الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معناها:
قال جلة من العلماء: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة، يقسم لعباده: إن هذا الذى وضعت لكم يا عبادى فى هذه السورة حق، وإنى أوفى لكم بجميع ما ضمنت فى هذه السورة من وعدى ولطفى وبرّى. القرطبى (1/ 79).
وقيل: معناها الاستعانة، أى: أستعين على قراءتى، ونحوها ب (اسم الله الرحمن الرحيم).
ويقال: للتبرك عند البدء والشروع فى الشيء، أى أبدأ عملى متبركا ب (اسم الله الرحمن الرحيم).
منزلتها من القرآن:
اختلف العلماء حول إن كانت البسملة قرآنا، أو مجرد استفتاح للسور القرآنية كما هى استفتاح لكل عمل ذى بال:
فقال الإمام مالك: ليست البسملة آية من الفاتحة ولا من غيرها.
وقال الإمام عبد الله بن المبارك: إنها آية من كل سورة.
وقال الإمام الشافعى: هى آية من الفاتحة، وتردد قوله فى سائر السور، فقال مرة: هى آية من كل سورة، وقال مرة أخرى: ليست آية إلا فى الفاتحة فقط.
غير أنهم أجمعوا على كونها بعض آية من سورة النمل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الآية 30].
وأرجح هذه الأقوال ما ذهب إليه الإمام مالك، فمستنده أقوى من مستند غيره، ولا يعترض عليه بأن البسملة مثبتة فى المصاحف وليس فيها إلا ما هو قرآن، لأن الخلاف حول كونها من كل سورة، وليس حول قرآنيتها، ولا ينفى الإمام مالك كونها قرآنا، وإنما لا يعدها آية من كل سورة، ويؤيد هذا القول اختلاف العلماء حولها، ولو كانت قرآنا متواترا معدودا فى آيات السور القرآنية لما ترك النبى صلى الله عليه وسلم قراءتها عند قراءته لأول السورة كما صح ذلك عنه كثيرا، ولما ساغ للعلماء أن يختلفوا فيها هذا الاختلاف.
ويتفرع على هذا الاختلاف تنوع القول فى حكم قراءتها فى الصلاة وخارجها، وبسط ذلك فى كتب فقه الفروع.
الحروف المفردة فى فواتح السور:
افتتح الله- تعالى- تسعا وعشرين سورة ببعض الحروف الهجائية، بلغ عددها بدون تكرار أربعة عشر حرفا. مثالها ق طه الم المص كهيعص.
ولما كان التعبير بها عجيبا اختلف العلماء
حول معناها والمراد بها اختلافا يمكن إجماله فى قولين:
أحدهما: أن هذه الحروف سر من أسرار الله فى قرآنه، لا سبيل إلى كشفه، بل هو من المتشابه الذى استأثر الله بعلمه، فلم يطلبوا لها معنى، ولم يلتمسوا لها فى الإعراب وجها، ونسب هذا القول إلى الخلفاء الأربعة وابن مسعود وغيرهم من الصحابة- رضى الله عنهم- وتبعهم على هذا جماعة من الخلف.
ثم جاء من يقول أيضا: إنها سر ولكنه من قبيل الرمز الذى يمكن الوصول إليه بالتدبر، فقال بعضهم: إنها حروف مقتضبة من أسماء الله وصفاته، فقالوا فى الم: الألف إشارة إلى أحد، واللام إشارة إلى لطيف، والميم إشارة إلى ملك.
وقيل: إنها لأسماء الله- جل جلاله والرسول صلى الله عليه وسلم والملك عليه السلام، فالألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد.
وقيل غير ذلك.
القول الآخر: قول جمهور العلماء، وهو: أنه لا يليق بالقرآن العربى المبين أن يكون فيه شىء غير مفهوم، وإنما جاء الأمر على هذا الوجه من الغموض طلبا للتدبر، كما قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد 24].
ولما كان الأمر قائما على التدبر لا جرم تنوعت كلمات العلماء فى بيان ذلك، ومنه:
قول البعض: إنها أسماء للسور التى افتتحت بها، فهذه سورة ن، يس وهكذا.
ولكن يرده أنه ليس أمرا مطردا فى جميع سور القرآن، وأن التسمية التى يطلب بها التمييز لا يتحقق مطلوبها هنا، فهناك عدة سور تسمى- على هذا- ب الم، ومجموعة سور أيضا تسمى ب حم، ومثلها تسمى ب الر.
وقيل: إنها أسماء للقرآن، بدعوى أنه يتبعها فى سورها تعظيم للقرآن مثل: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [أول البقرة].
وإنما يبطل هذا القول أن هذا ليس مطردا فى كل المواضع مثل سورة العنكبوت:
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ.
وقيل: هى أقسام أقسم الله بها. ورده العلماء بحجة حذف حرف القسم، وهو لا يحذف إلا مع اسم الجلالة عند البصريين، وبأنه يلزم على هذا القول الجمع بين قسمين،
كما فى ن وَالْقَلَمِ. يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ وقد كره العلماء هذا.
وأرجح الأقوال فى هذا الشأن: أن معنى هذه الحروف هو ما تصدق عليه من حروف الهجاء، ف الم هى: الألف واللام والميم، وهكذا دواليك.
والمراد بها على هذا الوجه هو الإعجاز، بمعنى: كأن الله يقول للمنكرين لربانية القرآن: هذه هى الحروف التى تركبت منها كلمات القرآن، ومنها تركبون كلامكم، فإن كان القرآن- كما تزعمون- افتراء محمد، أو من تعليم بشر، أو سحر يؤثر، وليس من عند الله، فافتروا قرآنا مثله، كما جاء ذلك صريحا فى قول الله- سبحانه وتعالى: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور 33 - 34] أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [هود 13]، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة 23].
ولم يستطيعوا شيئا من ذلك، بل لم يرفعوا بذلك رأسا ولا عقيرة، فوقع الحق وظهر أمر الله، كما قال- سبحانه وتعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء 88].
واستأنس البعض لهذا القول ببعض النكات الحسان منها:
1 -
أن هذه الحروف أربعة عشر حرفا، على النصف من عدد الحروف الهجائية الثمانية والعشرين، وعدد السور المفتتحة بها تسع وعشرون سورة، على عدد حروف الهجاء عند من يعتبر الألف المهموز حرفا، وغير المهموز حرفا آخر.
2 -
أنها اشتملت أنصاف الحروف من حيث الصفات، ففيها نصف حروف الهمس، والجهر، والشدة، والرخاوة، والإطباق، والانفتاح، وغير ذلك.
3 -
أن عددها الأربعة عشر، مطرد فى كثير من الخلق، مثل مفاصل كل يد فى جسم الإنسان، ومنازل القمر فى البروج الشمالية، أو الجنوبية
…
وهكذا.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
وهو ولى الهداية والتوفيق
د./ عبد البديع أبو هاشم محمد
مراجع للتوسع:
(1)
البرهان فى علوم القرآن. للإمام بدر الدين الزركشى.
(2)
الإتقان فى علوم القرآن. للإمام جلال الدين السيوطى.
(3)
مناهل العرفان فى علوم القرآن. للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى.
(4)
مباحث فى علوم القرآن، للشيخ مناع القطان.