الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّكرار
التكرار فى اللغة تدور معانيه حول الإعادة، ويكون فى الأفعال كتكرار الزيارة ونحوها، ويكون فى الأقوال وهو إعادة الكلمة، أو الكلام مرتين أو أكثر، وهو المقصود لنا هنا؛ لأن التكرار فن يمارسه المتكلمون كثيرا فإذا دعت إليه حاجة، كان حسنا مقبولا، وإذا لم تدع إليه حاجة، ولم يفد فائدة جديدة كان عيبا مذموما وهو من الأساليب الشائعة فى اللغة العربية، وفى غيرها من اللغات.
وقد عرّفه الفرّاء العالم اللغوى بقوله:
«والكلمة قد تكررها العرب على التغليظ والتخويف (1)» وسماه أبو عبيدة مجاز التكرار (2).
وعرض له الإمام الخطابى فقال:
«تكرار الكلام على ضربين:
مذموم وهو ما كان مستغنيا عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفد من الكلام الأول، لأنه حينئذ يكون فضلا- يعنى فضلة- من القول ولغوا، وليس فى القرآن شىء من
هذا النوع.
والضرب الآخر- يعنى الممدوح- ما كان بخلاف هذه الصفة، فإن ترك التكرار فى الموضع الذى يقتضيه وتدعو الحاجة إليه، فيه إخلال بالبلاغة، مثل تكلف الزيادة فى وقت الحاجة إلى الحذف والاختصار، وإنما، يحسن فى الأمور المهمة، التى قد تعظم العناية بها، ويخاف بتركه وقوع الغلط والنسيان فيها، والاستهانة بقدرها» (3).
وهو من الأساليب التربوية، لأن الكلام إذا تكرر تقرر فى الذهن.
وقد ورد التكرار فى القرآن الكريم بكثرة لخدمة المعانى وتوكيدها، ولوروده فى القرآن دواع بلاغية متفاوتة، ومزايا فنية آسرة. وله صور يأتى فيها منها:
* تكرار الأداة مثل «إن» و «ثم»
* تكرار الكلمة، مثل «أولئك» .
* تكرار الجملة، مثل فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ.
* تكرار الأوامر والنواهى، فى العبادات والمعاملات وغيرهما.
* تكرار القصة (4).
(1) معانى القرآن الكريم للفراء (3/ 287) وينظر (1/ 177).
(2)
مجاز القرآن (1/ 12).
(3)
بيان إعجاز القرآن الكريم (47) ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ط: دار المعارف- القاهرة. الطبعة الرابعة.
(4)
خصائص التعبير فى القرآن الكريم وسماته البلاغية (القسم الأول) مكتبة وهبة- القاهرة.
ولم يخل موضع واحد من مواضع التكرار فى القرآن الكريم من فائدة عظيمة، وسر بلاغى من أجله كان التكرار، من ذلك:
* تأكيد الإنذار فى قوله تعالى:
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (5).
* تأكيد الإنكار، مثل قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وقد تكررت هذه العبارة فى سورة الرَّحْمنُ واحدة وثلاثين مرة، بعد تعديد نعم الله على الثقلين الإنس والجن ومع كثرة تكرارها تجد لها حلاوة فى السمع، ووقعا فى النفس، وحياة فى القلب.
* تأكيد التعجيب من صنع الله عز وجل بالمكذبين الضالين فى قوله عز وجل:
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (6).
* تأكيد التنبيه وزيادته، كما فى قوله تعالى:
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ (7).
كرر يا قَوْمِ مؤكدا لهم هدايته إليهم سبيل الرشاد وقد تضمن هذا التكرار الإشارة إلى فناء الدنيا وفناء ما فيها من لذائذ ومشتهيات.
وقد يكرر اللفظ لطول الكلام مع زيادة التوكيد كما فى قوله تعالى:
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (8).
فقد تكرر فى هذه الآية العبارات الآتية:
إِنَّ رَبَّكَ وقد تقدمت فى صدر الآية.
بَعْدِها وقد تقدم عليها قوله مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وأفاد هذا التكرار فائدتين:
الأولى: تكرار التأكيد، ومن دواعى التأكيد مقامات الوعد والضمان.
الثانية: طول الفصل بين «إن» واسمها، وبين خبرها، وهو لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
* وقد يأتى التكرار لتفظيع وتهويل ما اقترفه المتحدث عنهم، كما فى قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (9).
هذا التكرار المتواصل فى الآية، فيه تفظيع لما كان يقترفه المنافقون من التذبذب بين الإيمان والكفر، ثم إيثارهم الكفر على الإيمان فى عاقبة أمرهم فى الحياة الدنيا.
(5) التكاثر (3 - 4).
(6)
القمر (16).
(7)
غافر (38 - 39).
(8)
النحل (119).
(9)
النساء (137).
أما التكرار فى القصة القرآنية فأسراره البلاغية لا تحصر، ويكفى أن نشير إلى ملامح عامة جاء التكرار فى إطارها.
فأولا: لم تكرر قصة فى موضعين أو أكثر على نمط واحد قط.
وثانيا: يتراوح تكرار القصة القرآنية بين الطول والقصر.
وثالثا: كل صورة ترد عليها القصة المكررة تحمل جديدا فى الصياغة والمعنى لم يرد فى غيرها.
ورابعا: كل نمط من أنماط التكرار مناسب للمقام الذى ورد فيه.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
المصادر والمراجع: