الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام عليه من وجوه:
*
الوجه الأول: في التعريف:
فنقول: عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعَيد - بضم السين، وفتح [العين](1) - بن سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي.
أبو محمد، وهو الأشهر، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نصير، القُرَشي، السهمي.
قال أبو عمر: أمُّهُ رَيْطةُ بنت مُنبِّه بن الحجاج السهميَّة، ولم يَعْلُه أبوه في السنِّ إلا باثنتي عشرة سنة.
وُلدِ لعمرٍو عبدُ الله، وهو ابن اثنتي عشرة سنة. أسلمَ قبل أبيه.
[قال:](2) كان فاضلًا، حافظًا، عالمًا، قرأ الكتب، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أنْ يكتب حديثه فأذن له، قال: يا رسول الله! أكتبُ كلَّ
= كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه، ثلاثتهم من حديث موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وإسناده صحيح، كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله مفصَّلًا، وكما ذكر غير واحد من الأئمة؛ فأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(174)، وصححه النووي في "شرح مسلم"(3/ 129)، والحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 83) وجوَّده في "الفتح"(1/ 233).
(1)
زيادة من "ت".
(2)
سقط من "ت".
ما أسمع منك في الرِّضَا والغضب (1)؟ قال: "نَعَمْ، فإنِّي لا أقولُ إلا حقًّا"(2).
وقال أبو هريرة: ما كانَ أحدٌ أحفظَ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله (3) بن عمرو؛ فإنه كان يعي بقلبه، وأعي بقلبي، وكان يكتبُ، وأنا لا أكتب، استأذنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأَذِنَ له (4).
وروَى شَفِي الأصبحي (5) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حفظتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ألفَ مَثَلٍ (6).
وكان يَسْرُدُ الصوم، ولا ينامُ الليل، فشكاه أبوه إلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِعَينكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لأهلكَ عليكَ
(1)"ت": "والسخط".
(2)
رواه أبو داود (3646)، كتاب: العلم، باب: في كتابة العلم، والحاكم في "المستدرك"(358)، وغيرهما.
(3)
"ت": "لعبد الله".
(4)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الأثار"(4/ 318) بهذا اللفظ.
ورواه البخاري (113)، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم، بلفظ: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
(5)
"ت": "للأصبحي".
(6)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 203). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 264): إسناده حسن.
حقًّا، وإنَّ لزَوْرِكَ (1) عليكَ حقًا، قُمْ، ونَمْ، وصُمْ، وأفطرْ، صُمْ ثلاثةَ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدهرِ"، فقال: إني أطيقُ أكثرَ من ذلك، فلم يزل يراجعه في الصيامِ حتَّى قالَ له: "لا صومَ أفضلُ من صومٍ داودَ، [و](2) كانَ يصومُ يوما ويفطِرُ يومًا" (3).
فوقف عبد الله عندَ ذلك، وتمادَى عليه، ونازلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ختم القرآن، فقال:"اخْتِمْهُ في شَهْرٍ"، فقال: إني أطيقُ أفضلَ من ذلك، فلم [يزل] (4) يراجعه حتَّى [قال:] "لا تَقْرَأْهُ في أقلَّ من سبعٍ"، وبعضهم يقول في حديثه هذا:"أقلَّ من خمسٍ"، والأكثر علَى أنَّهُ لمْ ينزلْ من سبع، فوقفَ عندَ ذلك (5).
(1)"ت": "لزوجك".
(2)
سقط من "ت".
(3)
رواه البخاري (1876)، كتاب: الصوم، باب: حق الأهل في الصوم، ومسلم (1159)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به.
(4)
سقط من "ت".
(5)
رواه الترمذي (2946)، كتاب: القراءات، باب:(13)، وقال: حسن صحيح، عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ قال: "اختمه في شهر"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في عشرين" قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في خمسة عشر"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في عشر"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في خمس"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فما رخص لي.
قلت: وقد وصل محمد بن سعد نسب رَيْطة هذه المتقدمة (1)، فقال: بنت منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم.
قال: و [كان](2) لعبد الله بن عمرو من الولدِ محمدٌ، وبه [كان](3) يُكنَى، وأمُّه بنت محمية بن جزء الزبيدي، وهشامٌ، وهاشمٌ، وعمرانُ، وأمُّ إياس، وأمُّ عبد الله، وأمُّهم أم هاشم الكندية من بني وهب بن الحارث.
وذكر ابن سعد أيضًا من رواية صفوان بن سليم، عن عبد الله بن عمرو قال: استأذنتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في كتابة (4) ما سمعتُ منه قال: فأذنَ لي، فكتبته، فكان عبدُ الله يُسمِّي صحيفتَهُ تلك "الصادقة".
وذكر من رواية إسحاق بن يحيَى، عن مجاهد قال: رأيت عندَ عبد الله بن عمرو صحيفةً، فسألته عنها فقال: هذه الصادقة، فيها ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه منها أحدٌ.
ومن رواية خيثمة قال: انتهيتُ إلَى عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يقرأُ في المصحفِ قال: فقلت: أي شيءٍ تقرأ؟ قالَ: جُزئي الذي أقوم به الليلةَ.
(1)"ت": "المقدمة".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
في الأصل: "كتاب"، والتصويب من "ت".
ومن رواية العُريان بن الهيثم قال: وفدت مع أبي إلَى يزيد بن معاوية، فجاء رجل طُوالٌ، أحمرُ، عظيم البطن، فسلَّم، ثم جلس، فقال أبي: من هذا؟ فقيل: عبد الله بن عمرو.
ومن رواية الحسن، عن شريك بن خليفة قال: رأيت عبد الله بن عمرو يقرأ بالسريانية.
ومن رواية زياد بن علاقة قال: قالَ عبد الله بن عمرو: لوددتُ أنِّي هذه الساريةُ.
ومن رواية قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهطٍ من نُسَّاك أهل البصرة إلَى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدثنا إليه، فدُلِلْنا علَى عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزلَهُ، فإذا قريبٌ من ثلاث مئة راحلة، فقلنا: علَى كلِّ هؤلاء حجَّ عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم، هو، ومواليه، وأحبَّاؤه، وذكر بقية الحديث (1).
ومن رواية عبدِ الكريم، عن مجاهد: أنَّ عبد الله بن عمرو بن العاص كان يضربُ فُسطاطَهُ في الحِلِّ، ويجعل مُصلَّاه في الحرمِ، فقيل له: لمَ تفعلُ ذلك؟ قال: لأنَّ الإحداث في الحرمِ أشدُّ منها في الحلِّ.
(1) في الأصل و "ت": "وذكرنا في الحديث"، ولعل الصواب ما أثبت.
ومن طريق عبد الرحمن بن البيلماني قال: التقَى كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو، فقال كعب: أتطيَّرُ يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: أقول: اللهمَّ لا طيرَ إلا طيرُكَ، ولا خيرَ إلا خيرُكَ، ولا ربَّ غيرُكَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك، فقال: أنت أفقهُ العرب، إنها لمكتوبةٌ في التوراةِ كما قلتَ.
قال أبو عمر (1): [و](2) اختُلِفَ في وقت وفاتِهِ، فقال أحمد بن حنبل: ماتَ عبد الله بن عمرو بن العاص لياليَ الحَرَّة في ولاية يزيد بن معاوية، وكانت الحرةُ يوم (3) الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاثٍ وستين.
وقال غيره: مات سنة ثلاث وسبعين.
وقال يحيَى بن عبد الله بن بُكير: مات بأرضه بالسَّبُعِ من فلسطين سنة خمس وستين.
وقال غيره: مات بمكةَ سنة سبع وستين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
وقيل: إنَّ عبدَالله بن عمرو بن العاص تُوُفِّيَ سنة خمس وخمسين بالطائفِ.
(1) في الأصل: "أبو عمرو"، والتصويب من "ت".
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "ليلة" بدل "يوم".
وقيل: إنَّهُ مات بمصرَ سنة خمس وستين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة (1)(2).
وأما محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (3).
(1)"ت": زيادة: "وقيل: إن عبد الله
…
"، ثم جاء على هامش "ت": "بياض نحو سطر من الأصل"، ولم يشر إليه في "م".
(2)
* مصادر الترجمة:
"الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 261)، "التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 5)، "الثقات" لابن حبان (3/ 210)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 956)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر (31/ 238)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 345)، "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 264)، "تهذيب الكمال" للمزي (15/ 357)، "سير أعلام النبلاء"(3/ 79)، "تذكرة الحفاظ " كلاهما للذهبي (1/ 41)، "الإصابة في تمييز الصحابة"(4/ 192)، "تهذيب التهذيب" كلاهما لابن حجر (5/ 294).
(3)
جاء على هامش "ت": بياض نحو خمسة أسطر من الأصل. ولم يشر إلى هذا البياض في "م".
قلت: قال المزي في "تهذيب الكمال"(25/ 514): محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، جد عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال الزبير بن بكار، أمه بنت محمئة بن جزء الزبيدي، وذكره أبو سعيد بن يونس في "تاريخ المصريين" وقال: روى عن أبيه، روى عنه حكيم بن الحارث الفهمي في أخبار سعيد بن عضير، وابنه شعيب بن محمد. وقد روي له شيء يسير من الحديث، انتهى.
وذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 353) فقال: محمد بن عبد الله بن عمرو ابن العاص، يروي عن أبيه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن =
وأما شُعَيبُ بن محمد: فإن (1) البخاريَّ ذكره في "تاريخه الكبير" فقال: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، السهمي، القُرَشي، سمع عبد الله بن عمرو، و [قد](2) روَى عنه ابنه عمرو.
[و](3) قال [لنا](4) أبو عاصم، عن حيوة، عن زياد بن عمرو: سمعتُ شعيب بن محمد، سَمعَ عبدَ الله بن عمرو (5).
وهذه الرواية تدلُّ علَى سماع شُعيب من جده عبد الله بن عمرو (6).
وأما عَمرو بنُ شُعَيب: فقال البخاري: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، أبو إبراهيم السهمي (7)، سمع أباه، وسعيدَ بن المسيب، وطاوسًا.
= محمد بن عبد الله بن عمرو، ولا أعلم بهذا الإسناد إلا حديثًا واحدًا من حديث ابن الهاد، عن عمرو بن شعيب.
(1)
"ت": "قال" بدل "فإن"، وهو خطأ.
(2)
سقط من "ت".
(3)
سقط من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 218).
(6)
جاء على هامش "ت": "بياض نحو خمسة أسطر من الأصل". ولم يشر إليه في "م".
(7)
"ت": "الهاشمي".
روَى عنه أيوبُ، وابن جريج، وعطاء بن أبي رباح، والزُّهريُّ، [و](1) الحكم، ويحيَى بن سعيد، وعمرو بن دينار.
وقال أحمد بن سليمان: سمعت مُعتمرًا قال: قالَ أبو عمرو بن العلاء: كان قتادةُ وعمرو بن شُعيب لا يُعابُ عليهما [شيءٌ](2)، إلا أنهما كانا لا يسمعان شيئًا إلا حدَّثا به.
قال أبو عبد الله البخاري رحمه الله: ورأيتُ أحمدَ بن حنبل، وعليَّ بن عبد الله، وإسحاق بن إبراهيم، والحميديَّ يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه (3).
قالَ أبو عبد الله: فمَنِ الناسُ بعدهم؟ انتهَى.
وقد خرَّجَ الحافظُ أبو محمد عبد الغني بن سعيد (4) مِصْرِيُّنا الجليلُ ما روَى عن التابعين وروايتهم [عن] عمرو بن شعيب في جزءٍ سمعته من شيخنا الإمام الحافظ أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المُنذري بقراءتي عليه، هذا مع أنَّ عمرَو بن شعيب ليس من التابعينِ،
(1) زيادة من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
جاء على هامش "ت" قوله: "لعله عن جدِّه".
(4)
هو الإمام الحافظ الحجة أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري، المتوفى سنة (409 هـ)، صاحب كتاب "المؤتلف والمختلف" وغيره.
وهذه جلالةٌ لا خفاءَ بها (1).
والحديث في الأصلِ من روايته عن أبيه، عن جده، [و] (2) الكلامُ عليه من طريقين (3):
أحدهما فيما يتعلق بحالة نفسِهِ:
والثناءُ عليه كثير؛ روَى السَّاجي بإسناده إلَى الأوزاعي قال: ما رأيتُ قُرشيًا أكملَ من عمرو بن شعيب (4).
وقال النسائي في "التمييز": عمرو بن شعيب ليس به بأسٌ، روَى عنه الزُّهريّ، وعمرو بن دينار، ويحيَى بن سعيد، وأيوب.
وقال محمدُ بن إسماعيلَ الأَوْنبَي: أخرج عن عمرو بن شُعيب أبو داود وغيره، وهو ثقةٌ في نفسه، روَى عنه جماعة من الأئمةِ من التابعين وغيرهم، وإنما تُكلِّم في روايته عن أبيه، عن جده، وقد احتَجَّ به جماعةٌ من أئمة الحديث وحفاظه، وثَّقَهُ يحيَى، وابن صالح، وأبو زرعة، وغيرهم.
(1) * مصادر الترجمة:
"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 342)، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 238)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر (46/ 75)، "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 344)، "تهذيب الكمال" للمزي (22/ 64)، "سير أعلام النبلاء" للذهبي (5/ 165).
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "طرفين".
(4)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 84).
ذكر عباس الدُّوريُّ عن ابن مَعين أنَّهُ قال: عمرو بن شعيب، أبو إبراهيم، ثقةٌ.
ثم قال: عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده، وهو كتابٌ، وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فيقول: أبي عن جدي، فمن هاهُنا جاء ضعفُهُ، فإذا حدَّثَ عن سعيد بن المسيب، أو عن سليمان بن يسار، أو عن عروة، فهو ثقة عن هؤلاء؛ أو قريبًا من هذا الكلام قاله يحيَى (1).
وقال ابن أبي حاتم: سُئِلَ أبو زرعةَ عن عمرو بن شعيب فقال: مكيٌّ كأنَّهُ في نفسه ثقة، إنما تُكُلِّم فيه بسبب كتابٍ عندَهُ.
وقال أيضًا: سئل أبي: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أحبُّ إليك، أو بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جده؛ فقال: عمرو بن شعيب، [عن أبيه، عن جده](2) أحبُّ إلي (3).
قلت: وقد روَى الترمذي حديثَ عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ الذي يُعطِي العَطِيةَ ثم يرجعُ فيها؛ كالكلبِ أكَلَ، حتَّى [إذا] (4) شَبعَ قَاءَ، ثم عَادَ فرَجَعَ في قَيئِهِ".
(1) انظر: "تاريخ ابن معين - رواية الدوري"(4/ 462).
(2)
سقط من "ت".
(3)
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 238).
(4)
زيادة من "ت".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1).
ثم قال: قالَ الشَّافعي: لا يحلُّ لمن وَهَبَ هِبةً أنْ يرجعَ فيها إلا الوالد؛ فإنه يرجعُ [فيما](2) أعطَى لولده، واحتَجَّ بهذا الحديث.
فهذا الترمذي قد صحَّحَ الحديثَ من روايته؛ أعني: من رواية عمرو بن شعيب، وحكَى عن الشافعي أنَّهُ احتَجَّ بهذا الحديث، وكلاهما اعتمادٌ (3) عليه.
وقال ابن أبي حاتم: سئل يحيَى بن مَعين عنه، فغضب؛ فقال: ما شأنه؟ روَى عنه الأئمةُ (4). وروَى مالك، عن رجل، عنه.
وعن يحيَى القطَّان قال: هو ثقةٌ يُحتجُّ به (5).
وقال الدَّارميُّ: هو ثقةٌ، روَى عنه الذين نظرُوا في أحوال الرجال؛ كأيوبَ، والزُّهريِّ والحكم، قال: واحتَجَّ أصحابُنا بحديثه (6).
(1) رواه الترمذي (2131)، كتاب: الولاء والهبة، باب: ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة. وكذا رواه أبو داود (3539)، كتاب: الإجارة، باب: الرجوع في الهبة، وابن ماجه (2377)، كتاب: الهبات، باب: من أعطى ولده ثم رجع فيه.
(2)
سقط من "ت".
(3)
جاء فوقها في "ت": كذا.
(4)
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 238).
(5)
انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 345).
(6)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
وأما [بعد](1) ما ذُكِرَ من تصحيح القول فيه؛ فقد رُوِيَ عن يحيىَ القظان في روايةٍ قال: هو واهي الحديث (2).
وفي رواية عن علي بن المَدِيني، عن يحييَ: حديثُ عمرو بن شعيب عندنا واهٍ (3).
وفي رواية ابن أبي خيثمة، عن يحيىَ بن مَعين: سئل يحيَى بن معين عن حديث عمرو بن شعيب فقال: ليسَ بذاك (4).
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن عمرو بن شُعيب فقال: ليس بقويٍّ، يُكتَبُ حديثُه، وما روَى عنه [الثقاتُ](5) فيُذاكَرُ به (6).
وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: عمرو بن شعيب له أشياءُ مناكير، وإنما يُكتب حديثه ليُعتبَرَ به، فأما أنْ يكونَ حجةَ فلا (7).
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 94).
(3)
رواه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 273)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 114).
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 238).
(5)
زيادة من "ت".
(6)
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 238).
(7)
رواه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 273)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 91).
وعن أبي بكر بن الأثرم: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل سُئِلَ عن عمرو بن شعيب فقال: أنا كتبُ حديثَهُ، ورُبَّما احتججنا به، ورُبَّما وَجَس في القلبِ منه، ومالكٌ يروي عن رجلٍ، عنه (1).
الطرف الثاني: في روايته عن أبيه، عن جده، وقد اختلفَتْ طرقُ الناس في ذلك؛ منهم من يَحتجُّ بها، وقد ذكرنا ما حكَى البخاريُّ في الاحتجاجِ براويته عن أبيه، عن جده، وأعلَى ما قيل في هذا ما رُوي عن إسحاقِ بن راهَوَيهِ: أئهُ إذا كان الراوي عن عمرٍو ثقةً فهو كمالك، عن نافع، عن ابن عمر.
وروَى بعضُهم هذا اللفظ فقال: وقال إسحاق بن راهَوَيهِ: عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر (2).
وقد أكثر الفقهاءُ من الاحتجاجِ براويته عن أبيه، عن جده، ومنهم أبو إسحاق الشِّيرازي في "مُهذَّبه"(3).
ومنهم من يأبَى الاحتجاج بها، فعن جرير قال: كان مغيرة (4) لا يعبأُ بصحيفةِ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (5).
(1) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 238)، ومن طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 91).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(1/ 186)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 86).
(3)
وذلك في أكثر من عشرة مواضع من كتابه.
(4)
"ت": "المغيرة".
(5)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 238).
[وعن سفيان بن عُيَينة: حديثه عن أبيه، عن جده،](1) عندَ الناس فيه شيءٌ (2).
وقال ابن عَدي: روَى عنه أئمةُ الناس وثقاتُهم، ولكنَّ أحاديثَه عن أبيه عن جده مع احتمالهم إياه، لَمْ يدخلوها في الصِّحاح (3).
واستمرَّ عملُ ابن حزم علَى عدم الاحتجاج بهذه الصحيفة (4).
والذين أنَّكروا الاحتجاج بها في مذهبهم طريقان:
أحدهما: إنكارُ سماع شُعيب بن عبد الله بن عمرو، و [أنه](5) إنما سَمِعَ أبَاه محمد بن عبد الله بن عمرو، فتكون روايةُ عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم[علَى هذا التقدير مرسلةً](6).
(1) سقط من "ت".
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 238).
(3)
انظر: "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (5/ 115).
(4)
وذلك في مواضع كثيرة من "المحلى" فذكر مرة (5/ 232): أنها صحيفة لا تصح، ومرة (6/ 71): صحيفة مرسلة، ومرة (9/ 131): صحيفة منقطعة ولا حجة فيها، وغير ذلك.
(5)
سقط من "ت".
(6)
سقط من "ت"، وقد أشير إلى وجود هذا السقط، وقد أقحمت هذه العبارة في الفقرة التالية في الأصل، ولا موضع لها هناك، وإنما الصواب ما أثبت، والله أعلم.
والثاني: أنها صحيفةٌ، لا سماعٌ، فعن أبي زرعة: روَى عنه الثِّقات، وإنما أنْكروا عليه كثرةَ روايتِهِ عن أبيه، عن جده (1)، وإنما سمع أحاديث كثيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده، فرَواها (2).
فأما الطريق الأول، وهو الإرسالُ، فقد ذكرنا ما رواه البخاريُّ مما يقتضي سماعَ شُعيب بن عبد الله بن عمرو.
[وعن الدارقُطني وغيره من الأئمةِ: أنَّهُ أثبت سماعَ شعيب بن عبد الله](3)(4).
وقال أبو بكر النَّيسابُوري: صحَّ سماعُ شُعيب من جدِّه عبدِ الله (5).
وأما الطريق الثاني، وهو كونه صحيفةً، فيطرقُهُ ما يُقَال في كتاب عمرو بن حزم من: أنَّ هذه الأمورَ المأخوذةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الأصلِ مما يَعتني به أهلُ البيت الذين يُنسبون إلَى الصحابيِّ؛ لأنَّهُ من مفاخرهم، وتقتضي العادةُ تداولهم له، فتكون بمثابة السماع، وقد عُلم أنَّ عبد الله بن عمرو يَكتب، وتقدَّم أنَّهُ سمَّى صحيفتَهُ:
(1) هنا الموضع الذي أقحمت فيه العبارة السابقة.
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 238).
(3)
سقط من "ت".
(4)
انظر: "سنن الدارقطني"(3/ 50).
(5)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 50)، ومن طريقه: الحاكم في "المستدرك"(2/ 54).
"الصادقة"، والظاهرُ في مثل هذا أنَّ [أهلَ](1) بيتِهِ يتداولون نقلَهَا، ويحتفظون (2) بها.
ومنهم من يقول: قولُهُ: عن جده، يُحتمَلُ أنْ يُرادَ به جدُّه الأعلَى، وهو عبد الله بن عمرو، فيكون مسندًا، ويحتمل أنْ يُرادَ جده الأدنَى وهو محمد، فيكون مُرسلًا (3)؛ لأنَّ محمدًا تابعي، فقسموا القول بين أنْ يُقال:[عن](4) أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو، وبين أن يَقتصرَ علَى قوله: عن جدِّه، فإنْ ذكرَ عبدَ الله بن عمرو احتُجَّ [به](5)؛ لسلامته من الإرسالِ، وإنْ لَمْ يذكرْ لَمْ يحتجَّ به؛ لاحتمال الإرسال.
واعلمْ أنَّهُ قد يُتَقَلَّبُ (6) في الاحتجاجِ بهذه الصحيفةِ، فتارةً يَحتجُّ بها بعضُهم إذا وافقَ رأيَهُ، ويتركها إذا لَمْ توافقْ؛ إما بالإهمالِ لذكرها، أو بالطعنِ فيها علَى مذهب مَن يرَى ذلك، وهذا تصرفٌ رديءٌ شَنَّعَ به ابنُ حزم علَى الفاعلِ إذ يقول: إنَّهُ يستحيلُ أنْ يكونَ الشيءُ حجةً في
(1) سقط من "ت".
(2)
في الأصل: "يحفظون"، والمثبت من "ت".
(3)
ذكره ابن طاهر المقدسي في "إيضاح الإشكال"(ص: 30 - 31) عن الدارقطني.
(4)
زيادة من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
(6)
في الأصل: "يتثعلب"، والمثبت من "ت".
موضع، غيرَ حجة في موضع آخر؛ هذا، أو معناه، أو قريب منه (1)؛ وهو معذورٌ في أصل التشنيع.
وقد أكثر الشيخ أبو إسحاق في "المهذَّب" من الاستدلالِ برواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وقال في "اللمع في الأصول": لا يجوزُ الاحتجاجُ بعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ لاحتمال [أنَّ المرادَ](2) جدُّه الأدنىَ، وهو محمد؛ فيكون مرسلًا (3).
ونُقِلَ عن غيره من الشافعيةِ أيضًا: أنَّهُ لا يجوزُ الاحتجاجُ به، وقد أُنْكِرَ علَى الشيخِ أبي إسحاقَ ما ذكرناه من التقلب (4).
وقالَ بعضُ المتأخرين: إنَّ الصحيحَ المختارَ صحةُ الاحتجاج به، عن أبيه، عن جده؛ كما قاله الأكثرون، فاختارَ في "المهذَّب" هذا المذهب المختار (5)، والله أعلم.
(1) قال ابن حزم في "المحلى"(6/ 79) في تشنيعه على المالكية في إيجاب الزكاة في الحلي، وعدم احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيب في الباب، فقال: والمالكيون يحتجون برواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده إذا وافق أهواءهم، ولم يروه هاهنا حجة.
(2)
زيادة من "ت".
(3)
انظر: "اللمع في أصول الفقه" للشيرازي (ص: 75).
(4)
في الأصل: "التثعلب"، والمثبت من "ت".
(5)
قاله النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 346).
وهذا الذي ذكره المتأخرون لا يستمرُّ؛ فإن في هذه الرواية، عن أبيه، عن جده، ما لا يقوله أبو إسحاق ولا الشافعيُّ، ومُقتضَى كونه حجةً عندهم أنْ يُقَال به، فيحتاجون إلَى التقلب (1)، وقد يجيبون عن هذا (2) بطريق جدلي، وهو أنْ يكونَ تركُ العمل به في بعضِ المواضع لقيام مُعارِضٍ منعَ من ذلك، ولا يلزمُ من ترك العمل لمُعارِض تركُ العمل لا لمُعارضٍ.
وقد يجيبون ابنَ حزم عن كلامه بهذا لكنَّه أمرٌ جدلي، ورُبَّما يعسر إثباتُ المعارض فيما يدَّعونه؛ فإنَّ في بعض تلك الرويات نصٌّ علَى بعض الأحكام لا يَحتمِلُ التأويلَ، أو يُستكرَهُ جدًا تأويلُه (3) بحيث يمتنعُ المصيرُ إليه.
وفيه وجهٌ آخرُ جدليٌّ قد يُعتَذَرُ به عن التقلب (4)، تُرِكَ ذكرُهُ لأنْ لا يُتنبَّهَ به علَى إبطالِ حقٍّ، أو إثباتِ باطل، علَى أنَّ هذا التقلُّبَ (5) قد ذُكِرَ قديمًا، فذكر ابنُ عدي عن أبي داود: قالَ أحمدُ بن حنبل: أصحابُ الحديث إذا شاؤوا احتجُّوا بحديثه عن أبيه عن جده، وإذا
(1) في الأصل: "التثعلب"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "بهذا"، والمثبت من "ت".
(3)
"ت": "يعسُر تأويلُه جدًّا".
(4)
في الأصل: "التثعلب"، والمثبت من "ت".
(5)
في الأصل: "المتثعلب"؛ والمثبت من "ت".