الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاعتراض عليه: أن ثبوتَ كونه فائدةً، ليس في نفس الأمر، [بل](1) على تقدير رُجحان الحمل على ما يدعيه؛ لأنه لو انتفى الرجحانُ لانتفى كونُه فائدةً، فإثباتُ الرجحانِ بكونه فائدةً إثبات للشيء بما لا يثبت إلا بعد ثبوته، وهو دَورٌ ممتنع، وهذا متينٌ لا يُورَد عليه شيء إلا بطريق جدلي.
السبعون بعد المئة:
اعترضَ الشريف على التأويل بالمسح على الخفين؛ بأن الخُفَّ لا يُسمَّى رِجْلاً في لغة ولا شرع، كما أن العمامةَ لا تُسمَّى رأساً، ولا البُرْقَع وجهًا، فلو ساغ حملُ ما ذكر في الآية من الأرجل على أن المراد به الخِفافَ، لساغ في جميع ما ذكرناه.
أجاب الفقيه: بأنَّ من عادة (2) العرب تسميةَ الشيء باسم غيره، إذا كان مجاوِراً له، وكان منه نسيب، تقول: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، يريدون الكلأ والمطر، وقال الشاعر [من الوافر]:
إذا نزلَ السَّماءُ بأرَضِ قومٍ
…
رَعَيْنَاهُ وإن كانوا غِضَابَا (3)
فسمى المطر سماء لنزوله من السماء، وقال آخر [من الطويل]:
كَثَورِ العَدَابِ الفردِ يَضْرِبُه النَّدَى
…
تَعَلَّى النَّدى في مَتْنِهِ وتَحَدَّرا (4)
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "غاية".
(3)
البيت لمعاوية بن مالك؛ انظر: "المفضليات" للمفضل الضبي (ص: 359).
(4)
البيت لعمرو بن أحمر الباهلي؛ انظر: "ديوانه"(ص: 84).
فسمى الشحمَ ندًى؛ لأن الندى يكون سببًا فيه، فلما كان كذلك لم يمتنع بأن يُطلق اسمُ الأرجل على الخِفاف، لمجاورتها إيَّاها، وأنْ تُحمَلَ القراءة بالجر على ذلك لما تقدم ذكره من الدلالة، ولا يمتنع أن يكون الفعلانِ في الطاهر متساويين، ويقدَّرَ في أحدهما غيرُ ما يقدر في الآخر، كقوله - جل ثناؤه -:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] تقديره فيما روي عن ابن عباس: أن يُقتَّلوا إن قَتَلوا، أو يصلَّبوا إن قتلوا وأَخَذوا المالَ، أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلُهم من خِلاف إن أخذوا المال، أو يُنْفَوا من الأرض إن هربوا بعد وجوب الحَدِّ عليهم، وذلك بأن يُطلبوا حتى يؤخذوا فيقامَ عليهم الحدّ (1)، وكذلك إذا كانت القراءتان بمنزلة اللفظتين، فكأنَّه قال: وأرجلكم إلى الكعبين، وقيل أراد بقوله:(وأرجلكم) المسحَ، إذا كانت القدمان في الخفين، وبقوله:
(وأرجلكم إلى الكعبين)[الغسل](2) إذا كانتا بارزتين، ولا ينكر أن تكون القراءتان على معنيين، وعلى تقدير حالين ووقتين،
(1) رواه الإِمام الشافعي في "مسنده"(ص: 336)، وفي "الأم"(6/ 151 - 152)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 283).
وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (4/ 72).
(2)
زيادة من "ت".
قال الله تعالى {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي (بظنين) بالظاء، أي: بُمتَّهم، وقرأ الباقون بالضاد، أي: ببخيل (1).
وقال جل ذكره: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم (حمئة) محذوفة الألف، أي: ذات حمأة، وقرأ الباقون (حامية) بالألف من غير همز، أي: حارة ذات (2) حمأة (3).
وقال - جل ثناؤه -: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فقرأ نافع، وابن عامر (واتَّخَذوا من مقام إبراهيم) بفتح الخاء على الخبر، وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر (4)، فحمل على أن الله تعالى أمرهم بذلك، فلما فعلوا أخبرهم (5) عنهم به في عَرضة أخرى.
وكذلك قوله تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} [الإسراء: 93] قرأ ابن كثير، وابن عامر بالألف على ما في مصاحف أهل مكة، والشام، وقرأ
(1) انظر: "إتحاف الفضلاء" للدمياطي (ص: 573).
(2)
"ت": "وذات".
(3)
المرجع السابق، (ص: 371).
(4)
المرجع السابق، (ص: 192).
(5)
"ت": "أخبر".