الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا نمتنعُ من كونه مجازاً.
وإنْ كَان هذا الاعتراضُ لقصد إبطال العلاقة المجوِّزة، فالعلاقةُ موجودةٌ، إذ كونُ الشيء من الشيءِ بسبيل يسوِّغُ مثلَ هذا الإطلاق، ألا تراه يقال: أنا منك، وأنت مني، ولست منك، ولست مني؛ لإرادة الإثبات، ولإرادة التباين، وأنه ليس بسبيل منه.
الثالثة والعشرون:
احتَجَّ المُزنيُّ علَى أنهما ليستا من الرأسِ بما قدمنا من لزوم التخصيص في الحلقِ أو التقصير في الحج، وأنَّه لو كانا من الرأسِ أجزأَ مَن حجَّ حلقُهما من تقصير الرأس (1).
واحتَجَّ الشافعيّ بما معناه: أنهما لو كانا من الرأسِ لأجزأَ مسحُهُما عن مسح الرأس؛ فإنه قال: وليستِ الأذنان من الوجهِ فيُغسلان، ولا من الرأسِ فيُجزِئُ المسحُ عليهما، فهما سنةٌ علَى حيالهما (2).
ورجَّحَ بعضُ المصنفين من أصحاب الشافعي دليلَ الشافعي علَى دليل المُزَييِّ بعد أن ذكرَه وشرحَه، فقال: وهذا احتجاجٌ صحيح، ورُبَّما يمنعُ بعضُ المتأخرين منهم، فيعتمد، أو يعتمدُ علَى ما اعتمدَ عليه الشافعي أولًا، وهو: أنَّهُ لا يُجزئُ مسحُهُ عن مسحِ الرأس، قال: وهذا لا شكَّ فيه؛ أو كما قال (3).
قلت: كلا الاحتجاجَيْن استدلالٌ بنفي اللازمِ علَى نفي الملزومِ،
(1) انظر: "مختصر المزني"(ص: 3).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 27)، و"مختصر المزني" (ص: 3).
(3)
وانظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (1/ 474).
وإلزامٌ للعمومِ في أحكامهما؛ أعني: حكمَ الرأس والأذنين، والتخصيص، فإنْ كَان المقصودُ الردَّ علَى من يقول بالحكمِ بالتعميم، فليس يقوله أحد، وإنْ كَان المقصودُ الردُّ علَى من يستدلُّ بلفظ الحديثِ علَى أنهما من الرأسِ، وإلزامَهُ التعميمَ في الأحكامِ من هذا اللفظ، فقد يقول: هذا غايةُ ما يلزمُ منه التخصيصُ، وإذا صحَّ الحديثُ فلا بدَّ له من مَحملٍ صحيح، وإذا تعذَّرتِ الحقيقةُ حُملَ علَى المجازِ، فإذاً يؤول ذلك إلَى مسألةٍ من مسائلِ تعارضِ أحوال اللفظ، وهي تعارضُ المجاز والتخصيص، وقد قالوا: إنَّ التخصيصَ أولَى (1)، فيُعترَضُ عليه بأنهُ يُلزمُكَ المجازُ بإخراج اللفظ عن حقيقته،
(1) وذلك لوجهين:
أحدهما: أن في صورة التخصيص، إذا لم يقف على القرينة، يجريه على عمومه، فيحصل مراد المتكلم وغير مراده.
وفي صورة المجاز إذا لم يقف على القرينة، يجريه على الحقيقة، فلا يحصل مراد المتكلم، ويحصل غير مراده.
الثاني: أن في صورة التخصيص انعقد اللفظ دليلًا على كل الأفراد، فإذا خرج البعض بدليل، بقي معتبراً في الباقي، فلا يحتاج فيه إلى تأهل واستدلال واجتهاد.
وفي صورة المجاز انعقد اللفظ دليلاً على الحقيقة، فإذا خرجت الحقيقة بقرينة احتيج في صرف اللفظ إلى المجاز إلى نوع تأمل واستدلال، فكان التخصيص أبعد عن الاشتباه، فكان أولى. انظر:"المحصول" للرازي (1/ 501).