الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَجَرَّ بتقديرِ الباء، وليس بموضعِ ضرورةٍ (1).
التاسعة والخمسون بعد المئة:
في وجهٍ آخرَ في الاعتذار عن قراءة الجر: أنَّ العربَ قد تجمعُ في العطف بين شيئين باعتبار فِعْلٍ عَمِلَ فيهما، وهو صالحٌ لأحدِهِما دونَ الآخر بنفسه؛ إما اعتباراً بالمعنى الأعمِّ مع التضمين، وإما حذفًا للعامل فيما لا يصلحُ للعمل:{وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246] والأبناءُ لا يُخَرجُ منهم، وذلك للاشتراك في معنى أعم، وهو الإبعادُ، وقال الشاعر [من الرمل]:
يُسْمِعُ الأَحشاءَ مِنْهُ لَغَطًا
…
ولليدين حُيَيئَةً وَبَدَادًا (2)
والحييئة والبدد لا يُسمعان بل يُرَيان، وذلك لاشتراكهما في الرؤية أو العلم.
وقال [من مجزوء الكامل المرفّل]:
مُتَقلِّداً سَيْفاً ورُمْحا (3)
والرمحُ لا يُتقلَّد، وذلك لاشتراكهما في معنى التسلح، وقال [من الوافر]:
إِذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا
…
وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا (4)
(1) انظر: "إعراب القرآن" لأبي البقاء العكبري (1/ 424).
(2)
قلت: في الشطر الثاني من البيت خلل في الوزن.
(3)
عجز بيت لعبد الله بن الزبعرى، كما تقدم، وصدره:
يا ليت زوجك قد غدا
(4)
تقدم ذكره قريبًا.
والعيونُ لا تُزَجَّج، بل تكحَّل؛ للاشتراك في معنى التَّزَيُّن، وقال [من الطويل]:
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أَنْفَهُ
…
وَعَيْنَيْهِ إنْ مَوْلاهُ ثَابَ لَهُ وَفَرْ (1)
ولا يُتَوَهَّمُ أنَّ ذلك يختصُّ بتأخير ما لا يُستعمَلُ الفعلُ فيه، لِيَتبع لما تقدم، فإنَّا قد وجدناه متقدمًا، قال [من الطويل]:
عَلَيْهنَّ فِتْيانٌ كَسَاهُنَّ مُحْرِقٌ
…
وَكَانَ إذا يَكْسُو أَجَادَ وأكرَمَا
صَفَائِحَ تَسْرِي أَخْلَصَتْهَا قُيونُها
…
ومُطَّرِداً مِنْ نسجِ داودَ مُبْهَمَا (2)
ولا تُستعمَلَ الكُسْوَةُ في السيوف، وإنما تُستعمَلُ في الدروع؛ لأنها تُلبس كما تُلبس الكُسوةُ من الثياب، وقال الحُطيئة [من الطويل]:
سَقَوا جَارَكَ الَعَيْمَانَ لمَّا جَفَوْتَهُ
…
وقَلَّصَ عن بَرْدِ الشَّرابِ مَشَافِرُه
سَنَامًا ومَحْضًا أَنْبَتَا اللَّحْمَ فَاكْتَسَتْ
…
عظَامُ امْرِئٍ مَا كَانَ يَشْبَعُ طائِرُه (3)
(1) البيت لخالد بن الطَّيفان؛ انظر: "الحيوان" للجاحظ (6/ 40)، و"الخصائص" لابن جني (2/ 431)، و"المحكم" لابن سيده (1/ 306).
(2)
البيتان للحُصَين بن الحُمَام المُرِّي؛ انظر: "المفضليات" للمفضل الضبي (ص: 66)، و"الأغاني" للأصفهاني (12/ 310 - 311)، وعندهما:
صفائح بصرى أخلصتها قيونُها
…
ومطردًا من نسج داود مبهما
(3)
انظر: "ديوانه"(ص: 31).