الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يجوز له أن يصلي التطوع ما لم تغرب الشمس، وإذا كان كذلك يستحب التأخير، وهذا له وجه من الترجيح، لكن الدلائلَ الدالَّة على التعجيل أرجحُ منه.
السابعة والسبعون:
النهيُ الوارد عن الصلاة بعد العصر كالنهي الوارد عن الصلاة في الثلاثة أوقاتٍ نطقاً ومفهوماً، [ومقتضاه](1) التسوية في الأحكام، والحنفية يفرِّقون بين الثلاثة أوقات: الطلوع والغروب والانتصاب، وبين الوقتين الآخرين بعد الصبح وبعد العصر، فيقولون في الثلاثة: لا يصلَّى فيها جنس الصلوات لا فرضاً، ولا نفلاً، ولا سجود تلاوة، وفي هذين الوقتين يجوزون قضاء الفوائت، ويصلي على الجنازة، ويسجُد للتلاوة، ولا يصلي فيها التطوعَ إلا ركعتي الفجر خاصةً، ولا يركع ركعتي الطواف، كما في الأوقات الثلاثة، فلو صلَّى جاز، ويكره، وهو معلّل بأن الوقت كامل، ألا ترى أنه لو أدَّى فرض يومه يجوز بغير كراهة، وإذا أدى فرضا آخر يجوز أيضاً، وكذلك تجوز صلاة الجنازة، ويسجُد للتلاوة من غير كراهة؛ لأنهما واجبتان، وإذا جاز أداء الفرائض، فأولى أن يجوز أداء النوافل، على أصلهم في الفرق بين الفرض والواجب، وصلاة التطوع، وسجود التلاوة إذا قرأ آية السجدة في الأوقات الثلاثة جائز مكروه عندهم، كما في هذين الوقتين.
الثامنة والسبعون:
لهذا النهي عن الصلاة بعد العصر - معارض،
(1) سقط من "ت".
وهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى ركعتين بعد العصر، وقالت عائشة رضي الله عنها: لَمْ يَدع رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الركْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَتَحَرَّوا بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشمسِ ولا غُرُوبَهَا فتُصَلُّوا عِنْدَ ذلك" وهو في "الصحيح"(1)، وفي "الصحيح" - أيضاً - عنها:"مَا تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ عِنْدي قَطُّ"(2).
والمنقول عن داود أنه قال: يصلي التطوع بعد العصر لحديث عائشة: مَا تَرَكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ في بَيْتِي قَطُّ، قال: ولا يتطوَّع بعد الصبح؛ لأن الآثار في ذلك غير ثابتة، والأصل أن لا يمنع من عمل البر إلا بدليل لا معارض له، وقد تعارضت الآثار في الصلاة بعد العصر فواجب الرجوع إلى قول الله تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] والصلاة فعل خير (3).
فمن الناس من استثناهما عن الكراهة مطلقاً وأجاز ركعتين بعد العصر لا غير، تقديماً للخاص الذي هو الدليل الدالُّ على جوازهما، على العام الذي هو الدليل الدالُّ على المنع من الصلاة، وتقديم الخاص على العامّ طريق معبَّد.
(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (833).
(2)
رواه البخاري (566)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها، ومسلم (835)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر.
(3)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 115).