الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثاني: ما ذكره بعض المتأخرين من المالكية (1).
وثانيهما: أن يقال: إذا سلَّمنا أن الأصلَ عدمُ الزيادة فنقول: الأصلُ متروكٌ إذا دلَّ الدليل على تركه، وقد دلَّ، وهو عدمُ ثبوت كون الباء للتبعيض في لغة العرب ثبوتاً يرجع إليه من قول مَنْ يجبُ الرجوع إلى قوله من أهل هذا الشأن، والاعتمادُ في مثل هذا إنما هو على أقوال المتقدمين المبالغين في الاستقصاء مبالغةً توجب الرجوعَ إلى قولهم.
وأيضًا فالزيادةُ في الحروف قد كثرت كثرةً في لسان العرب لا تُحصى، فالمنع من حملها عليها اعتمادًا على الأصل لا يقوى.
وأيضًا فطريقُ إثباتِ اللغة النقلُ (2).
الرابعة:
أجاز أحمدُ المسحَ على العمامة، وذكر أصحابه خلافاً في أن المسح عليها مؤقت؛ كالمسح على الخفين، أو لا؟ وفي أنَّه هل يشترط أن تكون محنَّكة؟ (3)
ووافق الظاهري على جواز المسح عليها أيضًا. فظاهر الكتاب العزيز يأبى الجوازَ بتعلُّق المسح بالرأس، فلا يخرج عن العُهدة بالمسح على غيره، وهم يستدلون بالأحاديث الدالة على مسح النبي صلى الله عليه وسلم على العمامة، وهذه الأحاديث على قسمين:
(1) كذا في النسختين الأصل و "ت"، وكأن فيه سقطاً. لم ينبه إليه في كلا النسختين.
(2)
جاء على هامش "ت": "بياض نحو خمسة أسطر في الأصل".
(3)
انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 185).
أحدهما: ما قُرن به المسح على الناصية.
والثاني: ما لم يقرنْ به ذلك؛ كالذي روي: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ والخِمارِ (1)، وهو صحيح، وكالذي روي من أَمرِه صلى الله عليه وسلم في المسح على العصائب والتساخين (2)، وفُسِّرت العصائبُ بالعمائم، وهذا الحديث الذي نحن فيه مما قرِنَ فيه المسح على العمائم بالمسح على الناصية ذكرًا، فإذا استُدِلَّ به على جواز المسح على العمامة، اعتُرِضَ عليه من جهة من يرى عدم وجوب تعميم الرأس بالمسح، بأنّه قد تأدَّى الفرض فلا يبقى دليلًا على جواز المسح على العمامة، حيث لم يتأدَّ الفرض، وهذا يعود إلى ما قلناه في غير هذا الموضع من الفرق بين الجمع في الخبر، والخبر عن الجمع، وهذا الاعتراض يتَّجه إذا كان إخبارًا عن الجمع، وهو الظاهر من الحديث، وأقلُّ درجات هذا أن يكون جائزًا، أعني: كونه إخبارًا عن الجمع، الدليل المجيزُ المسحَ على العمامة مطلقاً إذا كان جمعاً في الخبر، وهو ممنوع، فلا يتَّجه الاستدلال بهذا الحديث على مَنْ يرى عدم وجوب التعميم.
وأما من يرى وجوب التعميم فطريقُهم فيه احتمالُ حملِهِ على
(1) رواه مسلم (275)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على الناصية والعمامة، من حديث بلال رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو داود (146)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على العمامة، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 277)، وغيرهما من حديث ثوبان رضي الله عنه، وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه، كما ذكر الحافظ في "الدراية"(1/ 72).
العُذر، وقد قدمنا ما فيه وأن الأصلَ عدمُه.
وأما الأحاديث المطلقة فيمكن أن تُخصَّ بحالة الضرورة، أو يُحمل إطلاق الإخبار على الفعل على صورة الجمع في المخبَرِ عنه، وقد بيَّنا أنَّه لا يقوم على جواز المسح على العِمامة مطلقاً من الحديث الذي جمع فيه بين المسح على الناصية وبين المسح على العمامة، فإذا حُملت الرواية المطلقة على [صورة](1) الجمع في المخبر عنه لم يبقَ دليل على جواز المسح مطلقاً، إلا أنه خلاف ظاهر الإطلاق، ويتطرق أيضًا في الأحاديث المطلقة احتمالُ العذر والضرورةِ، وهذه الاحتمالات وإن كانت على خلاف ظاهر الإطلاق فقد يرجح التأويل بها (2)، بالتمسُّك بظاهر القرآن، وهو تمسُّك بلفظ يقتضي وجوبَ مباشرةِ الرأس بالمسح، وليس من باب الفعل الذي يتطرَّق إليه الاحتمالُ لعدم عمومه، نعم الحديث الذي فيه: فأَمَرَهُمْ بِالمَسْحِ عَلَى العَصائِبِ والتساخِيْن (3)، أقوى؛ لأنه قولٌ، لا حكايةُ حالٍ، واحتمالُ التخصيص أيضًا متطرقٌ إليه؛ لأنه حكم تعلَّق بمخصوصَيْن، مطلقٌ في أحوالهم، فجا [ز](4) أن يكونوا من أولي الضرورة (5).
(1) سقط من "ت".
(2)
في الأصل: "بهما"، والمثبت من "ت".
(3)
تقدم تخريجه قريباً.
(4)
سقط من "ت".
(5)
في الأصل: "الصورة"، والتصويب من "ت"، وجاء على هامش "ت":"بياض نحو سبعة أسطر من الأصل".