الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر
وفي حديث عَمْرو بنِ عَبَسَةَ - الطويل - عند الدارقطني: "ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ، فَيُمَضْمِضُ وَيْسَتنْشِقُ فَينتِثرُ، إِلاّ خَرَجَتْ خَطايا وَجْهِهِ وَفِيْهِ وَخَياشِيْمِهِ". وفي الحديث: "ثُمَّ يَغْسِلُ قَدمَيْهِ إِلىَ الكَعْبَيْنِ كَما أَمَرَهُ الله". [وهذه اللفظة أخرجها ابنُ خزيمةَ في "صحيحه" أيضًا، أعني: قولَه: "كَما أَمَرَهُ الله"](1)، وأصل الحديث عند مسلم (2).
(1) الزيادة من "ت".
(2)
* تخريج الحديث:
رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 107) بالألفاظ التي ذكرها المؤلف رحمه الله. ورواه مسلم في "صحيحه"(832)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: إسلام عمرو بن عبسة، مطولًا بألفاظ نحوها سيذكرها المؤلف في الوجه الثاني من هذا الحديث.
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"(165) مختصرًا، ومقتصرًا على قوله منه:"ثمَّ يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء".
كلهم من حديث عكرمة بن عمار، عن شداد بن عبد الله أبي عمار، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، به.
الكلام عليه من وجوه:
* الأول في التعريف: فنقول: عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد بن غاضرة بن عتاب - ويقال غثَّار - بن امرئ القيس بن بهُثْةَ بن سُلَيم بن منصور بن عكرمة بن خَضفة بن قيس عَيْلان بن مضر بن نزار السلمي أبو نَجِيح، وقيل: أبو شعيب.
وأبوه عَبَسَة: بفتح العين المهملة تليها باء موحدة مفتوحة، ثمَّ سين مهملة مفتوحتين، ثمَّ هاء مفتوحة أيضًا، لا اختلاف فيه بين أرباب الحديث والأسماء والتواريخ والسير والمؤتلف، ومِنْ ضَعَفَةِ الفقهاءِ أو الطلبةِ مَنْ يُدخل نوناً بين العين والباء وهو خطأ كبير، وتصحيف شديد، لا يُعوَّل عليه، ولولا التنبيه عليه لم يذكر (1).
وغاضرة في نسبه: بالغين المعجمة وبعد الألف ضاد معجمة، ثمَّ راء مهملة.
وبُهثَة: بضم الموحدة وسكون الهاء ثمَّ المثلثة على وزن غُرْفة.
وسُليَم: بضم السين وفتح اللام.
(1) وكذا ذكر الإمام النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 347) فقال: وهذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث والأسماء والتواريخ والسير والمؤتلف وغيرهم من أهل الفنون، ورأيت جماعة ممن صنف في ألفاظ "المهذب" يزيدون فيه نوناً، وهذا غلط فاحش، ومنكر ظاهر، وإنما ذكرته تنبيهاً عليه؛ لئلا يغتر به، انتهى.
قلت: ولعل المؤلف رحمه الله قد نقل هذا التنبيه عن النووي رحمهما الله.
وخصفة: بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة.
وعيلان: بالعين المهملة.
ونجيح في كنيته: بفتح النون وكسر الجيم، وآخره حاء.
ويقال: إن عَمْراً كان أخاً لأبي ذر لأمه، قال أبو نعيم الحافظ: عمرو بن عبسة السلمي أبو نجيح، قدم مكةَ على النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه بُعكاظ، ورآه مستخفياً من قريش في أول الدعوة وهو يقول: أنا ربع الإِسلام، ثم رجع إلى أرضه وقومه بني سُلَيم مقيمًا حتى مضى بدر وأحد والخندق، ثمَّ قدم المدينة فنزلها، وكان قبل أن يسلم يعتزل عبادة الأصنام ويراها باطلًا وضلالة.
حدّث عنه من الصحابة: أبو أُمامة الباهلي، وعبد الله بن مسعود، وسَهْل بن سعد.
ومن التابعين: أبو إدريس الخَوْلَاني، وسليمان بن عامر، وأبو ظَبْية، وكثير بن مرة، وعدي بن أرطاة، وجبير بن نُفَير، ومَعْدان بن أبي طلحة (1).
وأما الدارقطني: فهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي
(1) * مصادر الترجمة:
"الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 214)، "الثقات" لابن حبان (3/ 269)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1192)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر (46/ 249)، "أسد الغابة" لابن الأثير (4/ 239)، "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 347)، "سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 456)، "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 658).
ابن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله البغدادي، ثم الدارقطني نسبة إلى دار قطن ببغداد، عالم بالصناعة كبير (1)، وعَلَمٌ من الحفاظ شهير، وفرد في زمنه عزيز أو عدم النظير، لله درُّه في هذا العلم فارساً، ونفعه بما أبقاه منه مفيدًا وقابساً.
قال الحافظ أبو بكر بن أحمد بن علي الخطيب في ترجمته: كان فريدَ دهره، وقريعَ عصره (2)، ونسيجَ وحدِهِ، وإمامَ وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلم الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة والثقة والعدالة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب والاضطلاع بعلومِ سوى علم الحديث.
وقال الخطيب أيضًا: ثنا أبو الوليد سليمان بن خلف الأندلسي قال: سمعت أبا ذرّ الهروي يقول: سمعت الحاكم أبا عبد الله محمَّد ابن عبد الله الحافظ، وسئل عن الدارقطني فقال: ما رأى مثل نفسه.
قال الخطيبُ: سمعتُ القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري يقول: كان الدارقطني أميرَ المؤمنين في الحديث، وما رأيت حافظًا وردَ بغداد إلا مضى إليه وسلَّم عليه، يعني سلَّم له المتقدم في الحفظ وعلوِّ المنزلة في العلم.
وقال الخطيب أيضًا: ثنا الصُّوري قال: سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ بمصر يقول: أحسنُ الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)"ت": "كبار".
(2)
في "تاريخ بغداد": "فريد عصره وقريع دهره".
ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، وعلي ابن عمر الدارقطني في وقته.
وقال الخطيب أيضًا: ثنا البَرقاني قال: كنت أسمع عبد الغني الحافظَ كثيرًا إذا حكى عن أبي الحسن الدارقطني شيئًا يقول: قال أستاذي. فقلت له في ذلك، فقال: وهل تعلَّمْنا هذين الحرفين من العلم إلا من أبي الحسن الدارقطني؟! قال: قال لنا البرقاني: وما رأيت بعد الدارقطني أحفظَ من عبد الغني بن سعيد.
وقال الخطيب أيضًا: ثنا الأزهري: أن أبا الحسن - يعني الدارقطني - لما دخل مصر، كان بها شيخ علويٌّ من أهل مدينةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مسلم بن عبيد الله، وكان عنده كتاب النسب عن الخضر بن داود عن الزبير بن بكّار، وكان مسلم أحدَ الموصوفين بالفصاحة، المطبوعين على العربية، فسأل الناس أبا الحسن أن يقرأ عليه كتاب النسب، ورغبوا في سماعه بقراءته، فأجابهم إلى ذلك، واجتمع في المجلس من كان [بمصر](1) من أهل العلم والأدب والفضل، فحرصوا على أن يحفظوا على أبي الحسن لحنة، أو يظفروا منه بسقطة، فلم يقدروا على ذلك، حتى جعل مسلم يتعجب ويقول: وعربيَّةَ أيضًا؟!
وقال الخطيب أيضًا: وثنا الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصَّفار، فجلس ينسخ جزءًا كان
(1) سقط من "ت".
معه وإسماعيل يُملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعُك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلافُ فهمك، ثمَّ قال: تحفظ كم أملى الشيخ مِنْ حديثٍ إلى الآن؟ فقال: لا، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثاً، فعددتُ (1) الأحاديث فوجدته كما قال أبو الحسن، الحديث الأول منها عن فلان، ومتنه [كذا] والحديث الثاني عن فلان [عن فلان](2)، ومتنه [كذا](3)، ولم يزل يذكر أسانيدَ الأحاديث ومتونَها (4) على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها، فعجِب الناس منه، أو كما قال.
وقال الخطيب: سمعتُ عبد الملك بن محمَّد بن عبد الله بن بشران يقول: ولد الدارقطني في سنة ست وثلاث مئة. وقال: حدثني عبد العزيز الأَزْجي قال: توفي الدارقطني يوم الأربعاء لثمان خَلَوْن من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاث مئة وقال: قرأت بخط حمزةَ بن محمَّد بن طاهر الدقاق في أبي الحسن الدارقطني رحمه الله [من الطويل]:
جَعَلْناكَ فيما بَيْنَنا وَنبِيِّنا
…
وَسِيطًا فَلَمْ تَكْذِبْ ولم تَتَحَوَّبِ
(1)"ت": "فعُدت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
سقط من "ت".
(4)
"ت": "متنها".