الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنْ كَان قوله: اسمُ الماءِ الذي يُتَوضَّأُ بهِ، أرادَ به هذا المعنَى الذي أشرنا إليه، وأنَّ تسميتَهُ (1) بذلك مفيدةٌ بالنِّسبَةِ إلَى الوضوءِ، فقد حصَلَ النقلُ عن أهلِ اللغةِ علَى هذا التقديرِ. وإنْ أُريدَ بهِ: الذي من شأنِهِ ومن صِفَتِهِ أنْ يُستعملُ في الوضوءِ، فلا يفيدُ بهذا (2) الذي ذكرناه، وقد كانَ وقعَ لي أنْ يستدلَّ في هذا بما وقَعَ في حديثِ ميمونةَ رضي الله عنها في صفةِ الغُسل (3).
الثامنة:
اللفظُ يقتضي تعليقَ الحكمِ بمُسمَّى النوم، فما يُسمَّى (4) نوماً يتَرَتّب عليه الحكمُ؛ طويلاً كانَ، أو قصيراً، والحنابلةُ اختلفوا:
قالَ صاحبُ "المُغني": والنومُ الذي يتعلقُ به الأمرُ بغسلِ اليدِ ما نقَضَ الوضوءَ؛ ذكَرَهُ القاضي؛ لعمومِ الخبرِ في النومِ.
وقالَ ابنُ عَقيل: هو ما زادَ علَى نصفِ الليلِ؛ لأنَّه لا يكونُ بائتاً إلا بذلكَ، واستشهدَ بالدفعِ منَ المزدلفةِ (5).
والاعتراضُ علَى الأوَّلِ: أنَّ انتقاضَ الوضوءِ (6) لا يدورُ علَى
(1) في الأصل: "سميته"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "هذا"، والمثبت من "ت".
(3)
وهو ما رواه البخاري (246)، كتاب: الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل، ومسلم (317)، كتاب: الحيض، باب: صفة غسل الجنابة.
(4)
"ت": "سمّي".
(5)
انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 72).
(6)
"ت": "أن ما نقض الوضوء".
مُسمَّى النومِ وجوداً أو عدَماً؛ فإنَّ القاعِدَ إذا نامَ يُحكَمُ بعدمِ انتقاضِ طهارتهِ، ولا ينتفي عنهُ اسمُ النومِ، وفي حديثِ أنسٍ [الصحيح] (1): كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ينامونَ، ثم يُصلُّونَ، ولا يَتَوضَّؤون (2)، فأثبَتَ النومَ، ونفَى الانتقاضَ.
ويقولُ الفُقهاءُ: نومُ القاعدِ لا يَنقُضُ الطهارةَ.
والحكمُ هاهُنا مُعَلقٌ بنفسِ المُسمَّى، فَمَن عَلَّقَهُ بما ينقُضُ فقد زادَ قيداً فيما يتَرَتَّبُ عليهِ الحكمُ، وعليه فيه الدليلُ، ولا يصِحُّ القولُ بإدخالِهِ في عمومِ الخبرِ؛ فإنَّهُ لمْ يقلْ بالعمومِ حينئذٍ؛ أي: علَى تقديرِ اعتبارِ النومِ الناقضِ، بل بالخصوصِ؛ فإنَّ النومَ الناقضَ أخصُّ من مُطلقِ النومِ.
والاعتراض علَى الثاني من وجهين:
أحدهما: أنَّهُ سَنُبينُ أنَّ العِلَّةَ في هذا الحُكمِ احتمالُ النجاسةِ، أو التلبُّس بالمُستقذراتِ؛ صيانةً للماءِ، وهذا مجزومٌ بهِ لا يتَطرَّقُ إليهِ شَكٌّ، وفي التقيِّيدِ بنصفِ الليلِ فما فوقَهُ إبطالٌ لهذا التعليلِ؛ فإنَّ إمكانَ الاتصالِ بالنجاسةِ أو المستقذرِ لا يختَصُّ بنصفِ الليلِ قطعاً.
(1) زيادة من "ت".
(2)
رواه مسلم (376)، كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.
[و](1) الثاني: إذا كانَ الأمرُ كما ذكرنا (2)، فـ (أينَ) سؤالٌ عن المكانِ، فإنَّ (3) تقديرَ الكلامِ: فإنَّهُ لا يدري المكانَ الذي أقامَتْ يدُهُ فيهِ نصفَ الليلِ، [وهذا لا يصِحُّ؛ لأنَّ مثلَ هذا الكلامِ، يقتضي حصولَ الإقامةِ نصفَ الليلِ](4)، كما إذا قيلَ: لا أدري أيُّ بلدٍ أقامَ فيهِ فلانٌ شهراً؟ فإنَّه يقتضي أنْ يكونَ قد أقامَ ببلدٍ شهراً، إلا أنَّ المتكلمَ لا يدري عينَ (5) ذلكَ المكانِ.
وكذا لو قالَ: لا أدري أيُّ الدارينِ دخَلَها فلانٌ؟ فإنَّه يقتضي أنَّهُ قد عَلِمَ دُخولَ إحداهُما، ولم يجهل إلا التعيينَ.
وكذلكَ في هذا النظيرِ يقتضي (6) أنْ تكونَ اليدُ أقامَتْ في مكانٍ من بدنِهِ نصفَ الليلِ، إلا أنَّهُ لمْ يَدْرِ عينَهُ، والحكمُ عامٌّ - كما دلَّ الحديثُ عليهِ - في كلِّ مُستيقظٍ من النومِ، فيلزَمُ علَى هذا التقديرِ أنْ يكونَ إقامةَ اليدِ في مكانٍ نصفَ الليلِ حاصلٌ لكلِّ مستيقظٍ، وهذا باطلٌ جَزماً.
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "ذكر".
(3)
"ت": "فيكون" بدل "فإن".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
في الأصل: "غير"، والمثبت من "ت".
(6)
"ت": "فيقتضي".