الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسيرًا، أو تعميمًا، أو تخصيصًا، وقد ذكرنا أن لفظَ "أُمَّتِي" فيه عمومٌ.
التاسعة والعشرون:
لو قال قائل: هذا الحديث يدل على أن تاركَ الصلاة ليس من الأمة، وطريقُه أن يقال: كلُّ مَنْ تركَ الوضوء مع القدرة والعَمْد، فلا غُرَّةَ له ولا تحجيلَ، وكل مَنْ لا غُرَّةَ له ولا تحجيلَ فليس من الأمة، وكل من ترك الوضوء مع القدرة والعمد ليس من الأمة، ثم يقول: كل من ترك الصلاة والوضوء مع القدرة والعمدِ فقد ترك الوضوءَ مع القدرة والعمد، وكل من ترك الوضوء مع القدرة والعمد فليس من الأمة، وكل (1) من ترك الصلاة والوضوء مع القدرة والعمد فليس من الأمة، وإذا ثبت ذلك فيمن ترك الصلاةَ والوضوء مع القدرة ثبت في كل من ترك الصلاة وإن لم يترك الوضوء ضرورةً، إذ لا قائلَ من الأمة بالفرق في التكفير بين تركها مع ترك الوضوء، أو مع فعلِهِ.
أما بيانُ المقدمة الأولى: وهو أن كل من ترك الوضوء مع القدرة فلا غرة له، فإنها السِّيْما التي جُعلت علامةً مُميِّزة للأمة عن غيرهم، لاسيَّما مع العموم الذي في قوله:"إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِيْنَ مِنْ أَثَرِ الوُضُوءِ"، فإنه يقتضي أن كلَّ من هو من الأمة آتٍ بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء، وأما أَنَّ من لا غرةَ له ولا تحجيلَ فليس من الأمة؛ لأنه إذا عمَّتْ هذه العلامةُ كلَّ الأمة والتمييزُ يحصل على ما جاء في الحديث: "كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ
(1)"ت": "فكل".
يا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: أَرَأيْتَ لَوْ أَنْ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ
…
" الحديث، يقتضي أن لا يجعل لغيرهم، وأما أَنَّ كُلَّ من ترك الصلاةَ والوضوءَ مع القدرة والعمد فقد ترك الوضوء مع القدرة والعمد فقطعيٌّ، ضرورةَ تحققِ وجود الجزء عند وجود الكل، وأما أَنَّ كُلَّ من ترك الوضوء مع القدرة فليس من الأمة؛ فَلِما تقدَّم، وأما أَنَّ كُلَّ من قال: بأن تارك الصلاة مع الوضوء كافر؛ فهو قائل بأن تاركَ الصلاة لا مع ترك الوضوء كافرٌ، فظاهر.
وطريقُ الاعتراض على هذا هو ما تقدَّم من عموم هذه العلامة في كل مؤمن، أو لكل من يُنْسَبُ إلى الأمة ظاهرًا، فعليك بالنظر فيه، واعلم أنه لا بدَّ على كل تقدير من الاستناد إلى إجماع لا قائل؛ لأنه إنما يلزم مِنْ أن كل مَنْ ترك الوضوء مع القدرة والعمد فلا غرة له ولا تحجيل، إذا كان هذا الترك عاما في الأزمنة كُلِّها، فلا ينتج الدليلُ على تقدير صحة مقدماتهِ إلا كفرَ من ترك الوضوء مع القدرة والعمد عمومًا في كل أزمنة العمر، [فمتى](1) أُريد الاستدلالُ به على كفر من تركه في بعض الأوقات، لم تصحَّ المقدمةُ القائلة: إن كلَّ مَنْ ترك الوضوء مع القدرة والعمد فلا غُرَّةَ له، فيَحتاج إلى أن يقول: وكلُّ مَنْ قال بكفر تاركه عمومًا، قال: يكفر تاركه في بعض الأوقات؛ أي: الذي لم يأت فيها بالصلاة والوضوء.
(1) زيادة من "ت".