الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباغندي قال: حدثنا أبو كامل الجَحْدَري؛ بهذا مثله (1).
قال الحافظ أبو الحسن ابن القطَّان بعدَ ذكرِ هذا الحديث من هذه الجهة: هذا الإسناد صحيح بثقةِ رواتِهِ، واتصالِهِ، وإنما أعلَّه الدارقطني بالاضطرابِ في إسناده، فتبعه أبو محمد - يعني عبد الحق - علَى ذلك، وليس بعيب فيه، والذي قاله (2) فيه الدارقطني هو: إنَّ أبا كامل تفرَّد (3) به عن غندر ووهم فيه عليه؛ هذا ما قاله (4)، ولم يؤيدْه بشيء، ولا عَضَدَه بحجة، غير أنَّهُ ذكر أن ابن جريج الذي دار الحديثُ عليه يُروى عنه، عن سليمان بن موسَى، عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرسلاً.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطَّان: وما أدري ما الذي يمنع أنْ يكونَ عنده في ذلك حديثان؛ مسند، ومرسل، والله أعلم (5).
السادسة:
هذا الحديثُ مما تُجمَعُ طرقه؛ لأنَّه يأتي من وجوه، قالَ شيخنا المُنذريّ رحمه الله: وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن قيس أبي موسَى الأشعري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وعائشة، رضي الله عنها، وليس شيء منها يثبت مرفوعاً، ووقع لنا أيضاً عن عثمان بن
(1) انظر: "السنن"(1/ 98 - 99).
(2)
"ت": "قال".
(3)
فى الأصل "يقرن"، والمثبت من "ت".
(4)
"ت": "قال".
(5)
انظر: "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان (5/ 263).
عفان رضي الله عنه من قوله، ولا يثبت أيضاً، وأشهرُهَا حديثُ أبي أمامة؛ كما قالَ البَيهَقِيُّ.
قلت: قد عُلمَ أنَّ تضافرَ الرواةِ علَى شيء، ومتابعةَ بعضهم لبعض في حديث ممّا يشده ويقويه، ورُبَّما أُلحِقَ بالحَسَنِ، وما يحتج به.
وقد أورد الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله كلاماً يفهم منه أنهُ لا يرَى هذا الحديث من هذا القَبيل، مع كونه روي بأسانيد ووجوه، فقال: لعلّ الباحثَ الفَهِمَ يقول: إنا نجدُ أحاديثَ محكوماً بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيدَ كثيرةٍ من وجوه عديدة، مثل حديث:"الأذنان من الرأس"، ونحوه، فهلا جعلتم ذلك ونحوَه من نوعِ الحسنِ؛ [لأن بعض ذلك عَضَدَ بعضاً كما قلتم في نوع الحسن](1) علَى ما سبق آنفاً؟!
قال: وجوابُ ذلك: أنهُ ليس كل ضعيفٍ في الحديثِ يزولُ بمجيئهِ من وجوه، بل ذلك يتفاوت؛ فمنه ضعيف (2) يُزيلُهُ ذلك؛ كأنْ (3) يكونَ ضعفه ناشئاً من ضعفِ راوٍ (4) مع كونه من أهل الصدق
(1) زيادة من المطبوع من "علوم الحديث" لابن الصلاح.
(2)
في "علوم الحديث": "ضعف".
(3)
في "علوم الحديث": "بأن".
(4)
في "علوم الحديث": "من ضعف حفظ راويه".
والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاءَ من وجه آخر عرفنا أنَّهُ ممَّا قد حفظه، ولم يختلَّ فيه ضبطُهُ [له]، وكذلك إذا جاءنا ضعفُه من حيثُ الإرسالُ، وأتَى بنحو ذلك، كما في المرسلِ، الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعفٌ قليلٌ يزول بروايته من وجه.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك؛ لقوةِ الضعف، وتقاعدِ هذا الجابر عن جبره ومقاومتِه، وذلك كالضعفِ الذي ينشأ من كون الراوي مُتَّهماً بالكذبِ، أو كونِ الحديث شاذاً.
وهذه جملةٌ تفاصيلُهَا تُدرَكُ بالمباشرةِ والبحث، فاعلم ذلك؛ فإنه من النفائسِ العزيزة (1).
قلت: هذا الذي ذكره، وجعلُهُ هذا الحديثَ من النوعِ الذي [لا](2) يقويه مجيئُهُ من طرق، أو وجوه، قد لا يُوافَقُ علَى ذلك، فقد ذكرنا في الأصلِ روايةَ ابن ماجه، وعرفنا أنَّهُ ليس من رواتها إلا من وُثّقَ، وذكرنا كلامَ الشيخ في رواية سُويد بن سعيد، وأنَّ رواتَهُ محتجّ بهم، وذكرنا روايةَ الدارقطني، وحُكمَ أبي الحسن بن القطَّان بأن إسنادَها صحيحٌ، وتعليله بما عُلِّلَ به، وهي منه شجاعةٌ ظاهريةٌ، [شنشنةٌ](3) أعرفُهَا من أخزمِ.
وعلَى الجملة: فإنْ توقَّفَ تصحيحُهُ عندَ أحد علَى ذكر طريق
(1) انظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص: 33 - 34).
(2)
زيادة من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
لا علةَ فيها، ولا كلامَ في أحدٍ من رواتها، فقد يتوَقفُ في ذلك، لكنَّ اعتبارَ ذلك صعب ينتقضُ عليهم في كثير مما استحسنوه وصحّحُوه من هذا الوجه، فإنَّ السلامةَ من الكلامِ في الناسِ قليل، ولو شُرِطَ ذلك لما كان لهم حاجة إلَى تعليل الحسن بالتضافر (1)، والمتابعة، والمجيء من طرق أو وجوه، فيتقلَّب (2) النظر، وتتناقضُ العِبرَ، ويقعُ الترتيب، أو يُخافُ التعذيبُ.
[من الطويل]:
فإنْ يَكُنِ المَهدِيُّ مَنْ بَانَ هَدْيُهُ
…
فهذا، وإلا فالهُدَى ذَا فما المَهْدِيُّ (3)
وما ذكرته عُرِضَ عليك، لا التزامٌ أتقلَّدُ عهدتَهُ، وفي كلامي ما يشير إلَى المقصود.
* * *
(1) في الأصل و "ت": "التظافر"، وجاء على هامش "ت":"صوابه: بالتضافر"، والمثبت من هامش "ت".
(2)
"ت": "فيتثعلب".
(3)
البيت للمتنبي، كما في "ديوانه" (1/ 353) (ق 86/ 32). وقد وقع في الأصل و "ت" ذكر صدر البيت:
فإن يك المهدي من نَابَ هديه
وما أثبت هو من المطبوع من "ديوانه".