الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفواصل
الفواصل جمع فاصلة، والفصل لغة هو البت والقطع يقال فصلت كذا عن كذا: يعنى قطعته عنه (1) والفاصلة والفواصل مصطلح خاص بنظم القرآن الكريم، وسمة من سمات بلاغته وبيانه. ومعنى الفاصلة فى اصطلاح علماء علوم القرآن هى الكلمة الأخيرة فى الآية، مثل القافية التى هى الكلمة الأخيرة فى بيت الشعر، ومثل السجع وهو الكلمة الأخيرة فى الجملة، من الكلام المنثور لأن الكلام: إما شعر (ونهايات جمله أو أبياته هى القوافى) وإما غير شعر، وهو قسمان:
* القرآن، ونهايات آياته فواصل.
* الكلام النثرى سواء كان نثرا فنيا كالقصة والرواية والأقصوصة أو غير فنى ونهايات جمله قد تكون سجعا إذا اتفقت جملتان فأكثر فى الحرف الأخير من الكلمة الأخيرة فيهما وقد تكون ليست سجعا إذا كانت كلمات الجمل الأخيرة فيه غير متفقة فى الحروف الأخيرة من آخر الكلمات فى الجمل التى تقع فى الآخر غير متجانسة.
وتسمية الكلمات الأخيرة فى نهايات الآيات القرآنية «فواصل» مأخوذة من قوله تعالى: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ (2) وقد تكررت هذه العبارة مرات فى آيات الكتاب العزيز، وقد عرف علماء علوم القرآن الفاصلة القرآنية فقالوا:
الفاصلة القرآنية «هى كلمة آخر الآية كقافية الشعر، وقرينة السجع» (3).
وقال أبو عمرو الدانى: «كلمة آخر الجملة» (4)، يقصد أن الفاصلة هى آخر كلمة فى الآية.
وقد يطلقون على هذه الفواصل مصطلح:
رءوس الآيات، وهذا المصطلح أخص من الفاصلة، لأنهم قد يتسامحون فى إطلاق الفاصلة على جملة فى درج الآية، مثل قوله تعالى:
ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ (5) وهى ليست رأس آية (6) والفواصل القرآنية هى مجامع بلاغة القرآن ومعاقد معانيه. والنظر إليها ودراستها يسفر عن عدة خصائص فى إعجازه ونظمه.
ومن ذلك: فهى من جهة تتيح استراحة لقارئ القرآن الكريم حيث يسكت قليلا عند نهاية كل آية قبل أن يأخذ فى تلاوة الآية التى
(1) اللسان ومعاجم اللغة، مادة: فصل.
(2)
فصلت (2).
(3)
البرهان فى علوم القرآن (1/ 53).
(4)
المصدر نفسه.
(5)
الكهف (64).
(6)
البرهان (1/ 53).
بعدها، وهى من جهة ثانية تحدد نهايات الآيات وبداياتها وتميز بين الآيات؛ لأن من سنن تلاوة القرآن وأدائه الأمثل، هو الوقوف عند رأس كل آية إلا فى مواضع قليلة فى القرآن الكريم، فيحسن وصل الآية بما بعدها. وهى من جهة ثالثة تمكن قارئ القرآن الكريم من حسن الأداء، وتتيح للسامع فرصة حسن المتابعة لما يتلى مع تذوق المعانى وتدبرها.
ومن جهة رابعة تؤدى الفواصل القرآنية دورا عظيم الشأن فى انسجام الإيقاع الصوتى مما أضفى على القرآن خاصية فريدة فى نوعها، وهى انفراده بإيقاع صوتى شجى يستولى على القلوب، ويستقطب العقول، ويأسر الأسماع بحلاوة وعذوبة وقعه.
ومن أجل هذا اختصت كلمات الفواصل القرآنية بالأمور الآتية:
* ختمها- فى الغالب- بحروف المد واللين، وإلحاق الميم والنون بها، ووظيفته التمكن من التطريب، قال سيبويه:
«إنهم- أى العرب- يلحقون الألف والياء والنون يريدون مد الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا» (7). وهذا الجمال الإيقاعى فى القرآن لا يخفى على أحد (8).
إن الحروف التى تقع بها الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة، ولا تخرج الفواصل عن هذين النوعين فمثال التماثل قوله تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3).
ومثال التقارب قوله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7).
فالتماثل فى الكوثر وقع بحرف «الراء» والتقارب فى «الفاتحة» وقع بين النون والميم.
* إنها تتقدم عليها ألفاظ، تمهد لها، وتعظم من وقعها فى السمع. وتلك الألفاظ سماها الأقدمون رد الأعجاز على الصدور، وسماها المحدثون ب «التصدير» .
* التكرار فى بعض الفواصل، كما فى سور: الرحمن، القمر، والمرسلات. لكن هذا التكرار ليس مقصورا على هذه الوظيفة الصوتية، بل هو لها ولخدمة المعانى المرادة من الفواصل وما يتقدمها. وللعلماء نظر خاص فى بناء الفواصل، نتج عنه تقسيم الفواصل عدة أقسام، نذكر منها:
(7) الكتاب (2/ 298).
(8)
النبأ العظيم (80).
* الفواصل المتوازية، وضابطها أن تتفق الفاصلتان فى الوزن الصرفى، وفى الحروف، مثل قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (9).
* والمطرف أن تتفق الفاصلتان فى الحروف دون الوزن مثل قوله تعالى:
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (10). فالفاصلة الأولى على «مفعولة» . أما الفاصلة الثانية فعلى وزنى «فعال» و «أفعال» .
* الفواصل المتوازية، وضابطها أن يراعى فى كلتا الفاصلتين الوزن الصرفى، دون الاتفاق فى الحروف مثل قوله تعالى:
وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (11) الوزن واحد «مفعولة» أما الحرفان فهما مختلفان وهما: الفاء والثاء.
ويلاحظ أن الفواصل القرآنية فى الآيات القصيرة تكون كلمة معمولة نحويا لعامل فى الآية قبلها، أو معطوفة على كلمة فيها، أو توضيحا لكلمة، أو مضافا إليها كلمة، مثال ذلك:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) ففي الآية الأولى جاءت بِالدِّينِ متعلقة ب يُكَذِّبُ وفى الآية الثانية جاءت الفاصلة الْيَتِيمَ مفعولا به للفعل يَدُعُّ وفى الآية الثالثة جاءت الفاصلة الْمِسْكِينِ مضافا إليها طَعامِ وفى الآية الرابعة جاءت الفاصلة لِلْمُصَلِّينَ خبرا ل فَوَيْلٌ كما جاءت ساهُونَ خبرا عن الَّذِينَ فى الآية الخامسة، وكذلك يُراؤُنَ فى الآية السادسة. أما الْماعُونَ فى الآية السابعة، فجاءت مفعولا به ل يَمْنَعُونَ وهكذا كل فواصل الآيات القصيرة فى القرآن كله.
أما الآيات الطويلة فتأتى فاصلتها فى جملة مستقلة، مثل: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (12).
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
(9) الغاشية (13 - 14).
(10)
نوح (13 - 14).
(11)
الغاشية (15 - 16).
(12)
البقرة (16).