الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الجملة الأولى، قال: بل يطالبه بإيراد الجملتين المذكورتين على حال، فلا يجد إلى ذلك سبيلاً، فأُوْرِدَ عليه قولُ الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 57] فقيل: إنه في معنى ما أنكرَهُ، وادَّعى أنه لا يوجد السبيل إليه، وذلك أن قوله:{وَالْكُفَّارَ} قرأه أبو عمرو، والكسائي بالجر عطفًا على {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}؛ أي: ومن الكفار، وقرأه الباقون من الأئمة السبعة {وَالْكُفَّارَ} بالنصب (1)، وانتصابُهُ بالعطف على ما عمل فيه العاملُ اللفظي، وهو قوله:{لَا تَتَّخِذُوا} دونَ موضع {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} .
قال الفَرَّاء في "معانيه": من نَصَبَها رَدَّها على {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} ؛ أي: ولا تتخذوا الكفارَ أولياء.
وقال الزجَّاجُ في "معانيه": النصبُ فيه على النَّسق على قوله: {لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} ولا تتخذوا الكفار أولياء (2).
فقد ثبتَ بقول إمام الكوفيين في النحو، وإمام البصريين فيه، العطفُ بلفظ النصب عقيبَ المجرور على منصوبٍ متقدِّم، وتركُ العطف على موضع الجار والمجرور، والله أعلم.
السادسة والستون بعد المئة:
ادَّعى الشريفُ أنَّ العطف على الموضع مستحسنٌ في لغة العرب، جائزٌ؛ لا على سبيل الاتّساع
(1) انظر: "إتحاف الفضلاء" للدمياطي (ص: 254).
(2)
انظر: "معاني القرآن" للزجاج (2/ 186).
والتجوُّز، والعدول عن الحقيقة، وأن المتكلمَ مخيّرٌ بين حمل الإعراب على اللفظ تارةً، وبين حمله على الموضع أُخْرى.
فرد عليه الفقيه: بأن هذا دعوى مجردةٌ عن برهان، وللخصم أن يقول: بل لا تفعل العرب ذلك إلا تجوُّزًا واتّساعاً، وإنما الحقيقةُ تتبُعُّ اللفظِ اللفظَ، لا الموضعَ، وذكر قول الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام: 99] فذكر أبو إسحاق الزجاج، وغيره من العلماء بهذا الشأن: أن قوله: {جَنَّاتٍ} منسوق على قوله: {خَضِرًا} أي: وأخرجنا من الماء خَضِرًا وجنات (1)، ولم يقولوا: أنها تحمل على الموضع (2){وَمِنَ النَّخْلِ} إن كان موضعهُ نصباً؛ لأن النخلَ مما أخرجه أيضًا، ألا ترى أنه قال في الآية:{وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} ؟ أي: وأخرجنا منه شجر الزيتون والرمان، مع أن هذا أقربُ إليها من غيره، فأخرجنا منه خضراً، فثبت أن العطفَ على اللفظِ أصلٌ، وعلى الموضعِ تجوُّزٌ.
قلت: الذي ادَّعاه الفقيه من أن الحقيقةَ العطفُ على اللفظ، صحيحٌ، والاستعمالاتُ المذكورةُ في العطف على الموضع لا تدل على الحقيقة، والذي ذكره الفقيه أيضًا من الآية والحمل على العطف
(1) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (2/ 276).
(2)
"ت": "موضع".