لمن جاء بعده فى تأصيل القول فى كل من الاستعارة التصريحية، والاستعارة المكنية فجاء من بعده السكاكى وقال فى تعريفها:
هى أن تذكر المشبه وتريد به المشبه به دالا على ذلك بنصب قرينة .. وهى أن تنسب إليه شيئا من لوازم المشبه به (2).
وتابعه بدر الدين بن ابن مالك فقال:
«هى أن تذكر المشبه وتريد به المشبه به؛ وتدل بشيء من لوازمه- أى لوازم المشبه به- على المشبه» (3).
يعنى تنسب إلى المشبه بعض خواص المشبه به، لتكون دليلا على المشبه به المحذوف.
ثم جاء الخطيب القزوينى، واستفاد من أقوال الذين سبقوه، ووضع تعريفا للاستعارة المكنية دار البلاغيون فى فلكه حتى الآن، قال رحمه الله:
(1) أسرار البلاغة (44/ 48).
(2)
مفتاح العلوم (179).
(3)
المصباح (64).
فالاستعارة المكنية إنما هى تشبيه حذف منه ثلاثة أركان: وجه الشبه، وأداة التشبيه، والمشبه به، مع إبقاء ما يدل عليه فى الكلام.
حيث يثبت للمشبه بعض لوازم المشبه به الخاصة به.
أما قرينة الاستعارة المكنية فهى لفظية دائما لأنها تكمن فى إثبات أحد خواص المشبه به للمشبه، وهذا ما سماه الخطيب والبلاغيون بالاستعارة التخييلية. وللاستعارة المكنية ورود كثير فى الشعر العربى القديم والوسيط والحديث، وكذلك فى القرآن الكريم، وهو الذى نقصر عليه حديثنا فى هذه المباحث.
ومنها فى القرآن الكريم قوله تعالى:
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ- وفى توجيهه بلاغيا يقول الإمام الزمخشرى:
«أن تجعل للذل جناحا خفيضا كما جعل لبيد للشمال يدا وللقرة زماما» (5).
وهذا معناه أن فى التركيب استعارة مكنية كما فى بيت لبيد
وغداة ريح قد كشفت وقرة
…
إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
فقد أجمع البيانيون أن فى بيت لبيد هذا استعارتين مكنيتين، إحداهما فى يد الشمال.
والثانية فى زمام القرة وهى الريح الباردة.
وفى الآية شبه الذل بطائر، تم حذف المشبه به وهو الطائر، وأثبت للمشبه (الذل) الجناح، وهو من لوازم المشبه به (الطائر) لا المشبه (الذل) وهذا الإثبات يؤدى مهمتين.
الأولى: الدلالة على المشبه به المحذوف.
الثانية: منع أن يكون المراد هو المعنى الحقيقى الوضعى لأن هذا الإثبات- كما تقدم- هو قرينة الاستعارة المكنية.
وبلاغة هذه الاستعارة هى إخراج المعنوى، وهو البر بالوالدين، فى صورة الحسى. اعتناء بشأنه، وإظهارا له ومنها قوله تعالى:
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ
شبه الغضب بذى عقل وإرادة وثورة، ثم حذف المشبه به (ذا الإرادة العاقل الثائر) ورمز إليه بشيء من لوازمه الخاصة به، وهو
(4) الإيضاح (5/ 123) وما بعدها.
(5)
الكشاف (2/ 445).
السكوت. الذى نسب إلى «الغضب» على أنه فاعل له.
وهذا ما يسميه البلاغيون بالاستعارة التخييلية وهى قرينة المكنية.
وبلاغة هذه الاستعارة المبالغة فى تصوير حدة الغضب التى اعترت موسى عليه السلام، لما رجع من ميقات ربه، فوجد قومه (بنى إسرائيل) يعبدون العجل إلها من دون الله.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى