الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُصادِماً لما دلَّ عليهِ التعليلُ في حديثِ المستيقظِ من النومِ (1).
الحادية والعشرون:
الذينَ أخرجوا الأَمرَ عن ظاهرِهِ في الوجوبِ، والنَّهيَ عن ظاهِرِهِ في التحريمِ، يستَدِلون - أو بعْضُهُم - علَى عَدَمِ الوجوبِ بأنَّ الحُكمَ مُعَللٌ بالشكِّ؛ لقولهِ عليه السلام:"فإنَّهُ لا يدري أينَ باتَتْ يَدُهُ"، والشَّكُّ لا يوجِبُ حُكماً في الشرعِ.
واعتُرضَ عليهِ بوجهينِ:
أحَدهما: منعُ كونِ الشَّكِ لا يُوجِبُ حُكماً في الشرعِ؛ فإنَّ النائمَ يجبُ عليهِ الوُضوءُ، والأصلُ عدمُ خروجِ الخارجِ منهُ، وليسَ الظاهرُ خروجَ الحدثِ، ولا الغالبُ، حتَّى يُحكمَ بهِ علَى الأصلِ، فليسَ إلا مُجرَّدَ الاحتمالِ المخالفِ للأصلِ، فليكُنْ كذلِكَ في غسلِ اليدينِ قبلَ إدخالِهِما الإناءَ؛ لتساويهِما في أنَّ الأصلَ عَدمُ الموجِبِ، وأنَّ المخالفةَ له غيرُ متيَقَّنةٍ (2)، بل رُبُّما يُدَّعَى تَرَجُّحُ هذه المسألةِ علَى مسألةِ النومِ؛ لأنَّ جولانَ اليدِ أغلبُ من خروجِ الحَدَثِ عندَ النومِ.
ولقد شجعَ القاضي أبو بَكر بنُ العربي - وذلكَ من شأنِهِ رحمه الله مع مالكيَّتِهِ حيثُ قالَ - فيما وجدتُهُ عنهُ في "عارضةِ الأحوَذِيّ في شرحِ كتابِ الترمذي" -: والصحيحُ وجوبُ الغَسلِ من
(1)"ت": "نومه".
(2)
في الأصل: "ليس منتفية"، والمثبت من "ت".
طريقِ الأثرِ والنظرِ، وذلكَ أنَّهُ قالَ في الحديثِ:"فإنَّ أحَدَكُم لا يدرِي أَينَ بَاتَتْ يَدُهُ"، فعَلَّلَ بذلك؛ كما علَّلَ في وجوبِ الوُضوءِ من النومِ:"فإذا نَامَتِ العينانِ استطلَقَ الوِكَاءُ"(1)، وكما يوجِبُ النومُ الوضوءَ، كذلكَ يُوجِبُ غسلَ اليدِ، هذا إذا لمْ يكنِ استنجَى بالماءِ، وفي المذهبِ أنَّ منْ شكَّ هل أصابَتهُ نجاسةٌ، أمْ لا؟ وَجَبَ عليهِ غَسلُ اليدِ في مشهورِ المذهبِ، والصحيحُ أنَّهُ لا يَجِبُ (2)، انتهَى.
الوجهُ الثاني مِنَ الاعتراضِ: أنَّ مُرسِلَ السَّهمِ والكلبِ علَى الصيدِ، إذا وُجِدَ مع ذلِكَ أمرٌ يُمكنُ أنْ يَكُونَ له مدخَلٌ في الموتِ حَرُمَ الصيدُ (3)، وإرسالُ السهمِ والكلبِ سببٌ ظاهِرٌ في الموتِ، وقد أُزِيل باحتمالِ إحالةِ الموتِ علَى ما طَرَأَ، مع مخالفَتِهِ للظاهِرِ.
فأمَّا الاعتراضُ الأولُ: فأجابَ الجُوريُّ الشافِعيُّ (4) - وهو بضَمِّ الجيمِ، والراءِ المُهمَلَةِ - في شرحِهِ لكلامِ الشافعيِّ رضي الله عنه بأنَّ النائِمَ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 42).
(3)
"ت": "المصيد".
(4)
للإمام علي بن الحسين القاضي أبي الحسين الجوري الفارسي، كتاب:"المرشد" في عشرة أجزاء، و"الموجز على ترتيب المختصر"، كان من أجلاء الشافعية، لقي أبا بكر النيسابوري. انظر:"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 129 - 130).
يخرجُ مِنهُ الريحُ فلا يشعرُ بِهِ، والأغلبُ من الناسِ كذلك، وإذا انتبَهَ لمْ يَكُنْ لهُ سبيلٌ إلَى معرفةِ حدثٍ إنْ كَان تقدَّمَ [في النومِ](1)، فَمِن أجلِ ذلِكَ وَجَبَ عليهِ الوضوءُ؛ وإنْ لمْ يتيقَّنِ الحدث، وليسَ كذلكَ إدخالُ اليدِ في الإناءٍ؛ لأنَّ الذيَ يتَخَوَّفُ عليهِ أنْ يكونَ [مَسَّ](2) موضِعَ الاستنجاءِ في نومِهِ، فتعلَّقَ بيدِهِ من بقايا الاستنجاءِ، وإذا (3) انتبهَ كانَ لهُ سبيلٌ إلَى معرفةِ ذلِكَ إنْ كَانَ أصابَهُ ريحٌ تَعلقُ بيدِهِ أو لون، فإذا لمْ يجدْه كانَ علَى يقينِهِ الأول، فلذلكَ لمْ يجبْ عليهِ الوضوءُ هاهنا فرضًا، واللهُ أعلمُ.
وهذا الذي ادَّعاهُ من الأغلبيةِ بخروجِ الريحِ في النومِ من الناسِ غيرُ مُسَلَّم.
وأما الاعتراضُ الثاني: فُيجابُ عنهُ بأنَّ الأصلَ تحريمُ الميتةِ إذا لمْ تقَعْ في الحيوانِ ذكاةٌ، وحِلُّها في حالةِ الصَّيد رُخصةٌ؛ إحالةَ علَى الظاهرِ، فإذا وقعَ ما يُوجِبُ الشَّكَّ رَجَعنا إلَى الأصلِ، وهو تحريمُ الميتة.
وهاهنا يرجعُ إلَى الأصلِ، وهو طهارةُ اليدِ، [فلا يثبتُ الوجوبُ؛ وفيه نظرٌ](4).
(1) سقط من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "فإذا".
(4)
سقط من "ت".